عرضت صحيفة هآرتس والقناة 11 العبرية، في تقريرين شبه متطابقين، إشارات من جلسة خاصة للمجلس الوزاري المصغر للشؤون الأمنية والسياسية في تل أبيب، عرض خلالها الجيش الإسرائيلي تقديراته للحرب المقبلة في مواجهة حزب الله، ومخاطر الخلل ومكامنه في الجبهة الداخلية الإسرائيلية.وإن كان التقريران يؤكدان أن عرض السيناريوهات في المجلس الوزاري المصغر قبل أسابيع، لا يعني أن الحرب باتت وشيكة، وهو ما شددت عليه المصادر الأمنية، بل هو «مجرد عرض لفرضيات إذا نشبت الحرب نفسها»، التي ما زالت مستبعدة «لأن حزب الله غير معنيّ بها»، وهي العبارة التي ترد تقليدياً في تقديرات الاستخبارات الإسرائيلية للدلالة على استبعاد الحرب، دون الإشارة إلى نيات إسرائيل وتوثبها، وإن كانت هي نفسها معنية بشن «الحرب المستبعدة»، خاصة أن أصل الحروب وقرار شنّها واستمرارها، تتعلق تقليدياً بإسرائيل، لا بحزب الله أو غيره من فصائل المقاومة.
التقريران المتطابقان يشيران إلى إرادة تسريب ضمن قرار متخذ مسبقاً، يهدف إلى تحقيق جملة أهداف في الساحة الداخلية الإسرائيلية نفسها، وكذلك تجاه «الأعداء» في لبنان. في التقرير الأول، إشارات إلى ضرورة فهم المخاطر والتهديدات وتقلص القدرة على مواجهتها. وفي الثاني، رسالة هي للمفارقة خالية من تهديدات إسرائيلية منفلتة، رغم التهديد بإمكان أن تتواصل الحرب في حال نشوبها، لأكثر من ثلاثين يوماً.
تتضمن التقديرات كما وردت في التقريرين المسربين، ثلاثة سيناريوهات في حال نشوب الحرب: معركة عسكرية قصيرة الأمد لا تتجاوز 10 أيام، معركة عسكرية قد تصل إلى ثلاثة أسابيع؛ ومعركة طويلة الأمد تستمر لأكثر من ثلاثين يوماً. سيناريوهات ثلاثة، مفترضة نظرياً، تأتي في موازاة التشديد على أنها فرضيات غير مرتبطة بتقديرات عن فرص اندلاع الحرب شمالاً، بل مجرد عرض أمام أعضاء الوزاري المصغر، لسيناريوهات وفرضيات ممكنة نظرياً.
وتضمنت السيناريوهات التي عرضها الجيش الإسرائيلي، تحليلاً لعدد الصواريخ التي سيُطلقها حزب الله يومياً، ومعدل اعتراضها المتوقع، إضافة إلى عدد الصواريخ التي ستسقط في المناطق المأهولة مقابل تلك غير المأهولة. كذلك، عُرض العدد التقديري للإصابات في حال نشوب الحرب، كمحصلة نهائية لأيام حرب بسيناريوهاتها الثلاثة.
التقريران، كما يردان، يصمتان عن تحديد الأرقام، وتحديداً ما يتعلق بالخسائر البشرية، حيث جاءت عامة جداً، فيما جاء الصمت مطلقاً عن خسائر وأضرار مقدَّرة تتعلق بالبنية التحتية الإسرائيلية على اختلافها، بما يشمل موارد الطاقة والمرافئ والمطارات والطرق العامة والجسور والقواعد العسكرية باختلافها. فيما اقتصرت الإشارات المسربة، على معطيات عامة عن الخسائر المقدَّر أن تكون كبيرة جداً وأكثر بكثير من خسائر إسرائيل البشرية والمادية، عام 2006.
إحدى «المعضلات» التي عُرضت في جلسة السيناريوهات، ما تسميها المؤسسة الأمنية في إسرائيل «ثقة الجمهور المفرطة بدفاعاته الجوية»، إذ إن الإسرائيليين يثقون ثقة واسعة وزائدة وربما موهومة بأنظمة الدفاع الجوية الإسرائيلية مع توقعات بمعدلات عالية جداً في نجاعة اعتراض الصواريخ المعادية. بحسب هآرتس، «أي حملة عسكرية في الشمال ستتطلب من إسرائيل التعامل مع إطلاق مئات الصواريخ يومياً، وذلك سيؤدي إلى أضرار جسيمة، سواء في الشمال أو في وسط البلاد»، مع ذلك، وللمفارقة في معرض «الثقة الزائدة»، تشير نتائج استطلاعات الرأي كما ترد في هآرتس، إلى أن نصف سكان إسرائيل يفكرون في ترك مستوطناتهم والتوجه إلى مناطق أقل خطراً، في حال نشوب حرب عسكرية مع حزب الله.
ورغم أن التقريرين يعرضان صورة عامة عن خطة إخلاء المستوطنين، التي ستنفذها الجبهة الداخلية في الجيش الإسرائيلي، وتتعلق بمئات الآلاف من المستوطنين في الشمال، وكذلك التهديدات على منصات استخراج الغاز في عرض البحر وإمكانات قطع الكهرباء خلال الحرب، إلا أن الأهم من كل ذلك، هو التقدير بأن إمكانات نشوب الحرب ما زالت منخفضة ومحدودة، مع التأكيد بالمقابل أن أي حدث صغير، من شأنه أن يؤدي إلى تصعيد كبير خلافاً لإرادة الطرفين. وهذا التقدير لا يقتصر فقط على الساحة اللبنانية، حيث الردع متبادل وإرادة منع أسباب التصعيد موجودة لدى الجانبين، بل أيضاً ينسحب إلى الساحة السورية، حيث إمكان الوقوع في أخطاء عالية أكثر، ما يعني إمكان التدحرج نحو مواجهة واسعة، عالية أيضاً في سياقها.
الفرصة في هذا التقدير أن إسرائيل المعنية بعدم التسبب بمواجهة واسعة، مدركة مسبقا أن «حدثاً ما»، ومهما كان صغيراً، قد يؤدي إلى تصعيد كبير. معادلة جاءت نتيجة قواعد اشتباك فُرضت في لبنان على الإسرائيليين، وهو الذي يفسِّر امتناعها، بلا مجادلة، بمعنى ارتداعها، عن التسبب بـ«حدث ما» في الساحة اللبنانية.