الترويقة عند سعادته و»البرانش» مع دولته. الغداء عند «الشيخ» والعصرونية مع معاليه. العشاء برعاية مشروع معاليه. تلك يوميات ما يسمى «مفتاح انتخابي»، منذ أول أسابيع الإعداد للانتخابات حتى الآن. ازدهر «البزنس» وبات يمكن الحديث عن منجم ذهب جديد وقعت عليه المفاتيح الانتخابية مع تطبيق القانون النسبي وتوحيد اللوائح، فما كان صعباً في السابق، صار ممكناً اليوم.في الانتخابات الماضية، كانت وظيفة المفتاح تقتضي تجيير عشرات الأصوات التي يمون عليها لمصلحة مشغلّه، أي المرشح الى النيابة، فيقبض ثمن جهوده مع الشكر والتحية. المفتاح غالباً ما يكون نافذاً في محيطه، فيمون على نحو 100 صوت أو أكثر.
رئيس البلدية مفتاح، كذلك المختار أو رئيس رابطة العائلة أو زعيم العشيرة أو منسق الضيعة، الى ما هنالك. وبالتالي، كانت ولاءات المفاتيح واضحة ولا تعطيها هامش اللعب على حبلين أو أكثر؛ الصناديق في النهاية تفضح بفعل تعليم اللائحة، وكل على طريقته.
مع القانون الجديد، «فلت ملق» الولاءات وبات الموضوع أشبه بسمسرة على قاعدة «الشاطر بشطارتو». هكذا افتتح أحد المفاتيح من عائلة البشارة الموسم الانتخابي في المتن الشمالي بطبق دسم تناوله في عمارة شلهوب، وهو ما كان متوقعاً: يؤيد عرب الفاعور النائب ميشال المر تاريخياً ويذبحون له الخراف ليعبر فوقها، عقب كل استحقاق. ما ليس متوقعاً أن يتوجه هذا «المفتاح» من العمارة في الزلقا إلى مكتب مسؤول الكتائب في منطقة الجديدة ويعرج على مسؤول التعبئة في التيار الوطني الحر منصور فاضل بعدها. الجولة ما زالت في بدايتها؛ فمن الجديدة الى ضبيه لتذوّق قهوة المرشح على لائحة القوات عن المقعد الكاثوليكي ميشال مكتف، ومنها الى ممالحة الوزير السابق الياس بو صعب بطبق «دجاج بالفريكة». تفرغ الصحون وتمتلئ البطون، فيبتسم الجالسون للكاميرا بسرور وحبور.
الذين يعرفون هذا المفتاح، يؤكدون أن مفتاحه الشخصي لدى رئيس بلدية الجديدة ــ البوشرية ــ السدّ أنطوان جبارة. وبالمناسة، «الريّس» أنطوان مفتاح كبير هو الآخر، كان في السابق «علناً علناً ميشال المر» قبل أن تأتي الانتخابات البلدية الأخيرة، فيضع يده بيد التيار الوطني الحر صوناً للمنصب. لذلك، علت الصرخة عند مصارحته ميشال المر بعدم قدرته على إدارة ظهره للعهد. اليوم ينهي جبارة اجتماعه في العمارة صباحاً ويتوجه مباشرة الى منزل إبراهيم كنعان الخصم الأول لـ»أبو الياس». وفي طريق خروجه من منزل كنعان، يتصل بالعمارة مجدداً لإخبار دولته عن تفاصيل اجتماعه. بعدها، يتابع طريقه الى مكتب إلياس بو صعب لتقييم صبحيته مع «أبو الياس» وكنعان، وهكذا دواليك.

عجقت على «وهبة»
يوازي انهماك المرشحين بمعركتهم المقبلة، أجندة المفاتيح الانتخابية المزدحمة بالمواعيد، لا سيما مع سيلان لعاب غالبية المرشحين على أصوات عرب الفاعور من جهة والناخبين الشيعة والدروز من جهة أخرى. هؤلاء الناخبون المسلمون لا مرشح فعلياً لهم، إلا أنه يمكن لأصواتهم أن تصنع فرقاً وتعوّم مرشحاً أو تسهم في تأمين حاصل انتخابي إضافي للائحة. وعليه، «عجقت» على أحد المفاتيح من أبناء الطائفة الشيعية من عائلة وهبة. يتنقل الأخير ما بين مكتب رئيس بلدية الزلقا الملقب بـ»الشريف» والمحسوب على المر، ومكتب «المختار» الذي يدير ماكينة سركيس سركيس الانتخابية، وصولاً الى مرشح لائحة الكتائب مخايل الرموز، قبل أن ينهي يومه بتدخين نرجيلة مع المرشح المرّي جورج عبود. استدراك بسيط: «عند الجدّ»، لا يتلقّى «المعلم وهبة» تعليماته إلا من حركة أمل حصراً.
على المقلب الدرزي، يتهافت المرشحون على شيخ من آل قنطار، رغم علمهم بأن مفتاحه بيد الحزب التقدمي الاشتراكي الذي سبق أن وعد القوات اللبنانية بأصواته المتنية. لكن لا ضير من حضور السوق. من سوق العمارة الى مكتب إبراهيم كنعان الذي يسلّفه ردّ مشاع المتين الى أصحابه. هناك، في احتفال المتين، تعرّف الشيخ الى النائب غسان مخيبر فأعجب به، وقرر زيارة المكتب الانتخابي الذي افتتحه الأخير في بيت مري منذ مدة، ولو أن الأمور لم تسر بسلاسة كما أراد: أخرج الشيخ سيجارة، فعاجله مخيبر بدعوته إلى احترام قانون منع التدخين. أراد شرب القهوة، إلا أنه لم يجدها «لأن المكتب جديد ومش مجهز». خلص الى سماع محاضرة عن إنجازات مخيبر في اللجان، و«اكتشف» أن «الفتحة» عليه «مش حرزانة».
حرد أحد المفاتيح من سركيس فأنزل صورته ورفع صورة أكبر لمرشح قواتي


في بيت مري أيضاً، مهندس لطالما كان مفتاحاً لدى المرشح سركيس سركيس. وعند اقتراب موعد الانتخابات النيابية، يخرج صورة «الشيخ» (سركيس) الكبيرة من «التتخيتة» ويعلّقها على واجهة منزله. يبدو أن زيارته لسركيس هذه المرة لم تكن مثمرة، وتزامنت مع تعرّفه على المرشح ميشال مكتف. سرعان ما نزلت صورة سركيس الكبيرة لتحلّ محلها صورة أكبر لمكتّف وفوقها عشاء على شرفه يحضره جماعة «الباش مهندس». إلا أن الأمر استفزّ سركيس، فأوصى «المختار» (مدير ماكينته) وأحد أقربائه بطلب موعد من المفتاح على عجل، من أجل إنزال صورة المكتّف وإعادة رفع صورته من جديد.

مفتاح قلب المرشح: التصفيق
يقول مرشحون فضّلوا عدم ذكر أسمائهم، لدواع انتخابية، إن أمر المفاتيح غير خاف عليهم. لا بل يعرفون جيداً أن هؤلاء يجولون على الجميع، وبات عملهم عبارة عن «تجارة» لا غير. رغم ذلك «يصعب الاستغناء عن المفتاح الذي تغيّرت طبيعة عمله في ظل هذا القانون. بعضهم يصارحنا بأنه يعمل على تقسيم الأصوات التي يمون عليها على زبائنه، تماماً كما كان يفعل سابقاً من خلال عملية التشطيب».
هنا، يبدو المفتاح معذوراً، فلا هو حزبي ولا «قضية عقائدية» يرفعها، عكس منسّقي الأحزاب في البلدات والحزبيين الذين يفترض أن يكون همّهم الأول والأخير مصلحة لائحتهم ومرشحيهم. أحد المنسّقين في بلدة الميّاسة، يتلعثم بالأسماء ما بين نائب عوني ومرشح ماروني على لائحة ميشال المر لكثرة ما يتواصل معهما يومياً، فيعمد أحياناً إلى مناداة الأول باسم الثاني. في المقابل، يعمل أحد مفاتيح العونيين في حملايا للائحة التيار بكل ما للكلمة من معنى. لذلك، يتنقل يومياً من منزل سركيس الى بو صعب، وفي طريق عودته يهاتف المرشح الكاثوليكي العوني إدغار معلوف لإعداد لقاء له، فيتبيّن له أن الأخير يُعدّ للقاء في البلدة ولكن عبر مفتاح آخر، فيعاجله بالمقاطعة.
في جل الديب، مفتاح كتائبي أداته الترويجية الرئيسية هي التصفيق. في أول زيارة انتخابية نظّمها لإدغار معلوف، تقضي «جماعته» غالبية وقتها وهي تصفّق. في ثاني زيارة لخصم معلوف على لائحة القوات، ميشال مكتف، يكرر السيرة نفسها: ابتسامات وتصفيق. في الزيارة الثالثة للنائب سامي الجميّل، يضاعف المفتاح وجماعته التصفيق، فيقرر الشيخ ـــ الفتى إعادة الزر الكتائبي الذي كان قد سحبه منه لتقصيره في احتفال سابق في التصفيق. أما في أنطلياس، فكان القواتيون يحلفون بـ«دمات» مفتاحهم، قبل أن يكتشفوا اليوم أنه باع «الدمات» الى مرشح آخر ضمن لائحتهم.



ويْله شر «العمارة» وغضب «العهد»
لطالما كانت الماكينة الأكثر تأثيراً في انتخابات المتن الشمالي والأكثر دقة في عملها، هي ماكينة رؤساء البلديات، لا سيما بلديات ساحل المتن التي سيطر عليها النائب ميشال المر لعقود من الزمن، قبل أن يقتحمها التيار الوطني الحر في الانتخابات البلدية الأخيرة. معظم هؤلاء يعملون حالياً مع العونيين والمر على حدّ سواء، وبعضهم يفضّل عدم مواجهة «أبو الياس» بالحقيقة المرة كما فعل رئيس بلدية الجديدة ــ البوشرية ــ السدّ. وعليه، قرر أحد «الريّاس» إخفاء تعاونه مع أحد مرشحي التيار الحر، فوعد المر بـ800 صوت. غير أن حسابات الأخير كانت تشي بما لا يقل عن 1200 صوت، ليتبيّن من خلال استقصاء صغير أن «الريّس» وعد المرشح العوني بالـ400 صوت الباقين. استبعد «الريّس» من ماكينة المر سريعاً، وطلب منه الاهتمام بالأمور البلدية حصراً، فيما لوّحت إحدى الجهات المستقلة بملف قضائي لأحد «ريّاس» الساحل لضمان عدم لعبه على الحبلين. ويبدو زميله في بلدة مجاورة أصفر الوجه منذ دخول الاستحقاق الانتخابي المرحلة الحاسمة، إذ إن نعمة تعدّد ولاءاته هي التي أعادت انتخابه رئيساً في الانتخابات السابقة، ولكنها اليوم نقمته الأكبر مع ترشح أولياء نعمته على لوائح مختلفة: ويْله شرّ العمارة، ووَيْله غضب «العهد»، ووَيْله الأكبر نكد الشيخ سامي الجميّل.