يمكن أن يكون هذا العنوان علامة ثابتة في مسار الفوضى القائمة في مناطق كثيرة من لبنان، حيث يختلط الفقر بالإهمال، والجهل بالجريمة، والفلتان بعمليات النصب والاحتيال. وحيث تسقط الكثير من الضوابط التي يفترض بالدولة أن تقوم بها، ولا يمكن المؤسسات الاجتماعية القائمة على العائلة والعشيرة معالجتها.
في الضاحية الجنوبية لبيروت، تجمّع خلال خمسين عاماً أكثر من نصف مليون مواطن ومواطنة. مع الوقت، اختفت معالم الضاحية الهادئة، لمصلحة انتشار عمراني قائم على الفوضى، وتفريخ عشوائيات لإيواء الهاربين من عوز الريف، ومن الحروب المتعاقبة داخلياً، ومع العدو. لكن أهم ما في الأمر، أن هذه البقعة بقيت، على الدوام، مسرحاً وخزاناً لغالبية القوى المناضلة ضد الظلم والاحتلال. فكان نصيبها العقاب المفتوح من الدولة على اختلاف سلطاتها.
في ربع القرن الأخير، نجح حزب الله، دون غيره من الأحزاب، ليس في مدّ نفوذ سياسي واجتماعي كبير فحسب، بل في استقطاب أبناء الضاحية الأساسيين، أو الأصليين، وصارت له تركيباته التنظيمية والاجتماعية والخدماتية التي لم تتعارض يوماً، مع كون الضاحية تمثل مركز القيادة الأساسية للمقاومة سياسياً وعسكرياً وأمنياً. ولم يحصل يوماً أن خرج أبناء الضاحية يطالبون الحزب بالرحيل عنه، رغم كل الدمار الذي أصابهم، وظلت التضحيات كبيرة وكبيرة جداً. لكن هذه الكتلة البشرية صارت، منذ سنوات، تطالب الحزب بدور أكبر. وبعكس ما يروّج له خصوم الحزب، فإن السكان أرادوا منه تولي مسؤولية إدارة شؤونهم كافة، وأن يحلّ فعلياً محلّ الدولة التي لا تأتي أبداً. كان الناس، وربما لا يزالون، يريدون من الحزب الإشراف على إدارة الأمور اليومية في ما خص الكهرباء والماء والهاتف وتنظيم الأسواق وإدارة الخدمات العامة، وتولي الأمن اليومي، وليس الأمن السياسي أو العسكري.
لكن ما تطور مع الوقت، هو أن التدهور الاقتصادي الكبير في البلاد أصاب أبناء هذه المناطق كما غيرهم، فانتشرت الآفات الاجتماعية الناجمة دوماً عن الفقر والتسرب المدرسي والفوضى وغياب السلطة الرسمية الواضحة. وخلال السنوات الخمس الأخيرة، صار أبناء هذه المنطقة يتداولون أخبار جرائم القتل والخطف والبلطجة، والحديث عن أسواق الممنوعات من مسروقات ومخدرات، وحتى الدعارة التي يفترض أنها تتناقض مع البيئة الضاحيوية المحافظة. وكان على الحزب أن يتصدى لهذه المهمة.
وفي كل مرة يرفض فيها الحزب هذا الدور، كان يحاول استدراج الدولة لتولي المسؤولية. لكنْ مجنونٌ من يعتقد أن في السلطات المتعاقبة على إدارة البلاد من يهتم لهذا الأمر. أكثر المشاريع تكاملاً، قدمه رفيق الحريري تحت اسم «إليسار»، لكنه كان مشروعاً منسوخاً عن مشروع سوليدير، وكان هدفه إبعاد الناس عن هذه المنطقة، لا يهم إلى أين، وتحويلها إلى منطقة خدمات لمركز العاصمة الميت أصلاً. وهو ما فرض مواجهته بقوة، لكن من دون بدائل.
المهم أن الأمر وصل إلى حدود صار فيها الفقراء المحرومون من الدولة يشكون قلة الأمن الاجتماعي إلى أبعد الحدود، ولم يعد بإمكان الحزب السكوت. لكنه ليس الطرف القادر على تحمل المسؤولية. كل ما عليه هو عدم وضع أي فيتو، ولا سيما أنه أطلق منذ فترة طويلة ورشة إعادة ترتيب الأمور في الضاحية، وأطلق ورشة «ضاحيتي» التي تعمل بإشراف اتحاد بلديات الضاحية الجنوبية، وغايتها تنظيم الحركة اليومية ومنع المخالفات. وهو عنوان مهمة الجيش اللبناني فجر أمس في موقف حي السلم.
من الطبيعي أن يكون الحدّ الفاصل بين الفقر والجريمة دقيقاً للغاية. وسيكون من الصعب ضبط الموقف في حالة الدعوة إلى علاج كامل للأزمة. لكن بات من الصعب رهن الأمور كلها بخطوة واحدة. ومن دعا إلى معالجة الظواهر الأمنية في مناطق شبيهة من حيث الواقع الاجتماعي والاقتصادي، كما جرى في طرابلس أو مخيمات لبنان، عليه أن يكون أكثر وعياً وهو يتحدث عمّا جرى أمس في حيّ السلم. أما الرهان من فريق 14 على زعران لمواجهة حزب الله، فهذا مفهوم في قاموس هؤلاء!