مصطفى عاصيانحنى رئيس اللقاء الديموقراطي النائب وليد جنبلاط أمام عاصفة المتغيرات الإقليمية والدولية، وأمام عاصفة 7 أيار تداركاً لانعكاساتها على الجبل وعلى زعامة المختارة، فتلقّف سليل البيت الأرسلاني الوزير طلال أرسلان الفرصة للتذكير بثنائية الزعامة الدرزية تاريخياً، وليجعل من دارة خلدة مرجعية محورية في حركة المصالحات.
حين وصل فتيل التفجير خلال اضطرابات أيار إلى الشوف، بما يمثل من رمزية للزعامة الجنبلاطية، تلمّس المير الخطر الذي يهدد الطائفة والجبل والمقاومة والشيعة معاً. لكن المحظور وقع بعد سقوط 4 قتلى لحزب الله. ضجّت خطوط الاتصال بين خلدة والضاحية الجنوبية بعد المكمن، وكان طرفاها طلال من جهة وقادة سياسيون (منهم المعاون السياسي للأمين العام لحزب الله، حسين الخليل، وعضو المجلس السياسي محمود قماطي) وقادة في المقاومة من جهة أخرى. أفضت الاتصالات إلى حصول أرسلان على تفويض من الأمين العام لحزب الله لإجراء وساطة مع جنبلاط واحتواء الموقف بعيداً من الحسم العسكري.
ويروي أحدهم أن تجاوب السيد مع مساعي التهدئة جاء انعكاساً لقرار ثابت لدى الحزب خلاصته عدم توجيه ضربة عسكرية قاسية ومهينة لجنبلاط أو مس زعامته.
انتهت أحداث بيروت والجبل، وبات جنبلاط قادراً على العودة إلى المختارة لتفقّد الرعية. وقبل خروجه من كليمنصو، اتصل بالمير وأبلغه عزمه على تقديم التعازي بالضحايا والتجوال في الجبل بدءاً بخلدة. اللقاء الأول بين الرجلين، الذي جاء بعد قطيعة 3 سنوات، كان قصيراً، بارداً، زاخراً بالمجاملات. قال أرسلان لزائره «لازم نعالج الموضوع مع المقاومة ونوقف الفتنة». فردّ جنبلاط «أنا ذاهب إلى قطر، وعندما أعود يجب أن نلتقي لنحل كلّ الأمور».
في أحد الاجتماعات بين جنبلاط وبري، سأل الثاني الأول عما إذا كان لديه مانع في توزير أرسلان، فأجاب جنبلاط بالنفي، لكنه عقّّب «المقعد الوزاري من حصتنا، لكن الحقيبة من حصتكم». حصل خلاف على الحقيبة، قبِل المير التوزير شرط اقترانه بالحقيبة، وإلا سمّى مسؤولاً في الحزب بدلاً منه. أمام إصرار أرسلان، «طرّاها» جنبلاط، فأبلغ الرئيس المكلّف فؤاد السنيورة تجيير الحقيبة المحجوزة لوائل أبو فاعور إلى أرسلان، ثم عاد قبل يومين من إعلان التشكيلة الحكومية ليطالب بحقيبة لأرسلان.
بعد هذه التطورات الكلامية، تحول غازي العريضي إلى زائر ليلي مألوف في دارة خلدة. أسست الجلسات لعشاء سيجمع أرسلان وجنبلاط في منزل الصديق المشترك، طارق حمادة في بعقلين، حيث سلّم المير جنبلاط وثيقة مكتوبة تعدّ أساساً للمصالحة بين الأرسلانية والجنبلاطية. ويؤكد أحد المطّلعين على اللقاء أن من أبرز بنود الوثيقة تأكيد حماية المقاومة وعروبة الجبل والعلاقة مع سوريا ودور الموحدين الدروز في حماية لبنان.
تمر الأيام، ينتصف تموز وتأتي مناسبة تحرير عميد الأسرى سمير القنطار. يسعى المير وحزب الله إلى إقامة مهرجان وطني يشارك فيه الدروز جميعاً. طالب أرسلان بكلمة يلقيها في المهرجان من حرر سمير القنطار، فوافق جنبلاط. التدبير الذي اتخذه المير لصعود ممثل المقاومة (النائب محمد فنيش) إلى الجبل كان ينص على وجوب حضور ممثل الحزب إلى خلدة ومنها يستقل سيارة المير ويصعدان إلى بلدة عبيه.
بعد ذلك كرّت سُبحة التصريحات الإعلامية الهادئة، تدريجاً توقف الهجوم على سلاح المقاومة وإيران وولاية الفقيه وثقافة الموت والحزب الشمولي، ولم يعد نصر الله قرصاناً خاطفاً لطائفة.
وسط هدوء التصريحات السياسية، جاءت عملية اغتيال المسؤول في الحزب الديموقراطي صالح العريضي في بيصور بتاريخ 10/ 8/ 2008 لتزيد من تحدّي أرسلان وتصميمه على السير بالمصالحة. وبينما كان جنبلاط يتقبّل التعازي إلى جانب أرسلان، تبلّغ الأخير أن وفداً من حزب الله يمثّل السيد حسن نصر الله في طريقه إلى بيصور. رمى أرسلان في أذن جنبلاط كلمات مقتضبة فحواها أنه ينوي الشروع في عملية المصالحة بينه وبين الحزب وسأله: «هل يمكن أن نسرّع وتيرة المصالحة؟»، فردّ عليه: «أنا جاهز، شوف الصيغة المناسبة».
لما وصل وفد حزب الله، انزوى أرسلان برئيسه إبراهيم أمين السيد لدقائق، ونقل إليه الأجواء، فبارك السيد الخطوة. ثم عاد وأجلسه بينه وبين جنبلاط.
فما كاد السيد يغادر بيصور حتى اتصل إرسلان بالوزير غازي العريضي وبقيادة حزب الله، واتفق على الاجتماع نهار الاثنين ١٥ أيلول، في دارة خلدة.
كُتب الكثير عن هذا اللقاء، ولكن ما لم يكتب أكثر. ومنه، أنّ الحزب التقدمي، بلسان الوزير أبو فاعور، تمنّى على حزب الله تسريع مصالحته في بيروت مع تيار المستقبل، وأنّ حزب الله، بلسان الوزير فنيش، أقرّ برغبة الحزب في إتمام هذه المصالحة، وأنّ الطرفين شددا على منع الفرز السكاني الطائفي بعد 15 أيلول عُقد اللقاء الثاني بين وفيق صفا وأكرم شهيّب في خلدة، بحضور عدد من مسؤولي الطرفين. وأبلغ صفا شهيّب أن المقاومة قررت تفكيك كل النقاط الأمنية من منطقة الجبل، فسارع شهيّب إلى القول: «لدينا تعليمات من وليد بك بعدم الحديث عن هذا الموضوع، وما دمت قد فتحت السيرة، أودّ القول إنه إذا كانت تلك النقاط الأمنية والعسكرية تحمي ظهر المقاومة، فلا مانع أن تبقى».
الاجتماع الثالث عقد أيضاً في خلدة يوم الثلاثاء 23 أيلول وانقسم شقين:
ـــــ اجتماع لمسؤولي بيروت في الأحزاب الثلاثة (حزب الله، الاشتراكي والحزب الديموقراطي) ناقش الوضع في العاصمة خصوصاً.
ـــــ اجتماع لمسؤولي الأحزاب الثلاثة في كل المناطق الممتدة من حي السلم وصحراء الشويفات وصولاً إلى الجية وصعوداً إلى جرد عاليه.
من شعار «من العداوة ما قتل» إلى شعار «من الحب ما قتل»، تسير العلاقة تصاعدياً بين حزب الله والتقدمي. حبّ عبّر عنه ممازحاً طلال أرسلان عندما قال للطرفين في أحد الاجتماعات «بس ما تتفقوا علينا بالآخر!».