استشهاد أحدهم ينسينا الشهيد السابق، هذا ما أرادته السلطة الفلسطينية والاحتلال، وربما إن بقينا على حالنا سيكون لهم ما أرادوا.ارتقى الرضيع علي دوابشة حرقاً من قرية دوما في نابلس، وقبل أكثر من عام استشهد محمد أبو خضير، وقبل أيام استشهد شاب هنا وآخر هناك، وإدانات من هذا البوق وذاك الرئيس، والنتيجة أن لا نتيجة.
رئيس السلطة الفلسطينية أدان وشجب واستهجن الجريمة البشعة التي ارتكبها المستوطنون بحق الرضيع دوابشة، بعد حرق منزله وإصابة أسرته المكونة من الأم والأب والأخ الأكبر قليلاً. تصريح السلطة ممثلة برئيسها، وبوصفه "ينتمي" إلى الضحية، لم يفرق كثيراً عن تعبير رئيس حكومة الاحتلال بنيامين نتنياهو ووزير حربه موشيه يعالون.
الثلاثة اعتبروا أن ما حصل هو جريمة ارهابية تستوجب العقاب، غير أن الاحتلال لاحقاً عندما "يقبض" على الجناة، سيجعلهم مجانين ومختلين كما يفعل مع كل جريمة أو اعتداء يرتكب من المستوطنين. إذن فالاحتلال يفعل لأولئك الذين ينتمون إليه.
لكن السلطة الفلسطينية بعد تصريحها وزيارة رئيس الحكومة لموقع الجريمة، وربما زيارة الرئيس لأسرة الرضيع من أجل العزاء، يكون الأمر قد انتهى لديها، وبانتظار عدد من الخطابات الرسمية التي يصبح "علي دوابشة" أداة للتدليل على بشاعة الاحتلال، لكنه على الإطلاق لن يكون منارة للنضال من أجل المقاومة والمواجهة بنظر السلطة العتيدة، "رب" الواقعية السياسية.
هذا الكلام لن يعجب أتباع السلطة والمتمولين منها ومن بقايا منظمة التحرير، إذ إن بعضهم يرفض توجيه "السهام" ضد الرئيس الفلسطيني محمود عباس، وضد منظمة التحرير، وضد السلطة وحكومتها، لكون الرئيس عباس كلّف الخارجية ممثلة بوزيرها الردّ والذهاب إلى لاهاي، والبرلمان الفلسطيني الذهاب لكافة البرلمانات الدولية، إضافة إلى دعوة "الزعيم" الفلسطيني لاجتماع للجامعة العربية.
طبعا يحتاج الرئيس لتصفيق حار، كالتصفيق الذي كان يحظى به الشاعر الفلسطيني محمود درويش صاحب القول "رب عدو لك ولدته أمك".
بالطبع، أقول إن علينا القيام بانتفاضة أولاً ضد السلطة الفلسطينية، إما لتصحح مسارها وتنتصر للشعب، أو لترحل بعيداً عنا، وربما سُجِّل ساستها من الأبطال، لأن أي مسؤول فلسطيني يدركه الموت "موت ربو" يصبح شهيداً "بقدرة قادر".
على الضفة أن تنهض، على المخيمات أن تخرج أبو جندل ومحمود طوالبة، عليهم الخروج لفرض أمر واقع جديد، وليكن ما يكون، فما حصل بغزة يمكن أن يحصل في الضفة، وأنا من الشتات أكتب، لست منظراً، عندما انتفضت الضفة انتفضنا، وكذلك عندما قصفت غزة مرات ومرات.
كلام وقح ربما، ولكن من حسرة، إن كان كل هذا الظلم قد وقع ويقع ويبدو أنه سيستمر، فمتى تكون الصرخة؟ متى تعود العمليات الاستشهادية؟ سؤال برسم الكرامة وإنسانية الإنسانيين الواقعيين في مقارّ السلطة، والسؤال برسم الأحياء ليجيبوا أنفسهم، لماذا استشهد الشهداء؟
وعودة على بدء، لم يتمكن الساسة منا، فعائلة الشهيد محمد أبو خضير زارت عائلة الرضيع دوابشة في قرية دوما بمحافظة نابلس للتضامن معها في مصابها الجلل، والمتضامنين عبر الفيسبوك ستنتهي جعجعتهم بالحادث أو الجريمة التالية.