من أمام مقر اللجنة الشعبية في عين الحلوة، وصولاً إلى داخل المقر، يصطف عشرات اللاجئين الفلسطينيين من سوريا لتسجيل أسمائهم في سجلات اللجنة، للحصول على مساعدات تموينية تقدمها الجمعيات وغيرها. فالحال أن قسماً كبيراً منهم لم يتسنّ له إلى الآن الحصول حتى على «صندوق إعاشة»، من أي جهة كانت. من هؤلاء ريما سلمان التي تجاهد بكل ما أوتيت من صبر للوصول إلى مكتب تسجيل الأسماء. ورغم الزحمة الكثيفة وما يرافقها من ضجيج، تعلو أصوات من نوع آخر من غرفة الاجتماع داخل المقر نفسه، حيث يجتمع أعضاء اللجنة الشعبية. تصل إلينا أصوات «نقاش» بلهجة لا تخلو من الانفعال، مفادها الامتناع عن إعطاء أي تصريح إعلامي في ما خص موضوع إحراق بعض صناديق المساعدات العينية المقدمة من حزب الله في عين الحلوة، التي كانت مقدمة للاجئين الفلسطينين من سوريا، بحجة «حساسية الوضع».
هكذا يخرج أمين سرّ اللجنة محمود الحجير من الاجتماع مربكاً ليعلن «ما بات معلناً»، الرفض الشديد للتعليق على الموضوع، مذكّراً بأنّ «هناك قراراً من منظمة التحرير الفلسطينية بالنأي بالنفس عما يجري خارج المخيمات»، فاضحاً «أن ما أُحرق كان مجرد تسعة صناديق فارغة من محتوياتها، وقد رُمي عليها بعض المعلبات»!
هذا ما أكدته بدورها مصادر محلية من داخل المخيم، لتضيف أنه بعد الاحتفال الذي أقامه الحزب في جنوب مخيم عين الحلوة قرب المقبرة، في مناسبة تسليم اللجنة الشعبية 3250 حصة تموينية لتوزيعها على النازحين في منطقة صيدا، التي تشمل إضافة إلى المدينة إقليم الخروب ومخيمي المية ومية وعين الحلوة، حاول بعض الشبان المحسوبين على القوى المتشددة داخل المخيم التهجّم على بعض الحضور، لكن لم يفلحوا في ذلك.
بُعيد ذلك، انطلقت الشاحنات المحمّلة الحصص كل إلى منطقة، «أما الحصص العائدة إلى عين الحلوة، فبقيت في المكان عينه». بيد أن تهديد هؤلاء الشبان بحرقها دفع اللجنة إلى نقلها خارج المخيم، تحديداً إلى مجمع تابع للأونروا في مدينة صيدا، فبات لزاماً على كل مستفيد أن يتوجه إلى هناك لتسلّم «الإعاشة».
«لكن الأمر لم ينتهِ هنا؛ إذ إنه في اليوم التالي تجمع عدد من المتظاهرين أمام مدرسة الكفاح التي تضم تجمعاً للنازحين، جلهم من الأطفال وبعض شبان المخيم المحسوبين على قوى متشددة (جند الشام تحديداً)، وبضعة نازحين، رافعين لافتات رفض تسلّم هذه المساعدات بحجة مشاركة الحزب في القتال في سوريا. وعمد أحدهم إلى جمع كراتين الإعاشة الفارغة بعد افراغها من محتوياتها، ليحرقها أمام كاميرا محترفين لا هواة. ولما ضحك البعض من أنها فارغة، رموا بعض المعلبات على الكومة»، علماً بأنّ هذا التجمع يضم نازحين من عدة مخيمات في سوريا.
إذاً إنها رسالة سياسية؟ «إنها كذلك، لخلق بلبلة داخل المخيم، لكنها باءت بالفشل؟»، يقول أمين سر لجنة حق العودة في المخيم فؤاد عثمان، متأسفاً لما حدث، لأن اللاجئين الفلسطينيين من سوريا «بغنىً عن تكبّد تعب إضافي، إذ إنهم اضطروا إلى نقل الحصص التموينية على حسابهم، بدلاً من أن تصل إلى منزلهم». ويستغرب عثمان «كيف أن البعض من داخل المخيم يرفض مساعدات من حزب الله، فيما يقبل تلك الآتية من دول أخرى أو مؤسسات ممولة من الولايات المتحدة الأميركية»، مردفاً بأنّ «النازحين يرزحون تحت أوضاع اجتماعية صعبة ومهينة، وهم بحاجة إلى أي مساعدة في ظل تقصير المجتمع الدولي، ولا سيما الأونروا ومنظمة التحرير الفلسطينية. لذلك، لا داعي لتسييس المساعدات».
كذلك، رفض أمين سر «أنصار الله» إبراهيم الحيش، ما حدث من إحراق للمساعدات، كاشفاً عن أن الاصطفاف السياسي داخل المخيم تجاه ما يحدث في الشارع العربي، ولا سيما في سوريا، بات واقعاً لا مفرّ منه، داعياً الجهات المعنية إلى صبّ اهتمامها على أولويات المخيم والمتطلبات المعيشية للاجئين، ولا سيما الجدد النازحون من سوريا؛ «إذ إن متابعة أمورهم تجري بطريقة عشوائية ومن دون تنسيق بين الجمعيات، ما يحتم إنشاء غرفة عمليات لمعرفة حاجاتهم». ويسخر الحيش من «أنهم باتوا يأكلون ويشربون فرشاً وأغطية، نظراً إلى أنها الأكثر توزيعاً من بين المواد الأخرى».
«ما طلعلي غير فرشة»، تقول الحاجة غزالي سلمان والغصة تكاد تبلع نصف كلامها، مضيفة أنه لم يتسنّ لها حتى أن تجد مأوىً مناسباً، فاضطرت إلى استئجار غرفة داخل المخيم. والحاجة سلمان التي لا تأبه للحصول على مساعدات بقدر ما تنتظر العودة إلى منزلها «المؤقت في مخيم اليرموك»، تسخر مما حدث أخيراً من إحراق للمساعدات؛ فهو بحسب اعتبارها «عمل غبي هدفه افتعال مشاكل داخل المخيم». بيد أن منيرة بركات، اللاجئة من «معضمية الشام»، لها وجهة نظر أخرى؛ فهي تبرر الذي حصل بأنه ـ بحسب تعبيرها ـ لا يمكن قبول مساعدات من المتورطين في الدماء السورية. وبين هذه وتلك، يبدو أن الانقسام داخل المخيم لا يختلف كثيراً عمّا يدور وراء جدرانه، لتصبح سياسة النأي بالنفس الفلسطينية في المخيمات توأماً لسياسة النأي بالنفس اللبنانية!
لكن الأهضم من كل ذلك، كما علمت «الأخبار» من مصادر فلسطينية داخل المخيم، أنه بعيد رفض اللجنة الشعبية فيه التعليق سلباً أو إيجاباً في موضوع الحصص المحروقة، اتصلت اللجنة بحزب الله، طالبة منه توفير 800 حصة غذائية إضافية؛ لأن الحصص الأخيرة لم تغطِّ عدد النازحين!



«ليست المرة الأولى التي يرسل فيها حزب الله مساعدات عينية إلى النازحين الفلسطينيين من سوريا؛ إذ سبق أن وزعت حصص كثيرة، إلا أنها لم تكن بهذا الحجم»، يقول أمين سر اللجنة الشعبية محمود حجير، معدداً مصادر المساعدات التي تسلمتها اللجنة: «مساعدة عينية واحدة من كل من قطر والسعودية، وأخرى مالية من منظمة التحرير الفلسطينية، فيما قدمت الأونروا مساعدات عينية ومالية على دفعتين. ومع ذلك، يلفت إلى أن كل هذه المساعدات غير كافية، ولا سيما في مجال الصحة. أما النقص الأساسي، فيكمن في الافتقار إلى مراكز إيواء لائقة».