غزة | لا شيء يفسّر القفزات التي تحملها تصريحات وخطط قادة المؤسسة السياسية، ومتقاعدي جيش الاحتلال، سوى شعورهم بأن هذه الحرب طالت حتى تجاوزت الحد المقبول به لقطف ثمارها. لذا، تشهد هذه المرحلة وفرة في الطروحات الهلامية، التي لم تكن آخرَها «خطة الأبطال» لتفريغ شمال غزة من سكانه وصولاً إلى الاستفراد بالمقاومين فقط. لا بل يبدو أن عدوى البحث عن ثمار أطول حروب إسرائيل على الإطلاق، أصابت رئيس الوزراء، بنيامين نتنياهو، الذي طلب من المؤسسة الأمنية، أول من أمس، الاستعداد لتنفيذ أمر مَهمّة التكفّل بتوزيع المساعدات الإنسانية على سكان شمال القطاع وجنوبه، من أجل سحب تلك الورقة من يد الجمعيات والمؤسسات الإنسانية، المحلية منها والدولية.على أن طلب نتنياهو، ردّ عليه رئيس أركان جيش الاحتلال، هرتسي هاليفي، بأنه صعب التنفيذ، لأنه يعرّض حياة جنود الجيش للخطر من دون أي مبرر، ويكلف موازنة الجيش نحو 40 مليار شيكل سنوياً. ووفقاً لنير دفوري، وهو المراسل العسكري لـ«القناة 12»، فإن توجيه نتنياهو يتضمّن توزيع الجيش للمساعدات «على المستوى اللوجستي والعملياتي». وفيما يشعر جنود وقادة جيش الاحتلال الذين يعملون على الأرض بحقيقة القفز المهول عن الواقع الميداني، جاء ردّ هاليفي سريعاً، بأنه لا ينبغي التحول إلى إقامة حكم عسكري في القطاع «نحن» في غنىً عنه، ليس بسبب الحاجة إلى 4 فرق عسكرية كاملة على الأقل تخدم في غزة على مدار العام، ولا بسبب 5 مليارات دولار ستتكبّدها موازنة الجيش، ولا حتى بسبب المسؤولية التي ستُلقى على كاهل دولة الاحتلال أمام العالم، عن حياة مليونين وربع مليون إنسان، سيكونون بحاجة إلى إعادة تأهيل القطاعين التعليمي والصحي وإعادة الإعمار، بل لأن كل فرق الجيش العسكرية، والتي خدمت على التوالي في شريط الوسط الذي يربط شمال القطاع بجنوبه، والمعروف بمحور «نتساريم»، لم يفلحوا طوال قرابة عامٍ كامل من القتال، في الوصول إلى مرحلة «الصفر العملياتي»، إذ تتعرض القوات المتوغّلة هناك لاستنزاف حاد، يأخذ شكل عمليات الإغارة والقنص وإطلاق قذائف «الهاون» على مدار أيام الأسبوع، فكيف لهذا الجيش الذي يقاتل لحماية نفسه في المواقع التي احتلها منذ أشهر، أن يختلط بالسكان ويعمل بيده وآلياته في توزيع المساعدات؟!
يشعر جنود وقادة جيش الاحتلال الذين يعملون على الأرض بحقيقة القفز المهول عن الواقع الميداني
وعلى أي حال، محور «نتساريم» ليس سوى أنموذج، ينسحب على كل المناطق التي توغّل فيها جيش الاحتلال، لمدة لم تتجاوز الـ20 يوماً، وحافظ فيها على وجوده تحت غطاء ناري ومدفعي لا يتوقف، ووسط تحليق مستمر لطائرات الاستطلاع المقاتلة على مدار الساعة. وأمام هذا الواقع المستعصي، والذي يراوغ فيه نتنياهو للبحث عن أسباب تضمن استدامة الحرب، وجد زعيم المعارضة، يائير لابيد، أن إنهاء الحرب يصبّ في مصلحة إسرائيل العليا، لأن غزة، وفقاً لرأيه، ستتحول إلى جنوب لبنان الجديد، وجنوب لبنان سيتحول إلى غزة الجديدة، والضفة ستشتعل بالوسط. وأضاف أنه «لا توجد مبادرة سياسية ولا فكرة عن كيفية وقف الحرب، ولا توجد رؤية عن كيفية عودتنا إلى الحياة. نتنياهو يريد حرباً تستمر إلى الأبد، ما يقوله نتنياهو بشأن السيطرة على محور فيلادلفيا وإقامة حكم عسكري، يعني أننا سنعيد تجربة جنوب لبنان ولن نخرج من غزة إلا بعد 18 عاماً».