دفع انتشال جثث الأسرى الإسرائيليين الستة، ومن بينهم هيرش غولدبرغ بولين، الذي يحمل الجنسية الأميركية، بالإدارة الأميركية، إلى محاولة تشديد ضغوطها على كلّ من إسرائيل «وحماس» للقبول باتفاق وقف إطلاق النار وتبادل الأسرى، محاوِلةً الإيحاء، هذه المرة، بأنّ الطرفين أمام خيارين فقط لا غير: إما قبول الاتفاق «النهائي» الذي ستطرحه الإدارة، بشكل كامل، وإمّا الانصياع لحقيقة أن الأخيرة «ستدير ظهرها» للمفاوضات. وطبقاً لما نقلته صحيفة «واشنطن بوست» الأميركية عن مسؤول كبير في الإدارة، فإن الولايات المتحدة كانت تبحث، في المدة الماضية، مع كل من مصر وقطر، «ملامح» الصفقة النهائية، وفقاً لمبدأ «اقبل بها أو اتركها»، وهي تخطط لتقديمها إلى الطرفين في الأسابيع المقبلة. ونبّه المسؤول إلى أنّه في حال لم يقبل الجانبان بها، فإنّ ذلك قد يضع «نهاية» للمفاوضات التي تقودها الولايات المتحدة. وإذ أوضح أنّ واشنطن والقاهرة والدوحة كانت تعمل على الاقتراح النهائي قبل قضية الأسرى الستة، فقد شدد على أن هذه الأخيرة تجعل من ضرورة «اغتنام الفرصة الحالية» حاجة ملحة، «بدلاً من عرقلة المفاوضات». وطبقاً للمسؤول، فإنّ الولايات المتحدة تتبنى، كما كان متوقعاً، السردية الإسرائيلية نفسها، وعنوانها أنّ «الرهائن الست أصيبوا برصاصة في الرأس، وتم إعدامهم قبل وقت قصير من اكتشاف جثثهم». على أن اللافت أنّ الضغط الأميركي يستهدف، هذه المرة، على الأرجح، إسرائيل لا «حماس»، في وقت يتزايد فيه الضغط الداخلي على نتنياهو للقبول بالصفقة. وفي السياق، تنقل الصحيفة نفسها عن دينيس روس، المبعوث الأميركي السابق إلى إسرائيل، قوله إنه من غير المرجح «أن يغير زعيم (حماس) في غزة، يحيى السنوار، موقفه، لأنّه ما من أحد قادر على الضغط عليه، لكن يبقى أن نرى ما إذا كان الضغط داخل إسرائيل يمكن أن يجبر نتنياهو على الانخراط بجدية أكبر في المفاوضات». ويتابع روس: «في الوقت الحالي، سينتظر السنوار ليرى ما إذا كان الإضراب العام في إسرائيل سيدفع بنتنياهو إلى التخفيف من شروطه»، مشيراً إلى أنّ «الإضرابات، والاحتجاجات الضخمة المحتملة، تُدعّم وجهة نظر عائلات الرهائن عن أن إستراتيجية نتنياهو في المفاوضات، وزيادة ضغط الجيش الإسرائيلي على (حماس)، قد فشلتا». وفي محاولة لطمأنة عائلات الأسرى الأميركيين، كان مستشار الأمن القومي للبيت الأبيض، قد عقد لقاءً افتراضياً، الأحد، مع هؤلاء، وأبلغهم بأنّ بايدن يفكر في تقديم الاقتراح النهائي لاتفاق وقف إطلاق النار، في وقت لاحق من الأسبوع الجاري، طبقاً لما نقله موقع «أكسيوس» الأميركي عن مصدرين مطلعين بشكل مباشر على الاجتماع.

مضمون الاتفاق
وفي تقرير منفصل، أفادت صحيفة «واشنطن بوست»، نقلاً عن مسؤول أميركي كبير، بأنّ تشكيل قوة فلسطينية مدربة أميركياً، هو الترتيب «الأكثر ترجيحاً» لتأمين الحدود في غزة، فيما أعرب «الاتحاد الأوروبي» عن استعداده لاستئناف دور مراقبة معبر رفح بالتعاون مع السلطة الفلسطينية. ومن جهته، قال مسؤول مصري سابق، للصحيفة، إنّ مصر «ستحتضن» الوجود الأوروبي هناك. على أنّ أعضاء فريق التفاوض الإسرائيلي، والذين مُنحوا تفويضاً «محدوداً» في المفاوضات الأخيرة، غير متفائلين بإمكانية أن تسير الأمور على ذلك النحو، باعتبار أنّه في حال أراد نتنياهو أن يوافق عليها، لفعل هذا من قبل. وبالفعل، بعد أيام قليلة فقط من انتشار الأنباء عن محاولة متجددة لتحريك المفاوضات، بدأت المؤشرات تتوالى إلى أن نتنياهو لا ينوي القبول بمشروع الاتفاق؛ إذ اعتبر بايدن، في تصريحات أخيراً، أنّ رئيس وزراء إسرائيل «لا يبذل جهوداً كافية للتوصل الى اتفاق يعيد الرهائن من غزة»، فيما رأى مراقبون، في أحاديث إلى وسائل إعلام أميركية، أنّه «في الوقت الذي يكافح فيه من أجل بقائه السياسي، أصبح إصرار نتنياهو على إبقاء القوات الإسرائيلية على شريط ضيق على طول الحدود بين غزة ومصر، العقبة الرئيسية أمام اتفاق وقف إطلاق النار وإطلاق سراح الرهائن».
اعتبر بايدن أن نتنياهو «لا يبذل جهوداً كافية» للتوصل الى اتفاق يعيد الأسرى من غزة


وبدورها، تحدثت «واشنطن بوست» مع تسعة مسؤولين حاليين وسابقين في الدول المشاركة في المحادثات، أعربوا عن إحباطهم المتزايد من «عدم إحراز تقدم، وزيادة التشاؤم في الأفق، حول التوصل إلى اتفاق»، في وقت بدا فيه حتى أن بعض المحللين، في الأوساط الغربية، بدأوا يحاولون «بيع» صورة «نصر» لنتنياهو، ويحثونه على القبول بالصفقة فوراً. وفي السياق، رأت مجلة «فورين أفيرز»، في تقرير، أنّ على نتنياهو القبول باتفاق وقف إطلاق النار وتبادل الأسرى في الوقت الراهن، باعتبار أنّ إسرائيل حققت «فوزاً» في الحرب، بعد إضعاف «حماس» وقتل عدد كبير من قياداتها. أما السبب الثاني، بحسب أصحاب هذا الرأي، فهو وقوف بايدن وإدارته إلى جانب إسرائيل، وتقديمهما الأسلحة والذخيرة والغطاء الديبلوماسي لها في الأمم المتحدة وأماكن أخرى؛ وكما قال غالانت، فإن نشر بايدن للقوات الأميركية في المنطقة لردع إيران شكّل «أكبر عملية تقديم للمساعدات العسكرية الأميركية لإسرائيل منذ الحرب العربية - الإسرائيلية عام 1973». وتابع التقرير أنّه في مواجهة التحديات من «الصين الصاعدة في آسيا، وروسيا التي تكثف حربها ضد أوكرانيا في أوروبا»، لا يمكن استمرار الاندفاع الأميركي الحالي إلى الشرق الأوسط إلى «أجل غير مسمى».
وبالنسبة إلى العامل الثالث، فهو أنه ورغم الخسائر المأساوية في الأرواح، والناجمة عن الحرب الإسرائيلية على غزة، «تبلور»، طبقاً للتقرير، تحول لدى أهم الدول العربية في الشرق الأوسط في 13 نيسان، عندما «تصدت» مجموعة دفاع جوي متعددة الجنسيات، بالتنسيق مع الولايات المتحدة، لأكبر هجوم بالصواريخ والطائرات المسيرة في التاريخ. وعلى نحو متزايد، ترى الدول العربية في المنطقة، وعلى رأسها السعودية، في إيران «تهديداً لأمنها أكبر من إسرائيل»؛ وبالتالي، عندما تنتهي الحرب في غزة، فإن السعودية «مستعدة الآن للدخول في اتفاقية شبيهة باتفاقات آبراهام مع الولايات المتحدة وإسرائيل، والاعتراف بدولة إسرائيل، وإقامة علاقات ديبلوماسية طبيعية في إطار الضمانات الأمنية الأميركية لها».
ويتابع أصحاب هذا الرأي، أنّه لسوء الحظ، وبدلاً من إعلان انتصار يسمح للإسرائيليين والأميركيين بالترحيب بعودة الأسرى الذين يموتون حالياً في أنفاق «حماس»، وقع نتنياهو في الفخ «الذي نصبته (حماس) وراعيتها إيران»، باعتبار أنّه إذا لم يستطع قبول النصر الآن، فسوف يمضي قدماً نحو «فشل إستراتيجي». كما سيقود هذا المسار إسرائيل أيضاً إلى صراع أكثر حدة مع إدارة بايدن، والتي تفقد صبرها مع فشل دولة الاحتلال في متابعة الالتزامات التي تم التعهد بها كجزء من صفقة أسرى مشتركة، في وقت تدرك فيه واشنطن أن السعي إلى تحقيق «النصر الكامل» بعيد المنال في غزة، قد يتسبب في حرب «إقليمية أكبر»، ويتطلب تدخلاً أميركياً، وهو «آخر ما تريده الإدارة الأميركية»، في الأسابيع الأخيرة قبل الانتخابات الرئاسية المقرر إجراؤها في 5 تشرين الثاني.