أول ما ينبغي التوقّف عنده لمحاولة فهم الخلفيات الفعلية للعمليتين الإجراميتين الصهيونيتين اللتين استهدفتا قادة في المقاومة في ضاحية بيروت الجنوبية وفي طهران، وغاياتها الحقيقية، هو توقيتهما. خيار الحكومة الصهيونية الفاشية بانتهاك جميع الخطوط الحمر في ضاحية بيروت وفي طهران في وقت واحد تقريباً، على الرغم مما سينجم عن ذلك بالضرورة من ردود من قبل أطراف محور المقاومة هو التطور الأبرز الذي يستدعي التحليل الجدي. لا حاجة إلى التذكير بأن قيام العدو باستهداف المدنيين في أيّ بقعة من لبنان، فضلاً عن العاصمة وضاحيتها الجنوبية، يمثل خطاً أحمرَ يستدعي رداً قوياً من المقاومة. ولا شك أن اغتيال قادة وكوادر في المقاومة حمل الأخيرة وسيحملها الآن وفي المستقبل للمباشرة بالرد. وما يصح بالنسبة إلى المقاومة في لبنان يصح بالنسبة إلى إيران، إذ لم تتردّد الجمهورية الإسلامية في نيسان الماضي في ضرب عمق الكيان الصهيوني، رداً على عدوانه على قنصليتها في دمشق واستشهاد ثلة من قادة فيلق القدس في الحرس الثوري. ولم يترك مرشد الجمهورية الإسلامية مجالاً للشك عندما أعلن، بعد اغتيال القائد الشهيد إسماعيل هنية، بأن «واجب إيران هو الانتقام لحادثة اغتيال رئيس المكتب السياسي لحركة حماس إسماعيل هنية المريرة والصعبة». ويشبه كلام السيد علي الخامنئي ما قاله هو نفسه، بعد قصف القنصلية الإيرانية في دمشق، عندما أكّد أنّ الرد آت على أيدي «رجالنا الشجعان». من الصعب الاعتقاد بأن قادةَ الصهاينة، وحلفاءَهم الأميركيين والغربيين، غير مدركين لهذه الوقائع البديهية. ما يجعل السؤال الأبرز الآن هو: ما الذي يفرض نفسه في مثل هذه الحال هو عن مغزى الخيار الصهيوني بالتصعيد ضد لبنان وإيران في الآن نفسه؟

التوظيف الصهيوني لمجزرة بلدة مجدل شمس السورية المحتلة، يشبه إلى حد كبير، رغم اختلاف الظروف والسياقات، كيفية تصرف حكومة مناحيم بيغن في عام 1982، لمحاولة الاغتيال الفاشلة التي تعرّض لها سفيرها في بريطانيا آنذاك شلومو أرغوف، علماً أن من نفّذ العملية الفاشلة، كان مجموعة أبو نضال، المنشقة عن حركة فتح، والتي تخوض حربها ضد قيادة فتح، وتسعى للنيل من ممثليها في العديد من بلدان العالم. ويومها، تذرّعت حكومة بيغن بالعملية الفاشلة لشن عدوانها على لبنان، بعد تفاهم وتنسيق كامليْن مع إدارة الرئيس الأميركي رونالد ريغان في تلك الفترة.
لا يستطيع الكيان الصهيوني الشروع باجتياح شبيه للبنان اليوم، حتى وإن دعمته الولايات المتحدة، بسبب الاختلاف الكبير بين قدرات المقاومة في لبنان ومحورها في الإقليم، وقدرات منظمة التحرير في لبنان في تلك المرحلة، وما سينجم عن مثل هذا الاجتياح من خسائر فادحة بالنسبة إلى الجيش الصهيوني وإلى الكيان المؤقت.
ما يريده قادة الكيان من توظيفهم لمجزرة مجدل شمس، البلدة السورية المحتلة والمقاومة، والتي طرد أهلها المسؤولين الصهاينة عند مجيئهم إليها، هو اتخاذها ذريعة لرفع مستوى المواجهة مع قوى المقاومة والتدحرج ربما نحو سيناريو أيام قتالية، بمشاركة أميركية مباشرة في حماية الكيان، وبهدف فرض شروط العدو السياسية على قوى محور المقاومة، وفي مقدّمتها وقف مساندة غزة. وبالتالي، ما كان رئيس الحكومة الفاشية الصهيونية ليشرع بعملياته الإجرامية في الضاحية وفي طهران، لولا حصوله على ضوء أخضر من الإدارة الأميركية، وهو ما أثبتته تصريحات نائبة الرئيس الأميركي جو بايدن كامالا هاريس عندما أعلنت أن «لإسرائيل الحق في الدفاع عن نفسها ضد منظمة إرهابية كحزب الله». كما ذهبت تصريحات وزير الدفاع الأميركي لويد أوستن في الاتجاه نفسه، وهو كرّر أن «الولايات المتحدة ستدافع عن إسرائيل». ويحصل ذلك بالتزامن مع الحديث عن تحرك بوارج عسكرية أميركية باتجاه الساحل اللبناني، وفق ما نقلته القناة الصهيونية الـ13.
ما زال قادة المنظومة الصهيونية - أميركية يعتقدون بأن اغتيال قادة في المقاومة واستعراض قدراتهم التكنولوجية المتقدّمة والتلويح بالحرب الشاملة المدمّرة هي خطوات ستدفع شعوب المنطقة وقواها الحية للإذعان لإرادتهم. هم يستخفّون، كمن سبقهم من المستعمرين، بمدى استعداد من يعتبر أنه يخوض معركة وجود، ستقرر مصيره ومستقبله لتحمّل الأكلاف البشرية والمادية مهما علت، وتكبيد أعدائه ما لا قدرة لهم على احتماله.