أهم ما في استقالة الوزيرين، بني غانتس، وغادي آيزنكوت، من حكومة الحرب الإسرائيلية، نتائجها الكاشفة وليس تأثيرها؛ فبقاء الحكومة لن يتأثر كثيراً بها، فيما أمور الحرب ستبقى بيد بنيامين نتنياهو، صاحب التأثير الرئيسي في كل ما يتعلّق بالمفاوضات، سواء المرتبطة بغزة أو بجبهات المساندة. على أن الاستقالة تكشف احتدام الأزمة على الساحة الداخلية، وهو ما من شأنه أن يعيد «الدولة العبرية» إلى مصارعة نفسها، مع تعزّز خطاب الفرقة والاختلاف، في وقت تتعذّر فيه عملية التطبيع الإقليمية، التي لو كانت منظورة أو مقدّرة مواقيتها، لما كان غانتس ليقدم على خطوته، ولانتظر كي يتقاسم مع نتنياهو عوائدها السياسية.

وعلى أي حال، فإن الاستقالة لم تكن مفاجئة؛ إذ إن غانتس وشريكه آيزنكوت أعلنا عنها الشهر الماضي، إلا أنها ظلّت معلّقة على شروط ما كان بإمكان نتنياهو تلبيتها، سواء أكانت ربطاً بالحرب على غزة أو بجبهة الشمال في مواجهة «حزب الله»، أم بشرط التطبيع مع السعودية ضد إيران، وجملة شروط أخرى ترتبط بالسياسة الداخلية في إسرائيل. ويُنظر إلى الاستقالة في اتجاهين اثنين: في تأثيرها على الواقع السياسي والقرار في تل أبيب، بما يتصل بالحرب ومصير الحكومة ومِنعتها والثقة فيها في «الكنيست»، وفي كونها كاشفة لواقع إسرائيل السياسي - الأمني، والذي يبدو أنه مقبل على تغييرات معتدّ بها وفق الآتي:
أولاً: لن تسقط الحكومة مع انسحاب غانتس وحزبه من مجلس الحرب؛ إذ إن هذا الأخير جاء طارئاً عليها في أعقاب عملية «طوفان الأقصى»، وخروج أحد أقطابه منه يعيد الائتلاف إلى القاعدة البرلمانية التي كان يستند إليها قبل الحرب، وقوامها 64 عضواً من أصل 120، ما يضمن له الاستمرار من ناحيتين قانونية وعملية.
ثانياً: لن تغيّر الاستقالة في قرار الحرب، وتحديداً قرار الابتعاد الملحوظ عن أي إجراء من شأنه إيقافها. فالواضح أن الحرب، كما يراها غانتس، ستطول أكثر من قدرته على استيعاب تداعياتها السلبية بوصفه شريكاً في حكومة تعمل على إطالة أمد القتال بلا مخارج سياسية. ولو كانت الحرب ستنتهي في الأمد المنظور، لما كان ليسارع إلى الانسحاب من الحكومة، ولانتظر قرار إنهائها، لكي يظهر بمظهر الشريك والمسبّب للقرار، مع ما لذلك من فوائد سياسية قد تعيد تعويمه أكثر لدى الجمهور الإسرائيلي.
ثالثاً: تكشف الاستقالة أنه لا اتفاق وشيكاً أو قريباً أو مقدّراً في هذه المرحلة، أقلّه من منظور غانتس المطّلع على آليات اتخاذ القرار في تل أبيب. وفي كلمة الاستقالة نفسها، وردت إشارة على لسانه إلى أن الصفقة بعيدة، إذ شدّد على الاعتذار من أهالي الأسرى، وعلى حقيقة فشله في تحريرهم.
رابعاً: تكشف الاستقالة، أنه لا حرب شاملة في مواجهة لبنان و«حزب الله»، قد تبادر إليها تل أبيب، أو أن قرارها صدر وينتظر التنفيذ، وفق ما حاولت الدعاية الإسرائيلية أن توحي به في الأسابيع الأخيرة، إذ إن وجود قرار كهذا كان ليفرمل استقالة غانتس من الحكومة، من أجل أن يحاول الأخير منعه.
خامساً: تكشف الاستقالة أن المخطّط الأميركي للتطبيع مع السعودية، كما روّجت له الإدارة الأميركية في الشهرين الأخيرين، بعيد عن التحقق، إذ ما كان غانتس وآيزنكوت ليبعدا نفسيهما عن مخطّط كهذا، لو كان في متناول اليد، أو أنه وشيك، بل وأيضاً لو كان التقدير المرجّح لديهما، أن التطبيع مع السعودية مقبل في المدى المنظور على التحقّق.
سادساً: قد يكون من نتائج الاستقالة، الدفع نحو بداية احتدام الصراع الداخلي في إسرائيل، الذي كان مستعراً قبل عملية «طوفان الأقصى». وهو صراع مرشّح للتفاقم على خلفية الحرب نفسها، والتي يُقدّر لها أن تتحوّل في خطاب المعارضين السياسيين لرئيس الحكومة، إلى حرب البقاء السياسي لنتنياهو، الأمر الذي من شأنه إعادة إطلاق الاحتجاجات، مع شعارات قادرة على تجاوز مفاعيل الحرب، والتي أسكتت الاحتجاجات الداخلية وحدّت منها، طوال الأشهر الماضية.