القاهرة | رغم دعوة الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي المواطنين إلى التظاهر، مع بداية الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة، في خطوة استهدف عبرها إظهار الدعم لقرار رفض نزوح الفلسطينيين من القطاع إلى الأراضي المصرية، إلا أن السلطات المصرية باتت ترفض التصريح لأي تظاهرة تخص الشأن الفلسطيني، إذ أصدر جهاز المخابرات، بشكل رسمي، قرار منع التظاهر، وسط تعزيزات أمنية مكثّفة أوعزت وزارة الداخلية بتطبيقها على مدار اليوم في الميادين والأماكن التي يتوقع حدوث تجمهرات فيها، لتفريق المتظاهرين عبر استخدام قنابل غاز مُسيّلة للدموع، في حال استدعت الحاجة. لا بل إنها باتت تعمد إلى التصدي لأي محاولات تجمهر للتنديد بالعدوان الإسرائيلي على غزة، وفقاً لاستراتيجية أمنية ترتكز على وأد التظاهرات قبل تنظيمها، علماً أن السلطات تتخوّف من تحول التجمعات الداعمة للقطاع، إلى التنديد بالنظام وسياساته، والوضع الاقتصادي المتردي، ولا سيما أن دعوة التظاهرات السابقة شهدت تنديداً بسياسات السيسي وطريقة تعامله مع الأزمة في غزة.وتضمّنت الخطة الأمنية، وفقاً لمصادر مطّلعة، نشر مخبرين سريين بين المواطنين لتوقيف أي شخص يعتقد أنه قادم للتظاهر، وهي الإجراءات التي يجري تكثيفها يوم الجمعة من كل أسبوع. ولا تقتصر الخطة الأمنية على ذلك، بل تشمل عملية ملاحقة لحسابات إلكترونية من خلال «مباحث الإنترنت»، وهو ما ازداد في الفترة الأخيرة، مع تسجيل عشرات الحالات الفردية لموقوفين على ذمة «حوادث» دعم غزة من دون الإفراج عنهم، مع عدم تسليط الضوء إعلامياً عليهم. وبالفعل، مُنعت تظاهرات عدة انطلقت من «جامع الأزهر»، وأخرى في ميدان التحرير، وسط القاهرة، فيما شهد الأسبوع الجاري توقيف عدد من المتظاهرين المتضامنين مع غزة أمام مكتب «هيئة الأمم المتحدة للمرأة»، معظمهم صحافيون وحقوقيون.
وتجلّى التعامل الأمني العنيف مع التظاهرة التي تطرّقت أيضاً إلى الوضع في السودان، في قيام قوات الشرطة بتوقيف بعض المشاركين فيها، وتحرير محضر في قسم الشرطة وتسجيل الواقعة بـ«القضية الرقم 1567 لسنة 2017 أمن دولة». ووجّهت «نيابة أمن الدولة العليا» للمحتجزين تهمتَي الانضمام إلى جماعة غير قانونية والاشتراك في تجمهر غير مشروع، قبل أن يجري الإفراج عن هؤلاء بكفالات مالية راوحت بين 5 و10 آلاف جنيه لكل متهم، فيما لا يُعرف ما إذا كانت القضية سيُنظر فيها أمام المحكمة أم سيتم حفظها في الأرشيف. وجاءت خطوة الإفراج عن المحتجزين، ضمن سياسة منع التصعيد الداخلي التي تتّبعها الأجهزة الأمنية في الفترة الحالية، وتلبيةً لتفاهمات جرى الاتفاق على جزء منها، مع نقيب الصحافيين، خالد البلشي، وعدد من أعضاء مجلس نقابة الصحافيين، وسط إلغاء دعوة للتظاهر أمام مقرّ الأخيرة، للمطالبة بالإفراج عن المحتجزين.
وعلى خط مواز، عمد الإعلام المصري الرسمي، أو المقرّب من النظام، في الأسابيع الماضية، إلى الترويج إلى أن التظاهرات الداعمة لفلسطين تأتي بتحريض من «جماعة الإخوان المسلمين» المحظورة، مستنِدةً في ذلك، إلى العلاقة بين الأخيرة وحركة «حماس». وامتدّ ذلك ليشمل توجيه انتقادات علنية للحركة حتى مع وجود بعض ممثليها في القاهرة. على أن هذا الترويج، جاء ضمن خطة مصرية - أردنية، تشيع «محاولة استغلال الإسلاميين الفرصة للنيل من النظامين الأردني والمصري»، والتي عزّزها تنسيق السلطات في القاهرة وعمّان، في إطار محاولات الضغط المستمرة على الحركة لتقديم مزيد من التنازلات في معركتها التفاوضية مع الاحتلال. وفي المقابل، يرفض النظام في مصر السماح بأي تظاهرات مرتبطة بالقضية الفلسطينية، فيما يستند في ذلك، إلى أن «الدعم الذي يقدمه هو يكفي ويفيض، سواء في ما يتعلق بالمساعدات - التي تُرسل عبر «الهلال الأحمر المصري» أو «التحالف» المسار السياسي -، أو عبر الدور الدبلوماسي الذي تقوم به مصر في إطار المفاوضات»، بحسب المصادر.