بالتزامن مع الذكرى السنوية الرابعة لاستعادة الجيش السوري السيطرة على طريق حلب - دمشق بالقوة، بعد معارك مع فصائل «جهادية» مدعومة من أنقرة، استقبل الرئيس السوري، بشار الأسد، وزير الخارجية الإيراني، حسين أمير عبد اللهيان، حيث تمّت مناقشة جملة من القضايا المشتركة، بالإضافة إلى تسليم عبد اللهيان دعوة رسمية من الرئيس الإيراني، إبراهيم رئيسي، للأسد، لزيارة إيران. وركّز عبد اللهيان، خلال مؤتمر صحافي مشترك مع نظيره السوري، فيصل المقداد، على ضرورة خروج القوات الأجنبية غير الشرعية، أي الوجود الأميركي في الشمال الشرقي من البلاد وفي أقصى الجنوب، بالإضافة إلى الوجود التركي في الشمال السوري.ويأتي التأكيد الإيراني على ضرورة خروج هذه القوات، في سياق السياسة السورية - الإيرانية - الروسية المشتركة الرافضة لوجودها، كما يتزامن مع الحديث المتصاعد حول دراسة واشنطن إمكانية سحب جنودها من سوريا والعراق، على خلفية الخسائر البشرية والمادية في صفوفهم، والناجمة عن تصاعد هجمات المقاومة ضد القواعد الأميركية في كلا البلدين. وكان البنتاغون أشار، في تقرير تفتيشي حول مهام قواته، إلى تأثير استهدافات المقاومة المستمرة لقواعده، معتبراً أنها «حوّلت الاهتمام والموارد بعيداً عن مهمة مكافحة داعش»، بينما الأخيرة، في الواقع، تتّخذها واشنطن ذريعة لتدخلها العسكري في العراق وسوريا ضمن ما يُعرف بـ«عملية العزم الصلب». ورأى معدّ التقرير، المفتش العام في قيادة «قوة المهام المشتركة»، روبرت ستروش، أن «التأثيرات المشتركة للصراع بين إسرائيل وحركة حماس وزيادة هجمات الميليشيات الإيرانية أدّت إلى بيئة عملياتية أكثر تحدياً لعملية العزم الصلب»، حيث تسببت، وفق التقرير، بتغيير «تحويل الموارد العسكرية الأميركية نحو التهديدات المباشرة، وتأجيل أو إلغاء ارتباطات القادة الرئيسيين»، بالإضافة إلى تغيير «نموذج التشغيل بهدف ضمان سلامة وأمن قوات التحالف». كذلك، أعلن ستروش توقف العمل عن بناء القنصلية الأميركية في أربيل، بعدما تعرّض التجمع القنصلي لعمليات عديدة، بالإضافة إلى استهداف إيراني مباشر لنشاط مرتبط بالموساد الإسرائيلي فيه. وفيما كان يُفترض الانتهاء من بناء التجمع في تشرين الأول 2024 مقابل 795 مليون دولار، قال المفتش العام للبنتاغون إن «الانقطاعات ستؤدي على الأرجح إلى نفقات إضافية وتأخير اكتمال المشروع، فيما لا يزال الموظفون ينتظرون الموافقة على إعادة تعبئة القوى العاملة في مجال البناء».
يستبطن تكثيف التحركات الفرنسية في مناطق سيطرة «قسد»، مساعي باريس إلى محاولة ملء الفراغ المتوقّع في حال انسحاب القوات الأميركية


بدورها، تتابع فصائل المقاومة عمليات استهداف القواعد الأميركية، بالرغم من القصف الأميركي الانتقامي على خلفية مقتل ثلاثة جنود أميركيين في قاعدة أميركية في أقصى جنوب الأردن، بمحاذاة الحدود السورية، قرب منطقة التنف، نهاية الشهر الفائت، إذ تعرّضت القواعد الأميركية في معمل «كونيكو للغاز»، و«حقل العمر» النفطي، في دير الزور، لسلسة هجمات بطائرات مُسيّرة، أعلن مسؤولون أميركيون التصدي لستٍ منها، بالتزامن مع الإعلان عن استقدام تعزيزات عسكرية ولوجستية إلى هذه القواعد، بهدف زيادة التأمين الجوي. كما شملت التعزيزات قاعدة التنف عند المثلث الحدودي مع الأردن والعراق.
وعلى خطٍّ مواز، يستبطن تكثيف التحركات السياسية والاستخباراتية الفرنسية في مناطق سيطرة «قوات سوريا الديموقراطية» (قسد)، مساعي باريس إلى محاولة ملء الفراغ المتوقّع في حال انسحاب القوات الأميركية، الأمر الذي يذكّر بتحركات فرنسية مشابهة جرت خلال فترة تولي الرئيس الأميركي السابق، دونالد ترامب، الذي حاول سحب قواته من سوريا، قبل أن يعدل عن قراره ويركّز الوجود العسكري الأميركي في منطقة التنف التي تُعتبر جزءاً من منظومة حماية إسرائيل، بالإضافة إلى المناطق النفطية في شمال شرقي البلاد. وفي السياق، ذكرت مصادر كردية أن المبعوث الفرنسي إلى مناطق سيطرة «قسد»، فابريس ديبليشان، أجرى سلسلة لقاءات مع مسؤوليها حول «سبل دعم فرنسا للكيان الكردي في سوريا في حال انسحبت واشنطن»، مذكّراً بالمواقف الفرنسية الداعمة لـ«الإدارة الذاتية» و«قسد». وبينما تحاول باريس تسويق دعمها لـ«قسد» على أنه مرتبط بـ«ضمان حقوق جميع مكوّنات المنطقة في دستور سوريا المستقبل ومن ضمنهم الأكراد»، تشير مصادر كردية، في حديث إلى «الأخبار»، إلى أن فرنسا تنظر إلى مواقع سيطرة «قسد» وقربها من مواقع انتشار القوات التركية على أن ذلك ورقة رابحة يمكن استعمالها للضغط على أنقرة، وهي السياسة نفسها التي تتبعها واشنطن في سوريا. غير أن المصادر تشكّك في قدرة باريس على ملء هذا الفراغ في ظل فشلها سابقاً، عندما استثمرت موسكو الانكفاء الأميركي في شمال شرقي البلاد وقامت بالتمدّد.
من جهته، نفى قائد «قسد»، مظلوم عبدي، ما تناقلته وسائل إعلام أميركية، بينها «فورين بوليسي» و«المونيتور»، حول دفع واشنطن، «قسد»، إلى التعاون مع دمشق، ضمن خطة تهدف إلى انسحاب القوات الأميركية من سوريا، مشيراً إلى أنه «تلقّى تطمينات قوية من المسؤولين الأميركيين بأن أي انسحاب للقوات الأميركية من سوريا ليس مطروحاً الآن، ولا في المستقبل القريب». وهي تصريحات مشابهة أيضاً لتلك التي خرجت عن «قسد» خلال بدء ترامب سحب قواته، حين تلقّى الأكراد تطمينات أميركية بعدم الانسحاب، ليتبيّن لاحقاً زيفها، ما دفع «قسد» إلى محاولة التقارب مع دمشق بواسطة روسية، قبل أن تنسحب من تلك المفاوضات بعد عدول واشنطن عن قرارها.