نجح اليمن في عزل الولايات المتحدة - وشريكتها البريطانية - وإفشال جميع محاولاتها تجميع تحالف دولي يشارك في العدوان عليه، بعدما أدى قرار صنعاء حصْر الاستهدافات بالأصول الإسرائيلية، ولاحقاً الأميركية والبريطانية، ردّاً على شنّ واشنطن ولندن ضربات جوية على الأراضي اليمنية، إلى تعزيز الموقفَين السياسي والعسكري الداخليَّين، وتماسُك الشارع اليمني. كما ظَهر، عقب ذلك، لأولئك الذين طالبوا - ومن بينهم فصائل في المقاومة -، اليمن بإغلاق باب المندب كليّاً أمام حركة التجارة العالمية، ظنّاً منهم أن تلك الخطوة ستفيد القضية الفلسطينية، صوابية القرار اليمني بحصر الصراع مع الكيان الصهيوني، وأيّ دولة أخرى تشارك في العدوان على اليمن.
لا يمتلك الأميركيون قاعدة بيانات حقيقية عن القدرات العسكرية اليمنية (أ ف ب)

ورغم ادّعاء واشنطن ولندن أنهما تدافعان عن أمن الملاحة في البحر الأحمر، ورفضهما قبول أيّ صلة بين هذه الهجمات وما يجري في غزة، إلّا أن الأداء اليمني فضح تلك الادّعاءات؛ إذ راسلت صنعاء جميع شركات النقل العالمية، لتؤكد لها أن المستهدَف هو إسرائيل والدول المشاركة في العدوان على اليمن، فيما لا يزال الجانب الأميركي مصرّاً على «توسعة الصراع في البحر الأحمر، وتحويله إلى قضية دولية»، وإن كان الجميع، بمن فيهم حلفاء الولايات المتحدة، مدركين أن تدويل الأزمة ليس إلّا محاولة لتبرير التدخّل العسكري الهادف إلى حماية الكيان الصهيوني، ورفع الحصار الجزئي عنه. وفي هذا السياق، يجهد مسؤولون أميركيون للتشكيك في الأهداف اليمنية المعلَنة، والادّعاء أن صنعاء تسعى إلى عرقلة التجارة العالمية، ولكن واشنطن لم تتمكن من تسويق روايتها هذه حتى لدى حلفائها الأوروبيين الذين قرّروا حماية سفنهم بعيداً من القيادة الأميركية. ولذا، اعتبرت شبكة «يورونيوز» الأوروبية أن «تدخُّل الولايات المتحدة والمملكة المتحدة بضرب اليمن، يؤدي إلى تحويل الأزمة الإقليمية إلى أزمة عالمية»، ذلك أن «التوترات في البحر الأحمر تتصاعد نتيجة استهداف واشنطن ولندن مواقع في اليمن، ما يؤدي إلى احتمال حدوث أزمة شاملة يمكن أن تهدّد الانتعاش الاقتصادي العالمي».
وهكذا، يتصاعد الاهتمام العالمي بالعمليات العسكرية اليمنية، التي تحولت إلى ظاهرة عالمية تأخذ حيزاً كبيراً من الدرس والبحث، بمشاركة أجهزة الاستخبارات الدولية، وخصوصاً الغربية، بهدف توفير المعلومات العاجلة لتلبية احتياجات الضربات الجوية الحالية على اليمن أو إمكانية توسعتها. وفي هذا الجانب، قالت الباحثة الفرنسية المتخصّصة في الشأن اليمني، هيلين لاكنر، التي أقامت 15 عاماً في اليمن ولها مؤلفات عن مراحل من تاريخ هذا البلد والصراعات التي مرّت عليه، إن «الحوثيين واضحون في ما يفعلونه في البحر الأحمر، وهو استهداف السفن الإسرائيلية، وهم مستعدّون لوقف هجماتهم بمجرّد وقف الحرب على غزة»، مؤكدةً أنهم «يرحّبون بمرور أيّ سفن أخرى ما لم تكن لها صلة بإسرائيل أو مملوكة لها». ووفقاً للاكنر التي كانت تتحدّث إلى برنامج «الديموقراطية الآن»، فإن «موقف الحوثيين واضح جداً وهم يعلنون كل يوم تقريباً أن هجماتهم في البحر الأحمر ستنتهي بمجرّد انتهاء الحرب في غزة، والسماح بدخول المساعدات الإنسانية».
يتصاعد الاهتمام العالمي بالعمليات العسكرية اليمنية ضدّ السفن الإسرائيلية أو المرتبطة بالكيان في البحر الأحمر


وعليه، و«بعد مدة وجيزة من الآن، ستجد واشنطن نفسها في وضع لا يسمح لها بالاستمرار في الفشل، وهي تكرّر أخطاء التحالف العربي بالإغارة على الأهداف نفسها عشرات المرّات من دون أيّ نتيجة»، وفقاً لما توقّع الباحث في السياسة الخارجية الأميركية، غريغوري برو، مع بدء الهجمات الأميركية على اليمن. ولفت إلى أن «إدارة (جو) بايدن ستواجه ضغوطاً شديدة لإيجاد حلّ للمشكلة، يمكننا أن نتوقّع المزيد من الضربات الجوية الأميركية، إنْ لم يكن لسبب آخر سوى إظهار أن واشنطن تتّخذ إجراءات، سواء مع نتائج أو من دونها».
ومن جهتهم، يرى خبراء عسكريون وإستراتيجيون أن الأميركيين، ورغم حضورهم مع التحالف السعودي، فإنهم لم يكونوا يمتلكون قاعدة بيانات حقيقية عن القدرات العسكرية اليمنية، وأن «الأولى قبل البدء بالضربات الجوية، درس الجوانب المتعلّقة بالعمليات العسكرية الأميركية، خصوصاً في ما يتّصل منها بالجهد الاستخباراتي، إذ إن اليمن اتّخذ كل الإجراءات اللازمة للتفلّت من أنظار الأجهزة الاستخباراتية والفنية ومراقبتها».
ويضع التحدّي اليمني كلاً من واشنطن ولندن في وضع حرج يصعب عليهما إنكاره أو الزعم بتحقيق الإنجازات. وفي هذا الإطار، قال وزير الدفاع الأميركي السابق بالإنابة، كريس ميلر، في مقابلة مع شبكة «فوكس»، إن «هذه الضربات ليست مؤثّرة، إذ إن الحوثيين لا يزالون يطلقون الصواريخ والطائرات من دون طيار على السفن الأميركية». وأضاف: «يبدو أن الحوثيين يعطوننا الإصبع الوسطى، وهذه الصواريخ والمسيّرات، الرخيصة الثمن، تكلّفنا صواريخ بملايين الدولارات للدفاع عن أنفسنا»، معتبراً أن القتال مع الحوثيين «يشبه القتال في الضباب، الكثير من الطائرات من دون طيار الرخيصة تسبّب الكثير من الأضرار». تحدٍّ أجبر «البنتاغون» على الاعتراف بفشل ضرباته الجوية على اليمن، ودفع الناطق باسمه، بات رايدر، إلى القول إن «لدى الحوثيين قدرات لا نهائية، وقوات لا محدودة... وينبغي عدم التفاجؤ إذا استمرّت عملياتهم رغم الضربات الأميركية - البريطانية». ويفهم من تصريحات المسؤوليين في «البنتاغون» وأدائهم أن الضربات تركّز حالياً على تبرير الإخفاقات، وهو ما يضطرّهم إلى الانتقال من الاستخفاف باليمن إلى الاعتراف بقدراته، وفقاً لما نقلته وكالة «رويترز» عن مسؤول عسكري أميركي وصفته بالإستراتيجي، اعترف بأنه «باتت لدى الحوثيين ترسانة عسكرية كبيرة لثلاثة من أقوى الصواريخ الباليستية المضادة للسفن في العالم».