يبدو أنّ طبول الحرب تُقرع مجدداً في اليمن، على وقع التطورات في البحر الأحمر. إذ سُجّل، في الأيام الماضية، تصعيد وتحشيد متبادلان على طول جبهات التماس وعرضها بين صنعاء من جهة، وبين القوات الموالية للرياض وأبو ظبي من جهة أخرى، بعد هدوء حذر منذ ما يقارب العامين. وحتى قبيل معركة «طوفان الأقصى»، كانت الهدنة الهشّة في طريقها إلى الانهيار، إذ رغم كثافة الخطوات الديبلوماسية المتبادلة بين الرياض وصنعاء، إلّا أنّ أطرافاً أخرى محلية وإقليمية ودولية، كانت تضع العصي في دواليب عربة السلام. وفي الوقت الذي ألقت واشنطن فيه بثقلها الأمني والعسكري في أهم مناطق اليمن الجنوبية الإستراتيجية، وذلك بعد أشهر قليلة فقط من إعلان الهدنة، سارعت أبو ظبي إلى دكّ معاقل حزب «الإصلاح» فور إعلانها، وتشكيل «المجلس الرئاسي»، وزحفت بقواتها إلى تخوم حضرموت والمهرة، المعاقل الأخيرة للنفوذ السعودي في البلاد. وبدا أن وجهة نظر الإمارات، آنذاك، تقوم على أنّ تعطيل الهدنة يبدأ أولاً من الجنوب، وإحكام السيطرة عليه، ما يجعل من بنود السلام معطّلة، بالنظر إلى أن السعودية عندها لن تستطيع ضمان تنفيذ تلك البنود، سواء منها المتعلّقة بتصدير النفط والغاز، أو بالترتيبات الأمنية والعسكرية وحتى السياسية.لكن التطورات الراهنة في البحر الأحمر، وضعت الهدنة على المحك، وجعلت الرياض أمام اختبار حقيقي: إما المضي قدماً في عملية السلام وتحمّل تبعات ذلك، وإما فتح المعركة مجدداً. أما صنعاء، فإنها لا تربط إطلاقاً بين معركة البحر الأحمر ضد الملاحة الإسرائيلية، وعملية السلام مع التحالف السعودي - الإماراتي. وهي كرّرت، أكثر من مرة، أن على «التحالف» العبور من إستراتيجية الحرب إلى إستراتيجية السلام، عبر جدولة فعلية للبنود المتعلّقة بملف الأسرى، ورفع القيود عن الموانئ والمطارات اليمنية، وصولاً إلى ترتيبات الانسحاب من الأراضي والمياه اليمنية.
طموح الإمارات لا يتجاوز دفع «أنصار الله» بعيداً عن حقول النفط والغاز في شبوة


رغم ذلك، لا يبدو أنّ صنعاء غافلة عن خطورة التحركات البرية في ظل معركة البحرين الأحمر والعربي المفتوحة. ولهذا، عززت تموضعها في بيحان في محافظة شبوة، حيث المناطق التي تطلّ على حقول النفط والغاز، وترتبط بأهم خطوط المواجهة في مأرب والبيضاء. ومع أنّ القوات التابعة لأبو ظبي، تتّهم قوات صنعاء بمحاولة إسقاط مديريات بيحان وصولاً إلى السيطرة على كل مديريات شبوة المطلة على البحر العربي، إلّا أنّ «أنصار الله» لم تعطِ أي توضيحات رسمية تعزّز الرواية الإماراتية أو تنفيها. غير أنّ مصادر ميدانية من قوات «العمالقة» الموالية للإمارات وقوات صنعاء أكّدت، لـ«الأخبار»، أن المواجهات التي راح ضحيتها العشرات من الطرفين بين قتيل وجريح، لم تكن ناتجة من هجوم لـ«أنصار الله» ضدّ «العمالقة»، وإنما نتيجة تحركات استهدفت إعادة التموضع وتعزيز خطوط الاشتباك التي كانت قائمة قبل الهدنة.
وفي رأي متابعين، إنّ عودة المعارك واردة، خصوصاً أن أبو ظبي تدفع إلى تسخين المواجهة مع صنعاء، بشرط الحصول على دعم مفتوح من قبل واشنطن ولندن. غير أنّ طموح الإمارات لا يتجاوز دفع «أنصار الله» بعيداً عن حقول النفط والغاز في شبوة، والسيطرة على مناطق جديدة مطلة على سواحل البحر الأحمر في الحديدة.
وفي خضم تلك التطورات المتسارعة، يظل السؤال المطروح: هل ستدفع الولايات المتحدة بثقلها لفتح حرب برية، أم أنها لا ترى مصلحة في ذلك، وفي الوقت نفسه لا تريد لعملية السلام أن تنجح بالطريقة السعودية؟ في حال صحّ الخيار الثاني، فإن واشنطن تريد الحفاظ على الوضع القائم لأطول مدّة ممكنة: أي لا حرب شاملة، ولا سلام دائماً، وهو الواقع الذي يحقّق لها ولحلفائها مصالح أعظم، من دون خسائر تُذكر.