لعلّ من ميّزات «طوفان الأقصى» رغم الخسائر البشرية الكبيرة، أنّه عرّى الادعاءات الغربية وشعاراتها عن الديموقراطية وحرية التعبير والتفكير والمُثُل التي دائماً ما تاجر بها الغرب الإمبريالي. ما حصل مع الفلسطيني ليث معروف الذي يعمل مستشاراً دولياً في قانون البث ومتخصّصاً في حقوق «المجموعات القابلة للدفاع عنها» في قطاع الإعلام في كندا، يشكّل شهادة إضافية على التغطرس الغربي وانحيازه التام إلى مصالحه الاستعمارية واضطهاده أي شخص يفكّر بتحدّي المنظومة السائدة. يقول معروف لنا: «بحكم خبرتي في الإنتاج الإعلامي المجتمعي، قرّرنا مع بداية «طوفان الأقصى»، جمع أساتذة الاتصالات وعلوم الإعلام من مجموعة من الجامعات في بيروت (الجامعة الأميركية، جامعة المعارف، الجامعة اللبنانية) وتواصلنا مع الطلاب في هذه الاختصاصات والترجمة، وباشرنا بتأسيس بثّ تلفزيوني تطوّعي مجتمعي (عبر الإنترنت)، محاولين إنتاج برامج بالإنكليزية تعكس ميول ومواقف وآراء الطلاب والأساتذة والمجتمع في لبنان. هكذا، أطلقنا «تلفزيون تحرير فلسطين» عبر موقع freepalestine.video». ويتابع: «أنتج هذا التلفزيون بدايةً ترجمة فورية لخطابات القيادات، ومنهم السيد حسن نصر الله. وفي غياب الترجمات الفورية عن القنوات الأخرى في بداية «طوفان الأقصى»، جذب الأمر عدداً كبيراً من المتابعين، إذ زارنا أكثر من مليون و700 ألف شخص لدى إطلاق هذه الخاصية». استُكمل العمل بإنتاج «ثلث ساعة إخبارية يومياً، وتغطية للإعلام العربي والعبري، فضلاً عن مقابلات يومية». ويشير معروف الذي عاش في كندا لأكثر من 27 عاماً إلى أنّه «كانت لدينا حسابات على تليغرام وتويتر وإنستغرام، استقطبت مروحة واسعة من المتابعين». هذا النجاح والتواصل مع الجمهور، سرعان ما فتح عيون الصهاينة على قوّة الرسالة المقدّمة، وجعل ليث هدفاً لحملة شعواء بدأت من كندا: «فسخوا عقدهم معي في ملف «حقوق الأقليات الإعلامية»... وبدأ الإعلام الكندي بمعايرتي وفقاً لمنطق: لقد علمناك وآويناك و...». كما هو متوقع، استخدمت في وجهه التهمة الجاهزة التي تلقى في وجه كل أعداء إسرائيل ومنتقديها: «معاداة السامية». ولينجح الإعلام الكندي في مهمّته، استحضر تاريخ الناشط والباحث الفلسطيني: «كنت من قيادات العمل التحرّري لفلسطين ولحقوق الأقليات والشعوب الأصلية لأكثر من عشرين عاماً، وانتُخبت نائباً لرئيس «اتحاد الطلاب» في «جامعة كونكورديا»، وكنت أوّل عربي يصل إلى هذا الموقع هناك». حاول رئيس وزراء الاحتلال بنيامين نتنياهو عام 2002 زيارة الجامعة، فـ «نظّمنا تظاهرة منعته من دخول حرمها، وكانت المرّة الأولى والأخيرة التي يواجه فيها مسؤولاً صهيونياً موقفاً مشابهاً... ويومها اتهموني بأنّني عميل لصدّام حسين وياسر عرفات وأسامة بن لادن، وبأنّ الاتحاد أحد فروع تنظيم «للقاعدة»...»معروف المقيم في بيروت منذ عام 2018، يتردّد على كندا، وأتى عمله كمتخصص في حقوق الأقليات والسكان والشعوب الأصلية (في كندا)، ليضعه في مواجهات كثيرة ويكسبه عدداً كبيراً من الأعداء: «عندما قدّمنا شكاوى ضد عدد من محطات البث المرخصة، وأثبتنا أنّها مخالفة لقوانين البث والإذاعة لناحية توظيف الأقليات والسكان الأصليين وإنتاج برامج تمثلهم. فما كان من الإعلام الكندي إلا أن نصب لي العداء». ويلفت إلى أنّ الأمر نفسه انسحب على الحكومة الكندية التي لم تشأ تطبيق القانون ولا منح هذه الفئات حقّها في التمثيل الإعلامي، «لتبدأ الهجمة عليّ». ما فعله الناشط الفلسطيني مع «بيبي» لم يمر مرور الكرام، إذ تواصل الهجوم على معروف. هكذا، أُغلقت العام الماضي حساباته على كل مواقع التواصل الاجتماعي: «وصل تأثير بعض منشوراتي إلى ملايين المتابعين... كان كلامي صريحاً، وهاجمت الصهاينة في بعض التغريدات والتصريحات». ويستطرد: «اجتمعت لجنة خاصة في الكونغرس بحضور مجموعة من البرلمانيين المؤيدين للصهيونية من جميع أنحاء ما بات يُعرف بـ «أنغلوسفير» (إنكلترا وويلز واسكتلندا وأيرلندا) وإسرائيل، استدعت المديرين التنفيذيين لتويتر ويوتيوب وميتا وتيك توك للشهادة، وشرحت كيف أنّ حسابين لا يزالان قادرين على الاستخفاف بالصهاينة علناً. وللمفارقة أحد الحسابين هو للسيد علي خامنئي، والثاني يعود لي». وهكذا، أصبح معروف مبعداً كلياً عن العالم الافتراضي.
لم يتوقف الأمر هنا. مع بداية «الطوفان»، وتكثّف نشاط معروف عبر «تلفزيون تحرير فلسطين»، بدا أنّ الحكومة الكندية عازمة على «تأديبه»: يقول معروف: «يختارون شخصاً ذا حيثية في المجتمع ثم يهاجمونه لإخافة الآخرين الذي قد يفكرون في فعل الأمر نفسه». هنا تجدر الإشارة إلى أنّه سبق لليث معروف الذي وصفت «ناشونال بوست» تغريداته بأنّها «تحض على الكراهية تجاه اليهود والفرونكوفون والسود»، وأنه وقف في وجه أحد «أباطرة» اليمين في كندا: وزير العدل إيروين كاتلر الذي كانت زوجته «سكرتيرة أحد رؤساء الوزراء الصهاينة». وقد عيّن رئيس الوزراء الكندي جاستن ترودو كاتلر مشرفاً على «كشف معادي السامية». وظيفة مستحدثة في «الديموقراطيات» الغربية، تحيلنا مهمّتها إلى «صيد الساحرات». لاحقاً، بدأت المقالات المشبوهة بالظهور. ضمن صفحة الرأي، نشرت «تورونتو صن» مقالاً أشار فيه وارين كونسيلا إلى ارتباط ليث معروف بإيران التي «يتلقى أموالاً منها». في هذا السياق، يؤكد معروف أنّهم يفعلون ذلك لسببين: «يريدون القول إنّ مساندتي للقضية الفلسطينية مشبوهة ويتّهمونني بتلقي الأموال من دولة ما، وهو أمر يخالف القانون الكندي ويمكّن الحكومة من اتهامي بالإرهاب أو التخابر مع عدو للبلاد». بالتالي «هم لا يخيفونني فقط، بل يخيفون من يتعامل أو يعمل معي، ناهيك بأنّ المسألة تزيد من احتمالات محاكمتي في قضية مماثلة، وخصوصاً أنّ هذا اليمين المتطرّف والصهيوني يحاول جرّي إلى القضاء، ويؤكد أنّهم لم يستطيعوا إسكاتي ووقف نضالي، إلا عبر هذه الطرق الملتوية واللاأخلاقية والكاذبة».
أمام كلّ هذه المعطيات، يبرز إلى الواجهة: ماذا في جعبة ليث معروف للدفاع عن نفسه؟ يجيبنا: «أبحث حالياً مع مجموعة محامين في إمكانية رفع دعوى قضائية ضد من كتب أنّني تلقيت أموالاً من الحكومة الإيرانية». مع العلم أنّه إلى جانب استبعاد احتمال صدور حكم منصف، ستستغرق المواجهة القانونية الكثير من الوقت والمال. فهل يعني ذلك أنّ معروف سيتوقّف عن دعم القضية الفلسطينية؟ «على العكس تماماً. أنا أدعو من يزور موقعنا إلى مساعدتنا ودعم هذا الإنتاج التطوّعي بشتى الطرق. نحن بحاجة إلى هذا الدعم حتى نزيد من غزارة إنتاجنا، والضغط على الصهاينة، ورفع صوت اللبنانيين والفلسطينيين والسوريين باللغة الإنكليزية». freepalestine.video