امتنعت دول الشرق الأوسط بأكملها، باستثناء البحرين، عن الانخراط في «قوة العمل البحرية» التي أعلنت الولايات المتحدة، أول من أمس، تشكيلها لحماية الملاحة الإسرائيلية في البحر الأحمر وباب المندب من هجمات القوات البحرية اليمنية. ولم توافق ولو دولة واحدة مشاطئة لهذا البحر على الانضمام، بما فيها السعودية ومصر اللتان تُعدان من كبرى الدول المطلّة عليه، إضافة إلى الأردن والسودان والصومال وجيبوتي، فضلاً عن إريتريا التي تحتضن أهم قواعد الكيان الإسرائيلي. وبدت واشنطن، إزاء ذلك، وكأنها تعاني من عزلة جرّاء انتهاجها سياسة لا تراعي مصالح حلفائها وعموم دول المنطقة، فيما ظهر أن التحالف الجديد لن يشكل أي حالة ردع لليمن، وفقاً لما روّجت له الدعاية الأميركية، إذ خرج اليمن أكثر إصراراً على قراره فرض الحصار البحري على الكيان الصهيوني، وهذا ما أكّده الناطق باسم «أنصار الله»، محمد عبد السلام، حين قال، في منشور على منصة «إكس»، إن «التحالف الأميركي لن يوقف عملياتنا»، محذّراً من أن «عمليات اليمن البحرية ليست استعراضاً للقوة ولا تحدياً لأحد، ومن يسعى إلى توسيع الصراع عليه تحمّل عواقب أفعاله». وكانت واشنطن فشلت في إسباغ الشرعية الدولية أو الاستحصال على تفويض دولي لتحالفها البحري الجديد. وعلى رغم أن الهدف الحقيقي لتشكيل التحالف حماية المصالح الإسرائيلية في البحر الأحمر، غير أن إسرائيل نفسها ليست جزءاً منه، وفق ما قال مصدر سياسي إسرائيلي لـ«القناة 14» العبرية. لكنّ مجلة «بوليتيكو» الأميركية كشفت أن ثمة دولاً مشاركة فضّلت إبقاء مشاركتها سرية، وهو ما أكّدته صحيفة «الأيام» البحرينية التي قالت إن التحالف يضم 12 دولة على الأقل وليس 10، كما أُعلن. وفي وقت سابق، أرسلت بريطانيا المدمّرة «دايموند» لتنضم إلى القوة الجديدة، فيما قالت وزارة الدفاع الإيطالية، أمس، إن بحريتها سترسل إحدى فرقاطاتها للمساعدة في حماية طريق الشحن في البحر الأحمر. كذلك، أعلنت وزيرة الخارجية الفرنسية، كاترين كولونا، خلال اجتماعها مع نظيرها البريطاني، ديفيد كاميرون، أن بلادها ستتّخذ إجراءات مع الشركاء في البحر الأحمر، حيث تشارك عدة سفن حربية أميركية في مهام حماية السفن الإسرائيلية، وأبرزها «كارني»، و«ميسون».
رغم تشكيل التحالف، لا تزال واشنطن تعمل على إبقاء دائرة الحرب الإسرائيلية محصورة في غزة وعدم توسيعها إقليمياً


ورغم تشكيل التحالف، تشير التقديرات الأولية إلى أن «واشنطن لا تزال تعمل على إبقاء دائرة الحرب الإسرائيلية محصورة في غزة وعدم توسيعها إقليمياً». وبعدما اتّسم الرد الأميركي على عمليات «أنصار الله» بالتردّد، يبدو أنه لن يخرج عن هذه المعادلة، أقلّه حتى اللحظة. أما المفارقة الأخرى، فهي أن دول الخليج، التي تدور في فلك أميركا تاريخياً وتتشارك معها التكتلات العسكرية والسياسية والاقتصادية في المنطقة والعالم بما فيها «القوة البحرية المشتركة 153» التي تضم 39 دولة في البحر الأحمر، رفضت الانضمام إلى التحالف، رغم أن وزارتَي الدفاع والخارجية الأميركيتين بذلتا جهوداً كبيرة لإقناع الحلفاء في المنطقة بالانضمام. ويأتي الرفض العلني للمشاركة هذه المرة، بسبب الشكوك التي تبديها هذه الدول في ممارسات واشنطن المعتمدة على الابتزاز، فضلاً عن أن الانضمام إلى القوة الجديدة لا يتوافق مع سياسة الخليج، ولا سيما السعودية، المنخرطة حالياً في مسار السلام مع اليمن، وأن الأخير سيصنّف الدول المشاركة على أنها دول معادية ويمكن أن يضطر إلى مواجهتها، وهذا ما حذّر منه بالفعل مسؤولون ونشطاء قريبون من دوائر القرار في صنعاء بالقول إن «دخول أو انضمام أي دولة عربية إلى التحالف، يُعتبر كارثة لم تحدث في التاريخ العربي على الإطلاق، وبالتالي فإن مشاركة أي دولة عربية، ستجعل كل مرافقها الاقتصادية والإستراتيجية هدفاً مشروعاً للقوات المسلحة اليمنية، وسوف تتحوّل الحرب إلى حرب إقليمية كبيرة جداً وحتى في داخل السعودية». أما لماذا لم تنخرط مصر في التحالف؟ فلأن أهدافه واضحة في حراسة المصالح والسفن الإسرائيلية وفك الحصار عن موانئ العدو في وقت يشن فيه الأخير حرباً على غزة. وتعتبر القاهرة أن أحد جوانب هذه الحرب يشكّل تهديداً لأمنها القومي، فضلاً عن أن الانخراط في مثل هذه القوة يخالف المزاج الشعبي المصري.