في يوم حرية الصحافة العالمي قبل أربع سنوات، كتبت فرح عمر (1998 ـــ 2023) على حسابها على تويتر: «تحية إلى روح شهداء الصحافة الذين دفعوا حياتهم مقابل معرفة الحقيقة، تحية إلى المعتقلين والمعذّبين بغية إسكاتهم والذين يتحمّلون المخاطر والتهديدات من أجل نقل الواقع كما هو». أمس، التحقت مراسلة «الميادين» مع مصوّر القناة ربيع معماري (راجع مقال الزميلة زكية الديراني) بقافلة تمتدّ من لبنان إلى غزة التي ودّعت 62 صحافياً حتى لحظة كتابة هذه السطور. لقد حوّل الكيان العبري «الحرب الذي يشنها على قطاع غزة، إلى أكبر مقتلة للصحافيين في التاريخ الحديث» وفق تصريح لـ «المرصد الأورومتوسطي لحقوق الإنسان». منذ عملية «طوفان الأقصى» في السابع من تشرين الأول (أكتوبر) والاحتلال يستهدف الصحافيين والإعلاميين بشكل مباشر، هؤلاء الذين ـ على خطى شيرين أبو عاقلة (1971 ـــ 2022) ـــ أخذوا على عاتقهم فضح جرائمه وتعرية وجهه الفاشي القائم على ثقافة الإبادة. لقد جنّ جنون إسرائيل منذ اليوم الرابع من عدوانها على غزة، حين خسرت معركة الصورة، ولم تنفع الإعلانات المدفوعة التي نشرتها على منصّة X ويوتيوب في خدمة سرديّتها المزيّفة. رأى العالم بأم عينيه محرقة القرن مباشرةً على الهواء، ما ولّد صحوةً حقيقية في شوارع العواصم الغربية، فعمّت التظاهرات الساحات والمدن، وانهالت الفيديوات على تيك توك لمواطنين (من كل الأعمار) يتحدّثون عن الخداع الذي تعرّضوا له لسنوات من المنظومة الإعلامية المهيمنة المنحازة للاستعمار الإسرائيلي. لقد غيّرت غزّة المعادلة، وخلقت وعياً فكرياً وسياسياً جديداً، وصارت فلسطين لـ «الجيل زد» جزءاً من صراعه مع المنظومة السائدة وسعيه لعالم أكثر عدالة (الأخبار 8/11/2023).
كان طبيعياً بالتالي أن تلجأ إسرائيل إلى ما تُجيده: الضغط باتجاه كتم صوت فلسطين على منصات التواصل الاجتماعي، وتصفية الإعلام. لعبت ورقة الترهيب وممارسة الضغوط السياسية على بعض الفضائيات العربية. نجحت في بعض الحالات، فيما أقفلت مكاتب فضائيات أخرى في فلسطين المحتلّة من بينها «الميادين» بعدما تعرّض مراسلوها هناك لمختلف أشكال التخويف والتهديد. في مواجهة أسطول إعلامي غربي وعربي قرّر بيع روحه للشيطان وتزوير الحقيقة وكتم صوت القطاع المذبوح، وقفت حفنة اختارت أن تشهد للحق ولرسالتها الإعلامية. اختارت الحقيقة الساطعة كغزّة المسوّاة بالأرض وأطفالها المقطّعين أشلاءً. رفضت سياسة «الحياد الكاذب» التي يمارسها بعض شهود الزور الذين يستضيفون العدو، ويستمعون إليه كخادم طيّع، وهو يروّج على مسامعهم سرديّته المبرّرة للإبادة الجماعية والتطهير، ومن ثم يَطرحون الصوت حين تعلو الأصوات المستهجِنة، فيهرع إليهم «فرسان الحرية» ليتضامنوا معهم، رافعين شعار: «نعم لحرية استقبال القاتل»!