ثمانية عشر عاماً مرّت على وفاة ياسر عرفات في مِثل هذا اليوم من عام 2004. ثمانية عشر عاماً ظلّ خلالها هذا الملفّ أشبه بلُغز مستعصٍ على التفكيك، وصندوق أسود عصيّاً على الولوج إليه. إلى الآن، لا نتائج واضحة معلَنة لعمل لجنة التحقيق التي كانت قد شُكّلت برئاسة توفيق الطيراوي عام 2010، لكنّ اشتداد صراع الخلافة بين «أولاد فتح» أدّى إلى انكشاف الكثير من المستور، وتسرُّب عدد كبير من الوثائق السرّية التي لم يَجرؤ أيّ منهم على إنكار صحّتها. وإذ يبدو جليّاً أن ثمّة مخطّطاً واضحاً، من وراء هذه التسريبات، لإزاحة الطيراوي من المشهد السياسي، وإخلاء الجوّ لحسين الشيخ وماجد فرج اللذَين يريدان الاستئثار بتِركة أبي مازن وحدَهما لا غير، فإن الوثائق تُظهر أن أبا عمار تعرّض لعملية اغتيال سياسي ومعنوي، كان محمود عباس و«شُلّته» شديدَي الضلوع فيها، سبقت تصفيته الجسدية، وهو ما يجلّيه قول الراحل في أيامه الأخيرة: «وُصلولي... خلّي الكرسي ينفعهم، شعبي والتاريخ لن يرحمهم». وإذا كان التاريخ «لن يرحم» بالفعل رأس السلطة الفلسطينية الحالي، الذي قضى على كلّ ما تبقّى من إرث ثوري، واستعدى مكوّنات المجتمع كافّة، واستحدث سُنّة الطرد من «أمّ الجماهير»، فهو، على العكس من ذلك، سيحفظ لأبي عمار، على رغم كلّ المآخذ على نهجه الحافل بالتناقضات، وعلى رغم «خديعة أوسلو» التي ثبت أنها لم تكن سوى غطاء لتوسّع المشروع الاستيطاني، أنه القائد العسكري الذي لم يُسقط «السلاح من يده»، وتلك لوحدها أعادتْه إلى وجدان الناس، مبرَّأً من كلّ «خطيئة وطنية»، وطنياً فلسطينياً كـ«يوم ولدتْه أمه»