رام الله | لم تفرز نتائج انتخابات مجلس اتّحاد الطلبة في جامعة بيرزيت، والتي تُعدّ غير مسبوقة، فوزاً كاسحاً لذراع «حماس» الطالبية فقط، أو هزيمة ساحقة لذراع «فتح» الطالبية فحسب، بل عبّرت أيضاً عن صفعة سياسية بكلتا اليدين لنهج السلطة الفلسطينية وحركة «فتح» التي تشكّل عمودها الفقري. بلغة الأرقام، حصدت «كتلة الوفاء الإسلامية» (حماس) 28 مقعداً بمجموع 5068 صوتاً، بينما حازت «كتلة الشهيد ياسر عرفات» (فتح) 18 مقعداً بمجموع 3379 صوتاً، وحصل «القطب الطلابي الديموقراطي التقدمي» (الجبهة الشعبية) على المرتبة الثالثة بـ5 مقاعد بمجموع 888 صوتاً. أمّا كتلة «اتحاد الطلبة التقدمية» (حزب الشعب الفلسطيني)، و«قائمة الوحدة الطلابية» (الجبهة الديموقراطية) فلم تجتازا نسبة الحسم. ولم يكن هذا الفارق الكبير بين رأسَي الحركة الطلابية في بيرزيت متوقّعاً؛ إذ كان أفضل ترجيحات «شبيبة فتح» أو كتلة «حماس» هو الفوز بفارق مقعدين أو ثلاثة كما جرت العادة في السنوات الأخيرة، أو ربّما التعادل في عدد المقاعد والحسم فقط في عشرات الأصوات كالانتخابات الأخيرة في العام 2019.
وعكس هذا الفوز الكبير لـ«حماس» دلالات كثيرة، بقدْر ما وضع علامات استفهام متعدّدة، علماً أن انتخابات جامعة بيرزيت سياسية بدرجة رئيسة، على رغم كونها انتخابات لاختيار ممثّلي الطلبة في مجلسهم الجامعي. ودلّل محتوى المناظرة الانتخابية، قبل أيام، بوضوح على مستوى تعمّق السياسة وتجذّرها في هذه الانتخابات، إذ إن 85% من محتوى الدعاية لدى كلّ الكتل الطلابية كان سياسياً، وفي إطار «الردح» كما يسمّيه البعض، أو «الردود المتبادلة» مثلما يحلو للبعض الآخر تسميته. وفي هذا السياق، هاجمت كتلة «فتح» حركة «حماس» وطريقة إدارتها للحُكم في قطاع غزة، وفي المقابل هاجمت الأخيرة نهج السلطة الفلسطينية وطريقة إدارتها للحُكم في الضفة الغربية، فيما كتلتا «حزب الشعب» و«الجبهة الديموقراطية» انتقدتا نموذجَي الحكم في غزة والضفة.
ويعود تفوّق كتلة «حماس» على نظيرتها «الفتحاوية» إلى عدّة أسباب مختلفة، بعضها يتعلّق بتبنّي الأولى مشروع المقاومة، والبعض الآخر يتّصل بسلوكيات السلطة الفلسطينية. ويرى مراقبون أن لهذه الانتخابات خصوصية لأنها أجريت بعد انقطاع لسنتين بسبب جائحة «كورونا»، وخلال مدّة الانقطاع تلك، طرأت مجموعة كبيرة من التحوّلات، على رأسها معركة «سيف القدس» التي أدت إلى ارتفاع شعبيّة «حماس» ونهج المقاومة عموماً. واتّسع حضور الحركة وذراعها العسكرية عبر رموز حفرت في ذاكرة الجيل الجديد، مثل: قائد «هيئة أركان كتائب القسام» محمد الضيف، والناطق العسكري باسمها أبو عبيدة، وقائد «حماس» في غزة يحيى السنوار. وفي مقابل هذه الرموز وحضورها خلال السنتَين الماضيتَين، لم يكن هناك حضور لافت لرموز أو قيادات «فتحاوية» بارزة في الشارع لتتصدّر المقاومة.
سرعان ما ظهرت الصدمة على «الفتحاويين» في الضفة الغربية مع ظهور نتائج الانتخابات


في ظلّ هذا المشهد، «دمّرت السلطة الفلسطينية نفسها بنفسها» كما يرى البعض؛ فبدلاً من محاولة خلق نموذج ينافس حركة «حماس» ومشروعها، واصلت النهج نفسه من دون تغيير، فيما حركة «فتح» لم تخرج عن خطّها، ومعضلة الأخيرة الداخلية تتمثّل في أنها باتت توأم السلطة ولم تنجح في الانفكاك عنها، ومَن يدير ذراعها الطالبية وجوه في السلطة نفسها. كذلك، كان لمسلسل القمع العنيف الذي انتهجه الأمن الفلسطيني، أثر بارز في الشارع، بدءاً بقتل نزار بنات وتداعياته، مروراً بقمع المتظاهرين المطالبين بالعدالة لنزار، إضافة إلى قمع حراكات شعبية متتالية، وإلغاء الانتخابات التشريعية والرئاسية بمرسوم رئاسي وبقرار فردي، وأيضاً قمع مواكب استقبال الأسرى والمحرَّرين، علماً أن القمع في أحيان كثيرة لم يقتصر على حركة «حماس»، بل امتدّ ليطاول كلّ معارض لنهج السلطة، كأسرى محرّرين وقيادات ونشطاء في «الجهاد الإسلامي» والجبهتين «الشعبية» و«الديموقراطية». هذه السلسلة أفرزت أثراً كارثياً على صورة «فتح»، فيما لم يقدر على محوه مُناظرو «الشبيبة»، عبر التغنّي بتاريخ «فتح» وثورتها وشهدائها ورموزها القدامى، والذي يعاكس نهج السلطة حالياً. وبينما كانت كتلة «فتح» تمجّد شهداء جنين، شاهَد الشارع، في الوقت نفسه، رئيس الحركة والسلطة يدين العمليات التي نفّذها الشهداء أنفسهم الذين تقول عنهم «فتح» إنهم شهداؤها ومن عناصرها.
يُذكر أنه في العام 2014، قبل الحرب على قطاع غزة، فازت «فتح» بـ23 مقعداً مقابل 20 لـ«حماس». لكن في 2015، بعد أقلّ من عام على الحرب، صعدت «حماس» لتحظى بـ26 مقعداً مقابل 19 لـ«فتح». وفي 2016 و2017، تقلَّص الفارق إلى أربعة مقاعد ثمّ ثلاثة لصالح «حماس»، بينما في العام 2019 فازت الأخيرة بفارق مقعد واحد. وفي العام 2019، نجحت «فتح» في تقليص الفارق لتأتي النتيجة بالتعادل بـ23 مقعداً لكلّ منهما، وفوزها هي بفارق 60 صوتاً، ثمّ
انقطعت الانتخابات لسنتين، وهذا العام اتّسعت الفجوة لتصبح 10 مقاعد. ويرى مراقبون أن الفارق الكبير (نحو ألفي ناخب) ليس بالضرورة دليلاً على دخول نشطاء جدد منتمين إلى «حماس» إلى الجامعة، بقدْر ما هو مؤشّر إلى أن «فتح» خسرت عدّة مقاعد من الأصوات العائمة أو المتردّدة، والتي ترتبط عادة بمزاج الشارع الفلسطيني في فترة محدّدة والظرف السياسي السائد. في المحصّلة، تثبت نتائج الانتخابات الأخيرة تآكل قوّة السلطة الفلسطينية، وتراجع شعبية حركة «فتح» في أوساط غالبية الشباب الفلسطيني، وغياب ثقة الشارع بنهجهما.

«الفتحاويون» غاضبون
سرعان ما ظهرت الصدمة على «الفتحاويين» في الضفة الغربية مع ظهور نتائج الانتخابات في بيرزيت، حيث عبّروا عنها بسلسلة من كتب الاستقالة المُقدَّمة إلى قيادة الحركة، إذ استقال أمين سرّ إقليم حركة «فتح» في رام الله والبيرة، موفق سحويل، وثمانية من قيادة الإقليم، إضافة إلى استقالة عشرات الكوادر «الفتحاوية» من مناطق تنظيمية أخرى، علماً أن الاستقالات تركّزت في محافظتيَ رام الله والبيرة. كذلك، بدا لافتاً تصريح أمين سرّ اللجنة المركزية لـ«فتح»، جبريل الرجوب، الذي قال بعد ساعات قليلة من إعلان النتائج: «حركة فتح تدفع ثمن أخطاء السلطة الفلسطينية، ونحن بحاجة لمحاسبة ذاتية واستخلاص الدروس والعِبر من النتائج».

لماذا بيرزيت مختلفة؟
كلّ الفصائل راقبت عن كثب انتخابات جامعة بيرزيت، على رغم أن انتخابات سابقة أُجريت في عدد من الجامعات، لكنها لم تشهد منافسة محتدمة بسبب مقاطعة «حماس» لها أو عدم وجود ثقل لها فيها. وإذا كانت دورية الانتخابات في «بيرزيت» تجعلها محطّ أنظار الساسة والشخصيات النخبوية وليس قادة الفصائل فقط، فإن ما يضفي عليها أهمية زائدة هو أن الجامعة ذاتها نشأت من فصائل تحمل أيديولوجيات متنوّعة، وليس من لون واحد (يسارية، قومية، إسلامية، ليبرالية)، ولم تتبع لفصيل أو فكر معيّن منذ التأسيس، كما أن الكتل الطلابية فيها حافظت على دورها الطليعي في مقاومة العدو الإسرائيلي، إضافة إلى وجود مقرّ الجامعة بالقرب من رام الله حيث مركز ثقل السلطة ومؤسّساتها.