وبحسب المعطيات التي توافرت لـ»الأخبار»، فإن هذه الحملة الحذرة، على رغم أنها غير واسعة، إلا أنها مركّزة، وتستهدف نخبة من الناشطين والمؤثّرين في الميدان، فيما تتمحور أسباب الاعتقال والتحقيق حول منشورات تنتقد السلطة الفلسطينية، أو المشاركة في مسيرات مؤيّدة للمقاومة في المعركة الأخيرة وبعدها. ومن بين الذين اعتُقلوا مؤيّدون لحركة «فتح»، وأيضاً لحركة «حماس»، وناشط مناصر لـ»الجبهة الشعبية. ومن أبرز التهم المُوجّهة إلى المعتقلين: إثارة النعرات الطائفية والعنصرية، والذمّ الواقع على السلطة. وحتى الآن، يواصل أمن السلطة اعتقال كلّ من مهدي أبو عواد، إياد رفاعية، مصطفى الخواجا، أكرم سلمة، وكلّهم معتقلون لدى اللجنة الأمنية في أريحا، بينما عاصم ياسين، وفراس يوسف معتقلان لدى جهاز الأمن الوقائي في سلفيت. ويقول مصدر أمني، لـ»الأخبار»، إن نحو 9 فلسطينيين آخرين اعتُقلوا أيضاً - إضافة إلى الـ16 المشار إليهم - من العاملين مع القيادي المفصول من حركة «فتح» محمد دحلان، بسبب مشاركتهم في الإعداد للقائمة الانتخابية الخاصة بدحلان.
وُثّق اعتقال أمن السلطة 16 فلسطينياً على خلفية سياسية منذ وقف إطلاق النار
وبعد وقف إطلاق النار، اعتقل جهاز الأمن الوقائي مؤذّن مسجد «دورا» الكبير، الشيخ حسين الحروب، وهاجمه ضابطان بالضرب المبرح وعذّباه، بسبب فتحه المسجد والشروع بالتكبير والاحتفال بانتصار المقاومة، لتُصدر عشيرة الحروب بياناً يدين وقائع التعذيب ويطالب بالحق العشائري لابنها. الناشط طارق خضيري، نموذج آخر من الاعتقالات التي نفّذتها السلطة أخيراً. ويُعرف خضيري بتصدّره التظاهرات والمسيرات الوطنية في رام الله، وبالهتافات المميّزة، وأيضاً بالصوت الوحدوي الكاره لمفاوضات التسوية و»الحلّ السلمي». وبسبب ذلك، روّجت مجموعات تتبع الأجهزة الأمنية وبعض ناشطي «فتح» فيديو قالوا إن أحد مناصري المقاومة يردّد فيه هتافاً مسيئاً لرئيس السلطة الراحل، ياسر عرفات، خلال الاحتفال بالانتصار في رام الله. وخلال دقائق، انتشرت إشاعة كالنار في الهشيم حول اعتقال أمن السلطة لصاحب الهتاف المسيء، والذي ادُّعي أنه نفسه الناشط خضيري، ليتّضح لاحقاً أن هذا الافتراض «كاذب وملفّق». وقالت عائلة خضيري، آنذاك، إن أمن السلطة أكد لها أنه يعتقل نجلها طارق لحمايته من الاعتداءات بعد التحريض ضدّه. وبحسب مصادر لـ»الأخبار»، فإن مَن حرّض على طارق مجموعات معروفة عبر «واتسآب» تتبع مناصرين لأمن السلطة، وأيضاً صفحات عبر «فيسبوك»، بعدما وصل تعميم إلى عدّة أجهزة أمنية حول ضرورة نشر خبر «اعتقال طارق خضيري الذي أساء لأبو عمار»، مع نشر صورته. وفي وقت لاحق، قرّرت النيابة العامة في أريحا الإفراج عن خضيري وعدم إحالة ملفّه إلى القضاء. وفتحت الحملة التي رافقت اعتقال طارق الباب أمام حملة مضادّة للاعتقال السياسي ورافضة لتصعيده، وداعية إلى الوحدة الوطنية وعدم العودة إلى المربّع الأول من الانقسام والاقتتال الداخلي. وفي هذا الإطار، عقدت فصائل فلسطينية اجتماعاً لها في رام الله، ضمّ القيادي في «حماس» حسين أبو كويك، وعضو اللجنة المركزية لـ»فتح» دلال سلامة، شدّد على ضرورة الإفراج عن المعتقلين السياسيين.
هكذا، يبدو أن السلطة الفلسطينية تنفّذ حملة اعتقالات حذرة وضربات مركّزة بهدوء، لكن مع الحرص على عدم التوسّع في ضربة شاملة تشمل عشرات الناشطين في محافظات الضفة الغربية، حيث الوضع أشبه بموجات قصيرة المدى، كلّ موجة تستهدف ما لا يزيد على 20 ناشطاً أسبوعياً. والظاهر أن حملات الاعتقال هذه ستطاول الناشطين الأكثر تفاعلاً وتأثيراً في كلّ المحافظات، إذ ليس من المعقول أن تعتقل السلطة الآلاف من مؤيّدي المقاومة الذين خرجوا في أوسع مسيرات في الضفة وضواحي القدس.