«ميرتس» هو الممثل الأبرز لليسار الصهيوني الإسرائيلي، ويرفع في حملاته الانتخابية شعار «ميرتس هو اليسار»، كما يوصف بأنه «حزب حمائمي».
تعود جذور الحزب إلى حركة «راتس» الماركسية التي تأسست عام 1973 بزعامة شولاميت ألوني. وقبيل انتخابات الكنيست عام 1992، اتحدت «راتس» مع كلٍ من حزب «مابام» الاشتراكي برئاسة يائير تسبان، وحركة «شينوي» الليبرالي التقليدي برئاسة أمنون روبنشتاين، لتدخل الانتخابات ضمن كتلة «ميرتس». وكان الهدف من هذه الكتلة زيادة قوة اليسار البرلمانية ليُتاح لها إزاحة «الليكود» عن الحكم.

ورغم أن «ميرتس» عرّف نفسه بأنه «كتلة يسار» إلا أن جريدة «هآرتس» اليسارية ارتأت وصف الكتلة في افتتاحيتها، بتاريخ 2 أيار 1992، بـ«كتلة سلام». ويرجع هذا الوصف إلى اختلاف توجهات الأحزاب المتحالفة، إلا أنها اتفقت جميعها على المضيّ في طريق «مفاوضات السلام» مع الفلسطينيين.

يحظى الحزب بعضوية في «الاشتراكية الدولية»، وعُيّن بصفة مراقب في حزب الاشتراكيين الأوروبيين، كما أن له عضوية في المنظمة الصهيونية العالمية. ويحرص الحزب على الانسجام مع «الإجماع الصهيوني»، إذ يبرز تأكيده على صهيونيته في برنامجه السياسي المقتبس من «وثيقة الاستقلال»، والذي يتحدّث فيه عن «حق تقرير المصير للشعب اليهودي في إسرائيل». وللحزب قواعد اجتماعية ثابتة تمثّلها الطبقة الوسطى والطبقة المثقفة، وتتركز الكتلة الأكبر من ناخبيه في تل أبيب.

القضايا الداخلية والفلسطينيون
ينشط الحزب بفعالية في عدد من القضايا الداخلية، كتعزيز تكافؤ فرص التعليم، والدعوة إلى فصل الدين عن الدولة، ومعارضة نفوذ الأحزاب الدينية، وتعزيز الزواج المدني. كما ينشط في قضايا حقوق النساء وحقوق المثليين ومناهضة صناعة الدعارة. وتبرز فعالية الحزب في قضايا الحقوق المدنية والحريات الفردية والعامة، والمساواة في حقوق المواطنة، لذلك فإنه أكثر انفتاحاً على فلسطينيي الداخل ويقول إنه يرفض أي تمييز ضدهم. وقد جاء في برنامجه الانتخابي أن «حق الشعب اليهودي بوطن قومي، وحق كل مواطني إسرائيل بشراكة كاملة في السيادة على دولتهم، لا تناقض فيهما»، وهو ما يعني أن مطالبته بالمساواة بين العرب واليهود لا تلغي مبدأ الصهيونية. كما طالب الحزب بإسقاط قانون «إسرائيل دولة القومية اليهودية» واعتبره بمثابة «إعلان ضد مواطني إسرائيل العرب، وأيضاً ضد إسرائيل كمجتمع ديموقراطي».

أمّا في قضايا الصراع الفلسطيني ــــ الإسرائيلي، فإن الحزب منذ تأسيسه يؤمن بإنجاز السلام من خلال التحاور مع الفلسطينيين، ويُطالب بالانسحاب من الضفة الغربية، وإيقاف الاستيطان، وترسيم الحدود على أساس الخط الأخضر، وتقسيم القدس إلى عاصمتين لدولتين، ويدعم إقامة «دولة فلسطينية». بالإضافة إلى إخلاء هضبة الجولان في إطار اتفاقية سلام مع سوريا ويدعو الحكومة إلى اعتماد تفاهمات مؤتمر جنيف كمسار أساسي للسلام، وأن تتبنى المبادرة العربية التي أقرت في القمة العربية في بيروت عام 2002. ورغم دعوة الحزب إلى السلام وإنهاء الاحتلال، فإنه لم يقر بحق تقرير المصير للشعب الفلسطيني، وحق عودة اللاجئين الفلسطينيين، وأيد إبقاء الكتل الاستيطانية الكبيرة وإخلاء المستوطنات الصغيرة لضمان وحدة جغرافية «الدولة الفلسطينية».

في الانتخابات
خاض الحزب أوّل انتخابات له عام 1992، بزعامة شولاميت ألوني، ففاز بـ 12 مقعداً لينضم إلى حكومة حزب «العمل» بزعامة إسحاق رابين، وهي الحكومة التي أبرمت اتفاقيات أوسلو واتفاقية السلام مع الأردن. وبانتخاب يوسي سريد لقيادة الحزب، خسر في انتخابات عام 1996 ثلاثة مقاعد. وتعززت مكانة الحزب في انتخابات 1999، فانضم إلى حكومة «العمل»، بزعامة إيهود باراك، لتكون آخر حكومة ينضم إليها، إذ شهد الحزب بعدها تراجعاً كبيراً بصعود الأحزاب اليمينية على الساحة السياسية. فاضطر «ميرتس»، للحفاظ على وجوده، إلى الدخول في تحالفات تحفظ له مقاعد في الكنيست. إذ خاض الحزب انتخابات عام 2003 في قائمة مشتركة مع حركة «شاحر» و«الخيار الديموقراطي»، كما اتحد مع حزب «الحركة الجديدة» في أعقاب انتخابات 2009.

وفي الآونة الأخيرة، بات الحزب مهدداً بخروجه من المشهد السياسي، ففي انتخابات أيلول 2019 تحالف مع حزب «إسرائيل الديموقراطية» بزعامة إيهود باراك، ومع ستاف شافير المنشقة عن «العمل»، لتشكيل قائمة «المعسكر الديموقراطي». وفي الانتخابات الأخيرة، آذار 2020، تحالف مع حزب «إسرائيل الديموقراطية»، و«العمل» برئاسة عمير بيرتس، وحركة «غيشر».

يرأس قائمة «ميرتس» لانتخابات الكنيست 24، عضو الكنيست نيتسان هوروفيتس. وتضمّنت القائمة مرشحين ناشطين حقوقيين وأعضاء في حركات مناهضة للاحتلال مثل حركة «السلام الآن»، ولا يوجد إلا مرشح واحد من خلفية عسكرية وهو يائير غولان، نائب رئيس الأركان السابق. وقد حافظ الحزب على استقراره فوق نسبة الحسم، في وقت مبكر من الاستطلاعات التي أجريت في شهرَي كانون الأول وكانون الثاني الماضيين، مستفيداً بذلك من تراجع حزبَي «العمل» و«كاحول لافان». إلا أن حزب «العمل» استعاد مكانته فوق نسبة الحسم بعد انتخاب ميراف ميخائيلي لزعامته، وهو ما أثر بشكل كبير على «ميرتس» الذي بات يتأرجح حول نسبة الحسم، تارة يجتازها وأخرى يخفق في اجتيازها، علماً بأن نسبة الحسم هي 3.25% من أصوات الناخبين وتعادل 4 مقاعد في الكنيست.

وجد «ميرتس» أنه بدلاً من منافسة «العمل» على أصوات الناخبين اليساريين، التوجّه إلى المجتمع العربي لتجنيد أصواتهم لمصلحته. وهو ما عبّر عنه الصحافي الإسرائيلي، أمنون هراري، في مقال له بصحيفة «هآرتس» الشهر الماضي، أنه «ليتجاوز ميرتس نسبة الحسم، عليه أن يمر في شوارع كفر قاسم والطيرة وقرى المثلث». لذلك، يضع الحزب الآن كل ثقله في المجتمع العربي. فوضعَ عربيين بأماكن مضمونة على قائمة المرشحين. إذ احتلت غيداء ريناوي زعبي المركز الرابع في قائمة المرشحين، وهي ناشطة اجتماعية من مدينة الناصرة، ويليها عيساوي فريج من بلدة كفر قاسم. ويسعى الحزب في تقديم نفسه للناخب العربي بشعارات جذابة باللغة العربية. وهذه ليست المرة الأولى التي يتوجّه فيها الحزب إلى المجتمع العربي، ففي انتخابات نيسان 2019، لم يكن ليستطيع الحزب تجاوز نسبة الحسم لولا توجهه يوم الانتخابات إلى المصوتين العرب ليحصل منهم على 50 ألف صوت.

تكمن أهمية اجتياز «ميرتس» نسبة الحسم في الانتخابات بأنه قد تشكل مقاعده في الكنيست عائقاً أمام زعيم «الليكود»، بنيامين نتنياهو، في تشكيل حكومته المقبلة، وفي حال خسر فإنه سيحرق أصوات عشرات الآلاف من أصوات اليساريين، في المقابل سيمكّن اليمين بالكنيست. وقد صرّح رئيس قائمة «ميرتس» هوروفيتس، لموقع «يديعوت أحرونوت» الإلكتروني، أنه سيوصي بزعيم حزب «ييش عتيد»، يائير لبيد، رئيساً للحكومة لتكوين ائتلاف يرتكز على أحزاب «يسار الوسط» تمنع حلفاء نتنياهو من متطرفين وأرثوذكسيين من المشاركة فيها، كاشفاً عن أنه سيطلب حقيبة وزير التربية والتعليم في حال ترأس لبيد الحكومة.

وفي أعقاب قرار محكمة الجنائية الدولية فتح تحقيق بجرائم حرب إسرائيلية ارتكبت على الأراضي الفلسطينية، اعتبر هوروفيتس أن هذا القرار مبرر، وحث الحكومة على التعاون مع المحكمة بدلاً من وصفها بـ«معاداة السامية». كما صرّح في مقابلة تلفزيونية على قناة 12 العبرية بأن «نتنياهو واليمين والمستوطنين هم من يجرّون إسرائيل إلى محكمة لاهاي». وهو ما عرّضه لهجوم عنيف من الأوساط اليمينية. و«ميرتس» هو الحزب الإسرائيلي الوحيد، عدا «القائمة المشتركة»، الذي أيّد قرار المحكمة الدولية.