غزة، رام الله | يتوجّه عشرات الآلاف من عناصر حركة «حماس» في قطاع غزة إلى مراكز الاقتراع غير المعلَنة ضمن إجراءات أمنية، لاختيار مجالس الشورى التي ستفرز القيادات الدنيا، التي ستنتخب بدورها في المرحلة الثانية قيادات الحركة بشكل هرمي، وصولاً إلى رئيس مجلس الشورى العام ورئيس المكتب السياسي وأعضائه في وقت لاحق. ومن المتوقّع أن تنتهي العملية وتُعلَن القيادة المنتخبة مطلع نيسان/ أبريل المقبل، بعد استكمال الانتخابات في ساحات عمل الحركة الثلاث: غزة والضفة المحتلة والخارج. وسبق أن حسمت «حماس» قرار إجراء الانتخابات الداخلية في موعدها قبيل الانتخابات العامة التي ستنطلق مرحلتها الأولى في أيار/ مايو المقبل بانتخاب نواب «المجلس التشريعي»، ولاحقاً بعد شهرين الانتخابات الرئاسية، كما هو مقرّر.بالتوازي مع ذلك، وبعد أسابيع من بدء توافد قيادات تيار القيادي المفصول من حركة «فتح»، محمد دحلان، إلى غزة، وفق اتفاق بين التيار و«حماس»، استعداداً للانتخابات الفلسطينية العامّة، يلقي دحلان بثقله داخل القطاع حالياً بدعم إماراتي - مصري. فبعد قوافل المساعدات الطبّية الأخيرة، ومع أنه تبيّن انتهاء صلاحية غالبيتها، أعلن تيّاره إرسال عشرين ألف لقاح «سبوتنيك في» الروسي إلى الطواقم الطبّية الغزّية على أنها مقدَّمة من الإمارات، واعداً بإرسال الكمّية نفسها شهرياً، وذلك بعد موافقة مصر على إدخالها عبر معبر رفح الذي سبق أن وصل منه الأسبوع الماضي القيادي في «التيار الإصلاحي» عبد الحكيم عوض، على أن يتبعه عشرات الكوادر في التيار قبل موعد الترشُّح للانتخابات التشريعية في الثاني عشر من الشهر المقبل.
ويأتي وصول لقاحات الإمارات - دحلان بعد أيّام من وصول ألفَي لقاح من النوع نفسه، مقدَّمة من السلطة الفلسطينية عبر حاجز «إيرز - بيت حانون»، عقب مماطلة إسرائيلية في إدخالها، وهو ما يحمل رسائل انتخابية، فيما تتّهم أطراف عدّة، رام الله، بالتلاعب في توزيع اللقاحات، وتطعيم أبناء المسؤولين في السلطة، وتهريب عدد من اللقاحات إلى الأردن سرّاً مقابل إرسال «الفتات» إلى غزة (راجع عدد أمس). ولهذا، وصل وفد من أعضاء «اللجنة المركزية لفتح»، يضمّ إسماعيل جبر وصبري صيدم، إلى غزة أمس عبر «إيرز - بيت حانون»، عقب وقت قصير من وصول عضو «المركزية»، روحي فتوح، من أجل «ترتيب الأوضاع استعداداً للانتخابات»، جرّاء انقسامات تعصف بالحركة (راجع: أزمة «فتح» تتعمّق: البرغوثي متمسّك بالترشّح، في 15 شباط).
لكن استعدادات دحلان لم تتوقّف عند هذا الحدّ، بل علمت «الأخبار» أن التيار يستعدّ لتوسيع رقعة المساعدات التي يُوزّعها لتشمل عشرات آلاف الأسر، إضافة إلى مشاريع الزواج والمساعدة في الإنجاب وعلاج الحالات المرضية بعشرات ملايين الدولارات، كما يسعى لتطوير أدواته الإعلامية عبر استقطاب عدد من الإعلاميين داخل غزة وخارجها، وتطوير عدد من المواقع الإخبارية والفضائية الخاصة به. ويأمل دحلان بمساعدة الإمارات أن تترجَم هذه المساعدات كأصوات تصبّ في مصلحته في الانتخابات، وأن يصبغ تياره بالشرعية بما يؤهّله لوراثة «فتح» بعد التخلُّص من رئيسها، محمود عباس.
خصّص دحلان عشرات ملايين الدولارات لتنظيف اسمه في غزة أولاً


أمّا في الضفة، ففوجئ أكثر من ثلاثمئة ناخب، غالبيّتهم من محافظة الخليل، بتغيير أماكن اقتراعهم، من دون طلب منهم، بعد ساعات من انتهاء مدة التسجيل التي أعلنتها «لجنة الانتخابات المركزية»، وهذا يعني تلاعباً في سجل الناخبين، بل يأتي بعد يوم من تفاخر رئيس الحكومة، محمد اشتية، بأن «نسبة التسجيل عالية وغير مسبوقة مقارنة بالدول التي تعتمد سجل الناخبين بدلاً من السجل المدني». ومعظم هؤلاء جرى تحويل أماكن اقتراعهم فجأة إلى منطقة قلقس جنوب الخليل، وهي خربة صغيرة تقع قرب مقرّ الارتباط العسكري التابع للعدو الإسرائيلي وتبعد نحو 20 كلم عن مركز المدينة.
ورأت الجبهتان «الشعبية» و«الديموقراطية»، وأيضاً «حماس» و«المبادرة الوطنية»، أن «التلاعب بأماكن الاقتراع مؤشّر خطير ومخالفة واضحة لاتفاق القاهرة»، ودعت في بيانات وتصريحات منفصلة إلى «التحقيق الفوري ومعاقبة من يقفون خلف التلاعب»، وسط مخاوف من تأثير هذه الخطوة في نزاهة العملية الانتخابية. وبعد يوم من تدشين وسم «#لعبوا_في_التسجيل»، أكد رئيس «لجنة الانتخابات»، حنا ناصر، في مؤتمر أمس، أن «ما جرى جريمة لا يمكن السكوت عنها واللجنة تأخذها بجدية»، كاشفاً عن معرفة أرقام هواتف استُخدمت لتغيير بيانات الناخبين، فيما رُفعت التفاصيل إلى النائب العام للتحقيق فيها. ووفقاً لخبراء، ما سهّل التلاعب هو وجود «السجل المدني» المجاني عبر متجر «غوغل» الإلكتروني وبين أيدي الأجهزة الأمنية سواء في الضفة أو غزة، وهكذا بإمكان أيّ شخص يمتلك السجل أن يحصل على رقم الهوية والهاتف والاسم الرباعي لأي شخص، ثمّ تغيير مكان اقتراعه.
بالتوازي مع ما سبق، وصل وفد أمني فلسطيني من الضفة إلى غزة لعقد لقاء ضمن «اللجنة الأمنية المشتركة» المشكَّلة منذ مباحثات المصالحة عام 2014 لترتيب الأوضاع الأمنية المتعلّقة بالانتخابات، في وقت كشفت فيه مصادر في «حماس» رفض الحركة أيّ مقترحات تتعلّق باستثناء الشرطة الموجودة في القطاع أو استبدال أخرى بها من عناصر السلطة السابقة لحماية الانتخابات. وتزامناً مع الحديث عن مشاريع ودعم من دول عدّة لغزة قبل الانتخابات وبخاصة قطر والإمارات، برزت انتقادات إسرائيلية للمستويَين السياسي والعسكري، ما دفع وزير الأمن، بيني غانتس، إلى الحديث عن أنه لن يكون هناك تطوير للقطاع وتنمية حقيقية طويلة الأمد إلا بعد إعادة الجنود الأسرى، مؤكداً «تسخير العلاقات مع الدول العربية لحلّ قضية الجنود». وأشار غانتس إلى «استمرار الجهود لإعادة الجنديين أورون شاؤول وهدار غولدين»، مضيفاً أن «المؤسسة الأمنية والنظام السياسي بأكمله يعملون بمساعدة مصر ودول أخرى لإعادة الجنود من غزة... وتحديد موقعهم أينما كانوا».

اشترك في «الأخبار» على يوتيوب هنا