لم تمضِ ساعات قليلة على إشهار العلاقات، حتى انبرت الجماعات الموالية لأبو ظبي في جنوب اليمن إلى الترحيب بالإعلان، وإبداء الاستعداد للمضيّ في خطوة مماثلة. وردّ نائب رئيس «المجلس الانتقالي الجنوبي»، الشيخ السلفي هاني بن بريك، على تغريدة لرئيس وزراء العدو بنيامين نتنياهو ألقى فيها السلام، بالقول: «وعليكم السلام وعلينا، وحيّ على سلام تسكن فيه المنطقة ويُقطع دابر الحروب وتجّارها». وشنّ بن بريك هجوماً على القيادات الفلسطينية التي رفضت التطبيع الإماراتي - الإسرائيلي، واصفاً إيّاها بـ«القبح». وإلى أبعد من ذلك ذهب بإعلانه استعداده للسفر إلى إسرائيل حال توقيع «خطة السلام» بين أبو ظبي وتل أبيب، وذلك بدعوى «زيارة اليهود الجنوبيين والذهاب برفقتهم للصلاة في المسجد الأقصى».
وكانت صحيفة إسرائيلية تحدّثت، في مقال نُشر في 21 حزيران/ يونيو الماضي، عن مَن وصفتهم بـ«الأصدقاء السرّيين» الجدد في اليمن، في إشارة إلى «الانتقالي» الذي يسيطر على مساحات من الجنوب. وقال كاتب المقال في صحيفة «إسرائيل اليوم» أفيل شنيدر إن «دولة جديدة أُعلنت قبل بضعة أسابيع خلف أبواب مغلقة في الشرق الأوسط»، مشيراً إلى أن «المجلس الانتقالي سيطر على عدن والمحافظات الأخرى في المنطقة الجنوبية الغربية من اليمن بقيادة عيدروس الزبيدي». وذكر شنيدر بعض المؤشرات التي وصفها بـ«الإيجابية» في شأن موقف «الانتقالي» من إسرائيل، على الرغم من عدم وجود علاقة دبلوماسية رسمية معه حتى الآن. ونقل عن بن بريك تغريدات تُرحّب بالتطبيع مع إسرائيل، بدعوى أن «العرب والإسرائيليين يتّفقون على حلّ الدولتين، والدول العربية تُطبّع علاقاتها مع إسرائيل». ولفت الكاتب إلى أن العديد من الإسرائيليين تجاوبوا مع هذه الكلمات، وتمنّوا «للدولة الجديدة» أو «الحكم الذاتي» في جنوب اليمن الكثير من النجاح. كما نقل عن مصادر لم يُسمّها أن إسرائيل على اتصال بالحكومة الجديدة في جنوب اليمن من خلف الكواليس.
رحّبت قيادات «الانتقالي» بالإعلان الإماراتي وأبدت استعدادها لخطوة مماثلة
انخرطت الإمارات في الحرب على اليمن بهدف معلن هو «حماية أمنها القومي، وردع أيّ تهديد لأمن المنطقة العربية». والمقصود، هنا، التزامها استراتيجية الدفاع عن السعودية بدعوى أن التغييرات التي حصلت في اليمن في عام 2014 تهدّد أمن المملكة القومي. ورَكّزت الدعاية الإعلامية الإماراتية، في هذا الإطار، على أن إرسال قوات إلى اليمن إنما يستهدف «إعادة هذا البلد إلى حضن الوطن العربي»، و«التصدّي للأطماع الإيرانية التي تُهدّد المنظومة العربية بأكملها». كذلك، جهدت تلك الدعاية في تصوير حركة «أنصار الله» على أنها «حركة متمرّدة على الإجماع العربي، وتعمل لصالح أجندات خارجية»، في إشارة إلى الدور المحوري الذي باتت تلعبه صنعاء في إطار محور المقاومة المتصدّي للمشروع الصهيوني في المنطقة. لكن لم يطُل المطاف حتى تَكشّفت الأهداف الإماراتية، والمُتمثّلة في السيطرة على السواحل والموانئ والجزر والمضائق اليمنية التي تثير شهيّة العديد من الدول الكبرى بسبب أهميتها الاستراتيجية، لا سيّما في الصراع القائم حالياً بين الولايات المتحدة الأميركية والصين على المضائق والخطوط البحرية التجارية العالمية، حيث يُعتبر موقع اليمن الجغرافي نقطة ارتكاز وعقدة وصل محورية في هذا الصراع.
انتقل اليمن، في العام الماضي، من مرحلة التصدّي والصمود إلى مرحلة المباردة والهجوم. حينها، بدأت تظهر المخاوف الإسرائيلية من تطوّر الحرب في هذا البلد، على نحو يُشكّل تهديداً إضافياً للأمن الإسرائيلي، ليس في المنطقة والمياه الإقليمية فحسب، بل حتى للداخل الإسرائيلي. وهذا ما عَبّر عنه رئيس وزراء العدو، أثناء زيارة وفدَين أميركيَّين إلى تل أبيب خريف العام الماضي: وفد اقتصادي برئاسة وزير الخزانة ستيفن منوتشين، ووفد سياسي - أمني برئاسة مستشار الرئيس جاريد كوشنر، وعضوية الموفد الخاص لشؤون إيران السابق براين هوك. في اللقاء مع الوفدين الأميركيين، تَحدّث نتنياهو عن تهديد الصواريخ اليمنية للكيان العبري والممرّات البحرية الدولية. وكانت تلك المرّة الأولى التي يتحدّث فيها نتنياهو علناً عن استخدام الأراضي اليمنية لشنّ هجمات ضدّ إسرائيل، الأمر الذي طرح حينها أكثر من علامة استفهام حول رغبة تل أبيب في توسيع ساحات استهدافها للمحور المقابل، لتشمل الأراضي اليمنية. ومذّاك أيضاً، تبدي إسرائيل خشيتها من حلّ سياسي في اليمن لا ينهي قوة حركة «أنصار الله» في هذا البلد ومكانتها، الأمر الذي يُعدّ، من جهة تل أبيب، تهديداً لا يقلّ خطورة عن غيره من التهديدات في المنطقة.
اشترك في «الأخبار» على يوتيوب هنا