لا تفعل قراءة قرابة 181 صفحة من «صفقة القرن»، المُسمّاة «خطة السلام من أجل الازدهار»، أكثر من ترسيخ القناعة بأنها إنما جاءت لتُثبّت أمراً واقعاً خَلَقَتْه سنوات التسوية والتطبيع بين إسرائيل من جهة، والسلطة الفلسطينية ومصر والأردن من جهة أخرى. اتّكأ عرّابو الصفقة على اتفاقات «كامب ديفيد» و«أوسلو» و«وادي عربة» وملحقاتها، مع ما تضمّنته من تنازلات وفخاخ وخُدع، ليصوغوا ورقة جديدة أكثر صلافة، لم يمتنع «أبو مازن» نفسه عن وصفها بـ«الجبنة السويسرية» التي يراد إسكات الفلسطينيين بها. لكن غضب السلطة، قبيل إعلان الخطة الأميركية الموزّعة على ثلث سياسي وثلثَين اقتصاديّين وخلاله وبعده، ظلّ مقروناً باستمرار التنسيق مع الأميركيين والإسرائيليين ضدّ المقاومة في قطاع غزة والضفة الغربية المحتلة، فيما كان يُهندَس للأردن مصيرٌ هو نتيجة حتمية للدخول مع الاحتلال في شراكات أمنية واقتصادية، وقبول القيام بدور الحارس لحدوده. أمّا مصر، التي ينظر نظامها الحالي إلى كلّ شيء من منظور «الرزّ»، فقد كان نصيبها من الترتيبات الكارثية في «صفقة القرن» هو الأقلّ لاعتبارات عدّة، ولذا لا يبدو غريباً تطلّعها إلى جني استثمارات من وراء الصفقة تدعم اقتصادها، مقابل التزامات تتّصل بمسألة اللاجئين بالدرجة الأولى. هكذا، يمكن القول إن جميع المُطبّعين في العلن مهّدوا بأنفسهم الطريق لخطة الرئيس الأميركي، دونالد ترامب، الذي أدرك فريقُه لـ«السلام» أن بالإمكان استنباتَ ورقة استسلام من اتفاقات قيّدت العرب ولم تعد بالنفع إلا على إسرائيل.