عمّان | لاءات ثلاث أطلقها الملك الأردني، عبد الله الثاني، قبيل إعلان «صفقة القرن» الأميركية رسمياً: لا للمسّ بالقدس، لا للوطن البديل، لا للتوطين. منذ ذلك الوقت، وتحديداً عقب اعتراف الرئيس الأميركي دونالد ترامب بالقدس «عاصمة لإسرائيل» أواخر العام 2017، عملت الدبلوماسية الأردنية على ترسيخ تلك اللاءات، توازياً مع تأكيدها التمسّك بـ«حلّ الدولتين»، و«إقامة دولة فلسطينية على حدود الرابع من حزيران 1967 عاصمتها القدس الشرقية». لكن هذه الشعارات المكرّرة لم تمنع مقاربة «صفقة القرن» من موقع الأردن لا من موقع القضية الفلسطينية ومستقبلها، الأمر الذي لا يزال مستمرّاً منذ الخلاف الأكبر مع الرئيس الفلسطيني الراحل، ياسر عرفات. طيلة ثلاث سنوات، وعلى لسان رجالات الدولة، تردّد الرفض لأيّ حلول تصفوية على حساب المملكة، ولا سيما لناحية المسّ بالميزان الديمغرافي الحساس داخلياً، بل رُبط قبول أيّ حلّ يرضاه الفلسطينيون بما يتقاطع مع المصالح الداخلية و«السيادية». هكذا، ضاق هامش المناورة لدى عمّان في مواجهة الضغوط الأميركية المباشرة وغير المباشرة، وهو ما يُعزى أيضاً إلى القيد الأكبر، المتمثل في «اتفاقية وادي عربة»، والذي وضع الدولة الأردنية في مسار تطبيعيّ لا عودة منه إلا بنسفه من أساسه، خاصة أن بنود الخطة الأميركية جاءت متناسقة مع مدخلاته.كان لافتاً، مثلاً، في قضية القدس المحتلة، التي تمثّل المركز بالنسبة إلى المملكة، أن خطة ترامب لم تورد سوى إشارة عابرة إلى الدور الأردني في المدينة، فيما كان التعاطي مع قضية اللاجئين وكأنها قضية حقوقية إنسانية بعزلها عن واقعها السياسي، واعتبار أن مَن حصل على جنسية من اللاجئين انتهت مشكلته، في ما يعني محاولة لإقرار واقع التوطين والوطن البديل. كذلك، طُرح الأمن والاقتصاد ضمن جملة ملفات عالقة، صار حلّها مرهوناً بقبول الصفقة وتطبيقها بحذافيرها، الأمر الذي يعني تقويضاً للجبهة الداخلية وتراجعاً للقرار السيادي الأردني.

اللاجئون
لم يأتِ الثناء الأميركي في «صفقة القرن» على الدور الأردني في ملف اللاجئين من فراغ؛ إذ إن الأردن هو الدولة الوحيدة التي منحت الفلسطينيين جنسيات وأرقاماً وطنية. وسواءً سُمّي الأمر تجنيساً أو توطيناً، ترى الإدارة الأميركية أن هؤلاء الفلسطينيين (يتخطّى عددهم مليونين ونصف مليون نسمة)، مِمَّن يحملون صفة لاجئ وفق تعريف «الأونروا» أو لا، صاروا بالفعل مواطنين أردنيين في دولة توفّر لهم الحقوق السياسية والتمثيل النيابي. ولذا، تستبعد الصفقة عودة اللاجئين الذين استقرّوا في مكان دائم. ومع أنها لم تحدّد هذا المكان، إلا أن الفلسطينيين في المملكة (لاجئين أو نازحين) يبدون هم المعنيّين بالأمر، باستثناء أبناء قطاع غزة الذين سيكون حلّ موضوعهم وفق النقطة 2، أي «الاندماج المحلي في البلدان المضيفة»، أو النقطة 3، أي «التوطين في إحدى الدول الأعضاء في منظمة التعاون الإسلامي».
مع ذلك، لم تأتِ الصفقة بجديد عملياً، بل هي تتناسق مع الفقرة ج من المادة 8 في «وادي عربة»، والتي تُعدّ توثيقاً رسمياً للتوطين. تتحدّث تلك الفقرة صراحة عن توطين اللاجئين والنازحين في المملكة عبر «تطبيق برامج الأمم المتحدة وغيرها من البرامج الاقتصادية المتعلقة باللاجئين». لكن الجديد أن الخطّة خصّت الأردن بفوائد اقتصادية لدوره في موضوع اللاجئين - الذين يبلغ العدد المسجّل منهم في المملكة وفق «وكالة الغوث» 2.206.736 - إذ تفترض أنه ستكون لعمّان حصة كبيرة من الأموال التي ستُجمع في صندوق خاص لاستخدامها في «المشاريع التنموية للفلسطينيين»، خصوصاً أنه يراد من المملكة أن تعمل «كمرشد وميسر» للدولة المقترحة التي لا تملك مساحة كافية تُمكّنها من أنشطتها التجارية والصناعية، من دون مساعدة الإسرائيليين أو الأردنيين.

القدس
في القضية الثانية الأكثر حساسيةً للأردن، أي القدس، يتبيّن أن الإدارة الأميركية لم تستخدم مصطلح «الوصاية الهاشمية»، بل اكتفت بالقول إن الوضع في الحرم القدسي سيظلّ كما هو. وهذه ليست الوثيقة الأولى التي تفرّغ الدور الأردني في «الوصاية» من مضمونه، الأمر الذي لا يبدو مستغرباً، بالنظر إلى أن الدولة الأردنية هي التي وقّعت بنفسها اتفاقية «وادي عربة»، التي جاء في الفقرة الأولى من مادّتها التاسعة (الأماكن ذات الأهمية التاريخية والدينية) أنه «سيمنح كلّ طرف الآخر حرية الدخول إلى الأماكن ذات الأهمية الدينية والتاريخية»، وفي الفقرة 2 أنه «بما يتماشى مع إعلان واشنطن، تحترم إسرائيل الدور الحالي الخاص للمملكة الأردنية الهاشمية في الأماكن الإسلامية المقدسة في القدس، وعند انعقاد مفاوضات الوضع النهائي، ستولي إسرائيل أولوية كبرى للدور الأردني التاريخي في هذه الأماكن»، وهو دور باتت الإدارة الأميركية ترى أنه لا يستحقّ الاحترام. كذلك، ورد في الفقرة الثالثة من «وادي عربة» أنه «سيقوم الطرفان بالعمل معاً لتعزيز حوار الأديان بين الأديان التوحيدية الثلاثة بهدف العمل باتجاه تفاهم ديني والتزام أخلاقي وحرية العبادة والتسامح والسلام»، وهذا بالضبط ما جاء في التفاصيل المتصلة بالأماكن الدينية في القدس في «صفقة القرن»، حيث يدور الحديث عن دور أردني «تنسيقي» في مجال السياحة الدينية، في إطار لجنة قابلة لزيادة أعضائها في المستقبل، فضلاً عن تغيّر مهمّاتهم.
أما سكان المدينة من حَمَلة جواز السفر الأردني، أو حَمَلة الأرقام الوطنية، فهؤلاء طُرحت في شأنهم ثلاثة حلول: إمّا أن يصيروا مواطنين في إسرائيل، وإمّا في الدولة الفلسطينية المقترحة، وإمّا أن يحتفظوا بوضعهم كمقيمين دائمين في إسرائيل (الهوية الخاصة بأهل القدس)، من دون توضيح إذا ما كانوا في هذه الحالة سيبقون حاملين للجواز الأردني. في الخلاصة، بإمكان المملكة أن تزيح عن كاهلها عبء تحمّل المسؤولية تجاه وضعهم القانوني تدريجياً.

أساسيات «الدولة» الفلسطينية
المسألة الإشكالية الثالثة هي فكرة «الوطن البديل» وما يرتبط بها من مقترحات، مثل «الكونفدرالية» التي علا الصراخ الأردني رفضاً لها منذ بداية الحديث عن «صفقة القرن». تستبعد الصفقة، الفكرة المذكورة، لكنها تريد أن يكون للمملكة دور مميز في مساعدة الدولة الفلسطينية المقترحة على «تحقيق الحكم الرشيد، انطلاقاً من القرب الإقليمي والترابط الثقافي والعلاقات الأسرية»، وأن يكون لها «دور طويل الأجل على أرض الواقع في تصميم المؤسسات والإجراءات ذات الصلة، وتدريب الموظفين المعنيّين من أجل بناء مؤسسات فلسطينية قوية ومحكومة جيداً»، مع ما يعنيه الأمر من عملية توريط في إدارة هذه الدويلة التي يوضع لها نموذج حكم غريب.
وكان سرى حديث عن نية الملك عبد الله إلغاء قرار «فك الارتباط»، أي عملياً تحقّق هاجس الفلسطينيين والأردنيين الوطنيين أيضاً، المتمثل في عودة السيطرة الأردنية على الضفة المحتلة (الغربية)، لكن تَبيّن لاحقاً أن الأمر مجرد إشاعات، خصوصاً أن القرار كان سيعني إسقاط حق العودة، وتكريس فكرة «الوطن البديل»، واضمحلال فرصة إقامة دولة فلسطينية بأيّ صورة.

الأمن
يتمحور الملف الأمني حول أهداف أساسية هي «تكامل الجهود لمكافحة الإرهاب، وأمن الحدود، وحماية الحكومات والشخصيات الأجنبية»، وأخيراً «الاستجابة للكوارث». في الموضوع الأول، كان لافتاً حديث السفير الأردني لدى تل أبيب، غسان المجالي، عن الأمر قبل ثلاثة أسابيع من إعلان الصفقة. لكن الأهمّ أنه بموجب الأخيرة، يفترض أن تفتح تل أبيب نقاشاً مع عمّان لمعرفة إلى أي مدى يمكن للمملكة مساعدة «إسرائيل وفلسطين» في قضايا الأمن، علماً بأن الأردن أسهم في تدريب قوات السلطة سابقاً.
ووفق الرؤية الأميركية، جاءت المعايير الأمنية والبروتوكولات التي ستعمل بها «الدولة» الفلسطينية المقترحة مساوية للمعايير المتبعة في الأردن أو مصر، أو أكثر صرامة، علماً بأن عمّان والقاهرة حسمتا الموضوع الأمني مع إسرائيل منذ عقود، عبر بنود اتفاقات «وادي عربة» و«كامب ديفيد». كما يأتي مقترح تشكيل لجنة أمنية إقليمية (الولايات المتحدة، إسرائيل، فلسطين المقترحة، الأردن، مصر، السعودية، الإمارات) متوافقاً مع ما أعلنه بصورة منفصلة عادل الجبير، خلال توليه حقيبة الخارجية السعودية، في نهاية 2018، عندما تحدّث عن «الناتو العربي المشترك» الذي يجمع الدول المطلّة على البحر الأحمر وخليج عدن.

المعابر
يتّصل بند المعابر بصورة وثيقة بالبند السابق، بل هو مكمّل له. هنا، سيكون الدور الأردني، كما المصري، مراقبة الأفراد والبضائع التي تتدفّق إلى «الدولة» الفلسطينية المفترضة، إلى جانب «مراقبة حثيثة من الإسرائيليين». دورٌ يمكن القول إنه مُطبَّق حالياً بشكل يومي، في ظلّ الإجراءات المتخذة من الجانب الأردني لمراقبة الحدود، ضمن التنسيق الثنائي بين تل أبيب وعمّان، بل إن الحدود البرّية بين الجانبين، والتي تصل إلى نحو 400 كلم، هي الأكثر هدوءاً حالياً، مقارنة بدول الطوق.
وخاضت المملكة تجربة التنسيق مع الفلسطينيين في موضوع المعابر بعد توقيع «أوسلو» و«وادي عربة»؛ إذ كان أفراد السلطة يتولّون التدقيق في الأوراق الثبوتية على المعابر، بإشراف إسرائيلي من غرف خلفية ذات زجاج عاكس، ولدى الأردن منظومته الأمنية الخاصة وبروتوكولاته التي يعمل بها منذ توقيع اتفاق التسوية، ولذلك فإن أيّ ترتيب مستقبلي - في حال تحققه - سيكون إجرائياً ولن يمسّ المنظومة المتّبعة ككلّ، بغضّ النظر عن تغييرات شكلية، مثل طلب أن يلبس الإسرائيليون الزيّ المدني على المعابر.

المرافئ والموانئ
تطرح الخطة الأميركية استخدام ميناءَي حيفا وأسدود كمنفذ بحري لـ«الدولة» الفلسطينية، لكنها تقيّد هذا الاستخدام بشروط وتدابير أمنية معقدة. ولذا، فهي تتحدث عن بديل متمثل في استعمال ميناء العقبة الأردني، وكأنها بذلك ترمي الكرة في ملعب العلاقات الأردنية - الفلسطينية. وفي هذا الإطار، تفترض الصفقة عقد اتفاقية ثنائية هي أشبه بعقد استئجار، يدفع الفلسطينيون بموجبه حصّتهم لصيانة المنشآت المشتركة وإصلاحها، فيما سيكون الدور الأردني أمنياً وإشرافياً.
نموذج يبدو شبيهاً بالاتفاق القائم بين الأردن وإسرائيل لتنظيم الملاحة البحرية (خصوصاً إذا كان النقل عبر سفن إسرائيلية) من جهة، وعمليات البحث والإنقاذ من جهة أخرى، كما في ملحقَي 5 و6 من «وادي عربة». والجدير ذكره أن العقبة تعدّ، بموجب الصفقة، منطقة اقتصادية خاصة، ويجري الترويج لها كبقعة استثمارية بقوانين خاصة من أجل تشجيع الاستثمار وجذب رؤوس الأموال والمشاريع، كما أنها ستكون - وفق ما تفترض الخطة - نقطة تشبيك مع الدول الخليجية.

الشق الاقتصادي
ترصد «صفقة القرن» للأردن 7.365 مليارات دولار من إجمالي 50.670 ملياراً هي قيمة المساعدات الاقتصادية المتضمَّنة في الصفقة، أي ما نسبته 14.4%. وتتوزع حصّة المملكة على عشر سنوات، 1.703 مليار منها ستُقدَّم كمنح، و2.9 مليار كقروض، و2.763 مليار كمساهمات للقطاع الخاص. أرقام غير مغرية، يُطلَب من عمّان في مقابلها أن تلعب دوراً في مساعدة «الدولة» الفلسطينية المفترضة، التي يدور الحديث عن اندماجها في اقتصادات الدولة المجاورة عبر الاستثمارات في قطاعَي النقل والبنية التحتية. ويلاحظ أن اللغة الاقتصادية المستعملة في القسم الاقتصادي من الصفقة (حجمه أكبر من السياسي) تتمحور حول مفردات: التمكين والتعزيز للمؤسسات الصغيرة، وريادة الأعمال، والابتكار، والاقتصاد الرقمي، وكلّها ليست غريبة عن السوق الأردني، بل هي منظومة مفاهيم حاضرة فيه بقوة، وقد تجلّت أخيراً في تغيير اسم وزارة الاتصالات وتكنولوجيا المعلومات إلى وزارة الاقتصاد الرقمي والريادة في أيار/ مايو 2019.
مع السيطرة الإسرائيلية على غور الأردن لن تكون هناك حدود أردنية ــ فلسطينية مباشرة


أما الاستثمارات التي تريد الإدارة الأميركية تقديمها من «صندوق المنح»، فهي على غرار الخطط التسويقية ومسودات مشاريع التمويل في منظمات المجتمع المدني، وتدور حول: الاستثمار الإقليمي، وخدمات عابرة للحدود، والسياحة الإقليمية. كما تهدف «البرامج الاقتصادية المطروحة إلى دعم الخطوات الرامية إلى تحسين التعاون الفلسطيني مع الأردن ومصر وإسرائيل بهدف الحدّ من المعوقات التشريعية التي تواجه حركة البضائع الفلسطينية والشعب الفلسطيني، وخلق بنية تحتية وبيئة عمل للفلسطينيين تساعدهم على الاندماج إقليمياً، واستحداث فرص عمل لمؤسسات الأعمال الفلسطينية وتعزيز التجارة»، أي إن العمق الاستراتيجي للاقتصاد الفلسطيني المقترح هو دول الجوار بكلّ ما تعنيه الكلمة.

منطقة التجارة الحرة
تتحدّث «صفقة القرن» عن إنشاء منطقة تجارة حرة بين «الدولة» الفلسطينية والأردن، على ألّا يؤثر موقع هذه المنطقة وحجمها في الأراضي المستخدمة حالياً، وألّا يخلا بالأمن، ما يعني بعبارات أوضح أن تقام غالبيتها في الأراضي الأردنية، ولا سيما أنه مع السيطرة الإسرائيلية على غور الأردن، كما تدعو إليه الصفقة، لن تكون هناك حدود أردنية - فلسطينية مباشرة. وما يعزّز التفسير المتقدّم هو طرح الخطة إقامة مطار في الأراضي الأردنية لتصدير البضائع، يبدو أن المقصود به غالباً مطار جنوب الشونة الشمالية في منطقة الأغوار.
تتقاطع هذه النقطة مع طرح ياباني يعود إلى عام 2006، وتجدّد الحديث عنه في لقاء رباعي (فلسطيني، إسرائيلي، ياباني، أردني) في البحر الميت في نيسان/ أبريل 2018 لمبادرة «ممر السلام والازدهار»، فحواه «دعم دولة فلسطينية قابلة للحياة»، عبر إقامة مجمع صناعي زراعي في مدينة أريحا في الضفة، ومطار تجاري لشحن المنتجات الصناعية والزراعية الفلسطينية إلى الخارج عبر الجو بعيداً عن تعقيدات الحدود وإجراءاتها. كذلك، يتناسق البند المذكور مع ما جاء في بنود وملاحق «وادي عربة» الخاصة بتوضيح العلاقة التجارية الأردنية مع السلطة الفلسطينية، إذ خُصّص ملحق 7/أ للحديث عن «نقل البضائع بين الأردن والمناطق التي تقع ضمن اختصاص السلطة الفلسطينية»، والملحق 7/ب لـ«مرور الحافلات الأردنية والفلسطينية عبر جسر الملك حسين/ اللنبي بين الأردن والضفة الغربية والمناطق التي تقع ضمن اختصاص السلطة».

منتجع البحر الميت
هو مشروع مخصّص للفلسطينيين في شمال البحر الميت، ويُفترض أن يجري الترتيب له وفق عمليات نقل خاصة، لا تمسّ الترتيبات الثنائية بين عمّان وتل أبيب، ومن بينها تلك الملحقة بالمادة 20 من «وادي عربة»، والمتعلقة بتنمية «أخدود» وادي الأردن. ويعتبر البحر الميت من ضمن الحدود الطبيعية المشتركة بين الأردن والأرض المحتلة، وهو يخضع لرقابة عسكرية مشددة في ظلّ نشاط سياحي أجنبي كبير على ضفّتَيه، ووجود منشآت صناعية لاستخراج الأملاح والبوتاس منه من الجهة الغربية، وكذلك الجهة الشرقية التي يحميها الجيش الأردني.

العلاقات العربية - الإسرائيلية
تنظر الإدارة الأميركية إلى الأردن كممرّ يربط إسرائيل بباقي دول المنطقة العربية شرقاً، وتأتي هذه الرؤية ذات البعد الاقتصادي بما يتناسب مع «سهولة تدفق البضائع من أوروبا إلى الخليج الفارسي» وبالعكس، إضافة إلى «فتح طريق مباشر وقصير للسياح في الاتجاه نفسه»، مع ما يعنيه ذلك من إغراءات بتحسين القطاعين السياحي والاقتصادي في كلّ من المملكة ومصر و«الدولة» الفلسطينية المفترضة. وهذا كلّه أصلاً استكمال للعلاقات القائمة بين عمّان وتل أبيب في مجال السياحة، والمنصوص عليها في المادة 17 من «وادي عربة».

منظمة OSCME
إضافة إلى الأحلاف المقترحة في بند الأمن، يأتي طرح تشكيل «منظمة الأمن والتعاون في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا» (OSCME) في إطار محاولات إنشاء جبهة عريضة لمحاربة إيران، تضمّ الأردن ومصر إلى جانب إسرائيل، مع إمكانية انضمام دول أخرى «في ضوء الاهتمامات المشتركة لتل أبيب ودول مجلس التعاون الخليجي للحيلولة دون وقوع نزاعات، وإدارة الأزمات».



حرّاس «الجبهة الشرقية»
تمثّل الحدود الشرقية لفلسطين المحتلة، وخصوصاً منها القطاع الحيوي والأعرض المتمثل في منطقة الأغوار، هاجساً إسرائيلياً وأميركياً دائماً، لناحية إمكانية استغلال «جهات أخرى» هذه الحدود، من أجل مهاجمة الكيان. ومن هنا، جاء اقتراح ضمّ الأغوار الذي تراه تل أبيب وواشنطن إجراءً وقائياً، وإن غير كافٍ، في ظلّ ضيق الوقت والمساحة اللازمين للتصدّي للتهديدات السريعة. وليس هذا الاقتراح وليد الفراغ؛ إذ إنه بالاستناد إلى المضامين الأمنية في الفقرة 5/أ من المادة 4 من معاهدة «وادي عربة»، يقبل الأردن، بصفته طرفاً موقّعاً، «اتخاذ إجراءات ضرورية وفعالة لمنع أعمال الإرهاب والتخريب والعنف من أن تُشنّ من أراضيه أو من خلال أراضيه، وذلك باتخاذ إجراءات ضرورية وفعالة لمكافحة النشاطات الإرهابية ومرتكبيها»، ما يعني أنه يتعاون مع العدو الإسرائيلي بوصفه حارساً لـ«الجبهة الشرقية»، ومستعدّاً لصدّ أيّ هجوم عليها. ووفق الفقرة 6 من المادة نفسها في المعاهدة، «تُعالَج أيّ مسألة أمنية ضمن آلية للتشاور تضمّ آليات ارتباط وتحقق وإشراف». بذلك، يمكن القول إن «وادي عربة»، قبل «صفقة القرن»، ضعّفت موقف الأردن في ما يتصل بالأغوار، والآن تأتي هذه الصفقة لا لتُقدّم حلولاً منطقية بالحدّ الأدنى، كوجود «قوات دولية»، بل لتخوّل إسرائيل وضع يدها على المنطقة.