ما أشعل الموقف تحديداً هو ارتقاء عدد من الشهداء أمس وأول من أمس؛ ففي اشتباكات اندلعت عقب اقتحام جنود العدو حيّ البساتين في جنين، استشهد طارق بدوان (25 عاماً) ويزن منذر أبو طبيخ (19 عاماً) خلال تصدّيهما لهدم منزل الأسير أحمد القمبع، وذلك بعد ساعات قليلة على استشهاد محمد الحداد (17 عاماً) في الخليل، الذي أطلق جنود الاحتلال النار عليه خلال اشتباكات وقعت عند مدخل شارع الشهداء أو ما يُعرف بنقطة باب الزاوية. وارتقى في القدس شهيد آخر من مدينة حيفا المحتلة، بعدما أطلق النار من مسدس على عناصر «حرس الحدود» قرب باب الأسباط داخل البلدة القديمة في القدس. وقبل أن تُعرف هوية الشهيد، عمدت سلطات الاحتلال إلى تقديم روايتها عنه بالقول إنه «مسيحيّ غيّر دينه إلى الإسلام أخيراً، وهو معروف للشرطة الإسرائيلية نظراً إلى شبهات في ارتكابه جرائم جنائية». روايةٌ يبدو واضحاً استهدافها إبعاد فلسطينيّي الداخل عن مشهد العمليات بأيّ طريقة، حتى ولو بتشويه صورة الشهيد ونسج قصص مختلقة حوله. وليست بعيدة عن ذلك، الرواية التي سبق أن قدمها الاحتلال حول الشهيد نشأت ملحم، ابن مدينة عارة في المثلث، الذي نفذ عملية إطلاق نار في تل أبيب في الأول من كانون الثاني/ يناير 2016. آنذاك، صوّرته سلطات العدو «جهادياً دولياً مؤيّداً لتنظيم القاعدة» تارة، و«مجنوناً» تارة أخرى، و«سكّيراً وعربيداً» تارة ثالثة، في إطار محاولتها لجم تداعيات العملية وانعكاساتها على فلسطينيي الـ48 تحديداً.
لم يقوَ متخرّجو «لواء النخبة» على إطلاق رصاصة واحدة على منفّذ عملية القدس
وأفيد في وقت لاحق بأن من بين الجنود الـ14 المصابين في القدس اثنين في حال الخطر. وهؤلاء كان فاجأهم المقاوم من خلفهم وهم متّجهون إلى محطة المواصلات المركزية بعدما أدّوا قسم اليمين لإنهائهم رسمياً دورة الخدمة في «غولاني». اللافت أن الشاب تمكّن من دهسهم ذهاباً وإياباً من دون أن يطلق أيّ جندي النار عليه. وورد في بيان جيش العدو أنه «عُثر على السيارة التي استُخدمت في الدهس داخل بلدة بيت جالا قرب بيت لحم، وأن منفذ العملية معروفٌ لدى أجهزة الأمن». وفي أعقاب العملية، فتح الجيش تحقيقاً للوقوف على أسباب عدم إطلاق جنوده النار، ولا سيما أنهم من لواء «مُميّز»، وجُنّدوا في تشرين الثاني/ نوفمبر الماضي. ووفق نتائج التحقيقات الأولية، فإن «الجنود لم يردّوا على منفّذ إطلاق النار، لأنهم لم يكونوا معتادين هذا النوع من السيناريوات في إسرائيل»!
أما الجندي الذي أصيب خلال عملية رام الله (إطلاق نار) ظهراً، فوُصفت جروحه بالطفيفة، علماً بأن العملية نُفّذت قرب موقع عسكري. وبحسب ما ذكر موقع «واينت»، فقد تعرّض الجنود «لإطلاق نار بالقرب من موقع بين قريتَي خربثا بني حارث، ورأس كركر شمال غرب رام الله». وعلى إثر ذلك، استنفر العدو في مستوطنتَي «دولف» و«طلمون» غربي المدينة، مجرياً عمليات بحث مكثفة عن مطلق النار الذي انسحب من المكان أيضاً. وفي أعقاب تلك التطورات، اندلعت مواجهات في بلدة بيت جالا في بيت لحم جنوب الضفة المحتلة، أدت إلى إصابة قرابة 79 فلسطينياً بجروح وحالات اختناق. كذلك اندلعت اشتباكات في بلدة عزون في قلقيلية شمال الضفة في خلال تشييع جثمان الشهيد بدوان، تسبّبت في سقوط 11 جريحاً بحسب «جمعية الهلال الأحمر الفلسطينية». في غضون ذلك، أعلن الجيش الإسرائيلي رفع حالة التأهب و«تعزيز فرقة الضفة بقوات إضافية من المحاربين». وفيما ذكرت وسائل إعلام إسرائيلية أن رئيس الحكومة، بنيامين نتنياهو، ألغى مؤتمراً كان من المقرر أن يعقده الرابعة بعد العصر، وهو يجري «تقييماً أمنياً للوضع»، سارع وزير الأمن، نفتالي بينِت، إلى عقد جلسة مشاورات مع القادة والمسؤولين في «الكرياه» فور وصوله إلى تل أبيب قادماً من واشنطن.
في المقابل، رأت «حركة المقاومة الإسلامية» (حماس) أن «الثورة المشتعلة في مدن الضفة والقدس هي تطبيق لقرار الشعب طرد الاحتلال من الضفة وتحريرها من المستوطنين»، مؤكدة في بيان أمس أنه «لا يمكن لقوة في الأرض أن تقف في وجه ثورة شعبنا المقاتل وإرادته الصلبة، وأن قراره بانتزاع حريته لا رجعة عنه». من جهتها، اعتبرت حركة «الجهاد الإسلامي» أن «العمليات الفدائية... تدفن مؤامرة صفقة القرن»، مضيفة أن «ما يحدث من ملاحقة لجنود العدو في جنين، والانتقام منهم في القدس، والشهداء الذين يرتقون في كلّ محطات الوطن سيدفن المؤامرة في جبال الضفة ووديانها... كما ستدفنها غزة وسيدفنها أهالي أراضي الـ48 والشتات».
إلى ذلك، تواصل إطلاق البالونات المتفجرة من قطاع غزة. وأفاد الإعلام العبري بسماع دويّ انفجارات قوية في مستوطنة «سديروت» ناجمة عن انفجار بعض البالونات، في وقت ذكر فيه «راديو الجنوب» أن بينِت ورئيس الأركان أفيف كوخافي، وكلّ قيادات الأجهزة الأمنية، «يوافقون على شنّ حملة عسكرية واسعة ضدّ غزة، (لكن) لا يمكن الحديث عن تفاصيلها الآن، علماً بأنها ستكون في الوقت المناسب».