غزة | لم يعنِ كثيراً لإسرائيل الهدوءُ الذي طالب به «الموفد» القطري إلى غزة قبل يومين، فاتخذته ستاراً لتنفيذ عملية داخل القطاع بحق أحد قادة المقاومة. عملية تحوّلت إلى «حدث أمني خطير»، بعدما استطاع المقاومون حصار سيارة الوحدة الإسرائيلية الخاصة خلال فرارها، ما دفع العدو إلى التدخّل بالقصف المكثف لإنقاذ الجنود، الأمر الذي أوقع شهداء وجرحى. مباشرة، عمدت المقاومة إلى قصف «غلاف غزة»، في ردّ استدعى رفع درجة التأهب إسرائيلياً وقطع بنيامين نتنياهو سفره إلى باريس. كذلك أعلنت المقاومة «النفير العام»، علماً يأنها لم تفكّ استنفارها القائم منذ شهور، رغم الطمأنة المصرية والأممية المتواصلة.باءت محاولة العدو الإسرائيلي تحقيق «إنجاز صامت» (لا يؤدي إلى تصعيد) باختطاف قيادي كبير في «كتائب القسام»، الجناح العسكري لحركة «حماس»، بطريقة احترافية، بإخفاق جديد وكبير بعد اكتشاف المقاومة القوة المتسللة والاشتباك معها. تقول مصادر أمنية لـ«الأخبار» إن قوة خاصة دخلت متخفية واستخدمت سيارة وفّرها لهم أحد العملاء، شرق خانيونس جنوبي قطاع غزة، بهدف اختطاف المسؤول عن شبكة الأنفاق شرق خانيونس، لكنها لم تنجح في خطفه أو قتله، بل اندلع اشتباك استشهد إثره عدد من عناصر «القسام»، من بينهم المسؤول العسكري في المنطقة نور بركة. جراء ذلك، انسحبت القوة الإسرائيلية وسط كثافة نيران وفّرها سلاح الطيران الذي قصف المناطق الشرقية لخانيونس والطرق المؤدية إليها بعشرات الغارات، ما أدى إلى قطع الطرق بصورة شبه كاملة.
رواية «الكتائب»، التي جاءت سريعة، قالت إن «قوة خاصة تابعة للعدو الصهيوني تسللت... في منطقة مسجد الشهيد إسماعيل أبو شنب بعمق 3 كلم شرقي خانيونس»، واغتالت القائد بركة، مضيفة: «بعد اكتشاف أمرها وقيام مجاهدينا بمطاردتها والتعامل معها، تدخّلت الطائرات الحربية للعدو، وقام بعمليات قصفٍ للتغطية». بعد ذلك، أعلنت مصادر طبية فلسطينية استشهاد 6 وإصابة 7 آخرين بجراح مختلفة. وقد استشهد مع بركة (37 عاماً) محمد القرا (23 عاماً)، كما استشهد خلال القصف خالد قويدر (29 عاماً) ومصطفى أبو عودة (21 عاماً) ومحمود عطا الله مصبح (25 عاماً) وعلاء فسيفس (24 عاماً).
ارتقى في مجمل العملية 6 شهداء وأُصيب مقاومون آخرون


وبينما أعلنت «القسام»، والذراع العسكرية لحركة «الجهاد الإسلامي»، «سرايا القدس»، «النفير العام»، فرضت الأجهزة الأمنية في غزة إجراءاتٍ مُكثفة في جميع مناطق القطاع، داعية المواطنين ووسائل الإعلام إلى عدم تداول أي روايات أو معلومات متعلقة بالحادث، والاعتماد على ما يصدر عن الجهات الرسمية فقط، ولا سيما مع تضارب الأنباء حول قتل أو أسر جنود إسرائيليين. وبعد وقت قصير من العملية، أطلقت المقاومة رشقات من الصواريخ وقذائف الهاون صوب المستوطنات المحيطة بالقطاع. وقالت وسائل إعلام إسرائيلية إن «القبة الحديدية» اعترضت عدداً من الصواريخ، في حين سقطت أخرى في مناطق مفتوحة من «غلاف غزة»، كما أفادت سماع دوي صفارات الإنذار في المستوطنات على نحو متكرر منذ وقوع الحدث، ثم ذكرت القناة «الـ14» العبرية أنه تقرر إلغاء الدراسة في «غلاف غزة» اليوم.
على الجانب السياسي، أجرى رئيس حكومة العدو بنيامين نتنياهو، ووزير الأمن أفيغدور ليبرمان، مشاورات عاجلة مع قادة الجيش بشأن الوضع في غزة. لكن نتنياهو، الذي قطع زيارته للعاصمة الفرنسية باريس لمتابعة المستجدات، أصدر تعليماته إلى «المجلس الوزاري المصغر» (الكابينت) بعدم التصريح لوسائل الإعلام. وفي محاولة للتنصل من الفشل في اختطاف القيادي في «القسام» أو اغتياله، قال المحلل العسكري لصحيفة «معاريف»، تال ليف رام، إنه لم توجد نية للقوة الخاصة بقتل أو خطف القيادي في القسام، مضيفاً: «الجيش يجري عمليات استخبارية كبيرة وكثيرة في غزة، ولم يحدث مثل هذا الحدث... يبدو أنه تم كشف القوة وجرى تبادل لإطلاق النار»، ملمّحاً إلى أنه لا يعتقد أن القيادة السياسية التي تسعى إلى تهدئة يمكن أن توافق على خطة لخطف أو اغتيال أي من «حماس».
الأمر نفسه ذهب إليه المحلل في صحيفة «يديعوت أحرونوت» يوسي يهوشع، قائلاً إن من غير المرجّح أن يوافق نتنياهو على عملية اغتيال أو اختطاف مسؤول كبير في هذا الوقت، مضيفاً: «هو يريد الهدوء... طوال الوقت يكون هناك عمليات استخبارية ناجحة في غزة، ولكن لا يعني ذلك قتل أو اختطاف أي قيادي». واللافت تزامن ذلك مع نقل التلفزيون الإسرائيلي الرسمي (كان) مساء أمس أن «الكابينت» صدّق على المرحلة التالية من تطبيق تفاهمات التهدئة في غزة بوساطة مصرية وأممية، وتتضمن الدخول في مفاوضات لإتمام صفقة أسرى، مقابل بدء إجراءات إعادة إعمار القطاع المحاصر، إضافة إلى تحويل محطة الكهرباء في غزة للعمل بالغاز الطبيعي، وإدخال حاويات إلى القطاع تحتوي على معدات من أجل استكمال بناء منشأة لتحلية المياه.