تستغل إسرائيل أي فرصة تتاح لها لتغيير صورتها لدى الجمهور العربي. يأتي ذلك بعد نجاحها في التطبيع مع عدد كبير من الأنظمة العربية «المعتدلة» التي لم تعد تخفي تماهيها، بل وتحالفها، مع العدو.
ضمن سياسة استغلال الفرص للدخول إلى العقل العربي بهدف التطبيع وتغيير الصورة النمطية للمحتل، تجهد إسرائيل لأجل ذلك، بما يعقل ولا يعقل، حتى وإن كان التقدير لديها أن تحقيق النتيجة لن يكون كاملاً، بل سيكون مقلصاً جداً. من جهة تل أبيب، أيضاً النتيجة الجزئية تقاس على ما سبق على وضع العدو، عندما كانت الأنظمة العربية تحتفظ بجزء من كرامتها.
إحدى الدوائر المختصة التي تعنى بتنفيذ استراتيجية تحسين صورة المحتل، هي قسم الدبلوماسية الرقمية باللغة العربية التابع لوزارة الخارجية الإسرائيلية، الذي يرأسه يوناتان جونين ويعاونه طاقم مختص من الموظفين. جونين وطاقمه ينشطون على مواقع التواصل الاجتماعي بهدف الاحتكاك والتواصل بالمتصفّحين والمغرّدين العرب، في محاولة منه ومن طاقمه لتقديم صورة مغايرة عن إسرائيل، باعتبارها الدولة المسالمة والمتسامحة والحضارية، والأكثر اهتماماً بالشارع العربي وهمومه، مع العمل على إبعاد المتصفّحين عن الصورة الحقيقية للاحتلال.
قبل أيام، وضمن مهمة تحسين صورة إسرائيل وتظهيرها ككيان يهتم بـ«جيرانه»، غرّد جونين على تويتر، ليؤكد أن التلفزيون الإسرائيلي قرر نقل مباريات كأس العالم 2018 باللغة العربية مجاناً في إسرائيل. بحسب التغريدة، ستنقل قناة «مكان» الناطقة بالعربية المباريات، «في خطوة تاريخية، تؤكد مكانة اللغة العربية واحترام إسرائيل لها!».
أعقب ذلك صدور إعلان عن وزارة الخارجية الإسرائيلية، على صفحة «إسرائيل تتكلم بالعربية» التي تديرها، تحت عنوان «بشرى سارة لعشاق الرياضة»، ورد فيه أنه «للمرة الأولى منذ قيام إسرائيل، ستعمد إلى نقل وقائع مباريات كأس العالم بالصورة والتحليل باللغة بالعربية». ويرد أيضاً أنه يمكن لـ«عشاق الرياضة في الدول القريبة من إسرائيل: في الأردن، ولبنان، ومصر، وفي الضفة الغربية، متابعة مباريات المونديال مجاناً على قناة (مكان) الفضائية الإسرائيلية التي ستنقل معظم مباريات كأس العالم عبر الأقمار الاصطناعية»، مع التشديد على أن هيئة البث في إسرائيل ابتاعت حقوق بث المباريات بما يصل إلى 6.3 ملايين يورو، وسيتمكن المهتمون من دول الجوار (المقصود الدول العربية المحيطة) من مواكبة تحليلات طاقم الإعلاميين العرب باللغة العربية خلال نقل المباريات.
بالطبع، توجد علامة استفهام كبيرة جداً حول إمكان تنفيذ تل أبيب ما أعلنت عنه. لا يبعد أن يكون الهدف من الاعلان يقف على عتبة الاعلان نفسه، من دون أهمية تذكر لإمكان تنفيذه لاحقاً، إذ يكفي أن تظهر إسرائيل نفسها مهتمة بالجمهور الرياضي العربي على نقيض دوله. وبالطبع، سيكون مفيداً لإسرائيل أن يتحرك سجال إعلامي لاحق، يسبق أو يبدأ مع محاولة نقل المباريات التي يتوقع أن يجري التراجع عنها.
وتعدّ الخطوة مشهداً مكرراً لعام 2010، التي سبقت أن واكبت مباريات كأس العالم التي جرت في جنوب أفريقيا. عمدت إسرائيل في حينه إلى نقل عدد من المباريات على القناة الاسرائيلية العربية، إلى أن عادت وتراجعت بعد أن تلقّت «الفيفا» شكوى من قناة «الجزيرة الرياضية» القطرية. في حينه، حققت إسرائيل ما تسعى إلى تحقيقه الآن، ودفعت عدداً كبيراً من الجمهور العربي إلى توجيه صحونهم اللاقطة إلى القمر الإسرائيلي، مع سجال واسع كانت وما زالت الانظمة العربية أحد أسبابه المباشرين: بين متفهّم لتلقّي القنوات الإسرائيلية، وممتنع ورافض للخطوة. سجال يعدّ بذاته الفائدة التي أرادتها إسرائيل، وتسعى اليها الآن، مع أو من دون نقل المباريات كما وعدت.
هل يتكرر المشهد؟ التقدير الأوّلي يشير إلى نعم كبيرة، سواء نقلت إسرائيل المباريات كلها، أو نتيجة نقل جزء منها، أو لم تنقلها بالمطلق، لكن بعد سجال وأخذ ورد وشكاوى، مطلوبين إسرائيلياً. التقدير أن الفائدة المتوخاة من قبل تل أبيب قد تحققت من الآن، وذلك عبر تظهير صورة مغايرة للمحتل على أنه يهتم بالجمهور العربي ويحترم «اللغة العربية»، كما يرد في الاعلان العبري عن الوعد بنقل المباريات، وهو احترام يثير ليس السخرية وحسب، بل هو تسخيف للعقول العربية التي تنجر وراء هذه الدعاية، حيث تمتهن إسرائيل تحقيرها وإذلالها.