بعد مضي سنة كاملة على تعمّد أميركا عدم إسقاط تنظيم "داعش"، عبر القصف المسرحي لبعض مواقعه في الرقة، ورمي القسم الأكبر من نيران قاذفاتها في بقع جغرافية غير مأهولة بالداعشيين، تأكدت موسكو نهائياً أن واشنطن، من خلال تكتيكاتها، تعتمد سياسة إضاعة الوقت. وهذه السياسة تعتبر من دون منازع ركيزة أساسية من ركائز حرب الاستنزاف الفتاكة، تمهيداً للاطاحة بنظام الرئيس بشار الأسد. لذا، تدخلت موسكو لتصرخ في وجه مقولة ويلسون القديمة المتجددة: "إن القيادة المعنوية للعالم قد أُعطيت لنا"، ومقولة نيكسون: "فلندع اقتصاد كل دولة تقاوم أطماعنا بها يصرخ: كفى". لكنْ حريٌّ بي أن أقول لو أن موسكو منحت دمشق قاذفاتها الحديثة، لكان الجيش العربي السوري وحزب الله، بالتأكيد، قادرين على وضع القطار على سكة الحسم.
لكن إزاء تعملق الغطرسة الأميركية، وتوحشها، وسعيها إلى المزيد من السيطرة الأحادية القطب على العالم، أتى التدخل الروسي في سوريا لخوض معركة كسر عظم، مع بلاد السوبرمان. وبما أن أمر بقاء الرئيس الأسد في قصر المهاجرين بات محسوماً نتيجة هذا التدخل المثمر، اضطرت السعودية وتيار المستقبل إلى القبول برئيس جمهورية من فريق 8 آذار، سبق أن وافق على اتفاق الطائف عام 1989، الاتفاق الذي لا يزال مدعوماً إلى الآن من أميركا وروسيا (الاتحاد السوفياتي في عام 1989). وشاءت مجريات التطورات السياسية والميدانية أن ترفع من حظوظ فرنجية، لأنّ معظم الجماهير المسيحية في أقضية جبل لبنان ما زالت حتى الآن غير مقتنعة باتفاق الطائف، ومؤيدة لعدم قناعة عون الضمنية به، كما أن انتصار البرنامج النووي الإيراني في معركته مع واشنطن وتل أبيب، إضافة إلى أنّ المصالح الروسية السعودية والروسية التركية ما زالت متلاقية في شتى المجالات. ومن المتوقع أن تبلغ قيمة التبادل التجاري من أنقرة وموسكو عام 20 نحو 100 مليار دولار، وهي البالغة اليوم 33 مليار دولار. كل ذلك من شأنه أن يصبّ في مصلحة فرنجية، إضافة إلى ما يقال عن تسوية في اليمن، وإمكانية تعهد بوتين عدم التقدم العسكري الروسي مستقبلاً باتجاه أوكرانيا، مقابل رفع كل العقوبات الاقتصادية المفروضة على موسكو من الاتحاد الأوروبي.
كما أن التفجيرات الداعشية في باريس انتقاماً من الغرب الذي لم يمدّد الوقت لـ "داعش" في سوريا، سامحاً لروسيا بالتدخل، قد ترفع من حظوظ فرنجية. إن هولاند وكاميرون دخلا بشكل جدي ولو مؤقتاً في محاربة التكفير. والتسوية العربية والإقليمية والدولية قد تتيح تعبيد الطريق أمام فرنجية للوصول إلى القصر الجمهوري.
ريمون ميشال هنود