إلى روح هادي العلويفي الفلسفة، يستخدم تعبير «المرموز الفارغ» empty signifier للدلالة على مفاهيم تستعمل بكثافة لكن لا محتوى ثابتاً لها، أي يمكن ملؤها بأيّ معنىً نريد. تعابير مثل «الحرّيّة» أو «الديموقراطيّة» هي أمثلة واضحة على المرموز الفارغ، لكنّ كلمة «الشعب» تبقى المثال الأبرز على الأسماء التي يمكن أن نعني بها ما نشاء، ويمكن أن نوظّفها في أيّ خطاب ولأيّة غاية. تساءل المفكّرون المحافظون، منذ أيّام الثورة الفرنسيّة، عن شرعيّة استعمال «الشعب» حجّةً لتشريع الثورات والأنظمة. «ما هو هذا الشعب؟ من يعرّفه ويحدّد مصالحه؟ هل رأيتم يوماً رجلاً يمشي في الشارع اسمه الشعب؟» تسائل إدموند بيرك منذ قرنين، ساخراً من مثاليات اليعاقبة الفرنسيين. وتخاف النخب الحاكمة من الشعب لكنّها تعشق كلمة «الشعب»، فبإمكانها أن تحكم الشعب باسم «الشعب» وأن تقمع الشعب باسم «الشعب»، بل وأن تقتل الشعب باسمه أيضاً.
واليوم في تونس ومصر، الشعب قام، حقّاً قام. والوصف الوحيد الممكن لما حصل في الأسابيع الماضية، هو أنّها ثورات شعبيّة، بكلّ ما للكلمة من معنى، وبما يشبه المثال الأكاديمي للتعبير. لكن ـــــ بناءً على ما أسلفناه ـــــ أن تكنّى ثورةُ ما باسم «الشعب» فهذا يعني أنّها ثورة معروضة علناً للسّرقة.
منذ الآن يلفت توني بلير إلى أنّ أغلب الشباب المتظاهر غير منضو في أيّة أحزاب، داعياً بوقاحة الى تسخير الموارد لتنظيمهم ـــــ على نهج توني بلير ـــــ كي لا يقعوا في يد «الإسلاميين». هكذا قال سيئ الذكر، الذي وصف محمّد حسني مبارك في المقابلة نفسها بأنّه «بالغ الشجاعة وهو قوّة للخير».
في العادة، تنسب جميع الثورات والانقلابات الى الشعب الذي لا يكون له علاقة بها: تتسلم نخبة ما الحكم وتخلع الحاكم السابق ثمّ تعزو انقلابها إلى «الجماهير» وإرادتها. المحزن في حالتنا اليوم هو أن يقوم الشعب فعلاً بثورة، لتعود وتسرقها النخب.

ثورة المهمّشين

بادئ ذي بدء، هنالك مجموعة من الأساسيات لا يمكن تجاهلها لدى مناقشة الثورات الحاصلة اليوم. أوّلاً، هناك الطابع الجديد والفريد والتجريبي لثورتي تونس ومصر، وما قد يلحقهما. ففي تاريخ العرب الحديث، أي منذ بدء عصر السياسات الجماهيريّة في بلادنا، لم نشهد نجاح ثورات شعبيّة بالمعنى الحقيقي للكلمة. ما نسمّيه «ثورات» في العراق ومصر وسوريا، هي تورية لاستيلاء مجموعات أيديولوجية أو عسكريّة على الحكم وإطلاقها لعمليّة تغيير واسعة في المجتمع.
ثورات اليوم غير مسبوقة، وليست لدينا أمثلة تاريخيّة محلّيّة يمكن أن نقارنها بها. فعلينا إذاً أن نبدأ كلّ كلام عن ثورات تونس ومصر بالتواضع والاعتراف بحدود معرفتنا، وبأنّنا جميعاً لم نتنبّأ بما حصل ولا نملك، حتى هذه اللحظة، كلّ نواصي الأحداث وخلفيّاتها.
ثانياً، وهنا اللغز الأهمّ، هي ثورات عصيّة على التفسير من داخل قاموس الحداثة السياسيّة. لا تنطبق كلّ أدوات الحداثة ومصطلحاتها، من أحزاب ونخب وطبقات وتكتّلات مصالح، على انتفاضات الشعوب العربيّة على طغاتها. كان التعبير عن الاحتجاج من خارج البنى المؤسّسيّة التي يفترض بها أن تؤطّر الفعل السياسي في عصر الحداثة. أحزاب المعارضة، مثلها مثل ممثّلي السلطة، لم تكن أكثر من شاهد على هذه الانتفاضات، ثمّ انضمّت إليها التحاقاً بالشعب، لا قيادةً له.
غربة هذه الثورات عن الحداثة، بمفهومها التقليدي، تتّضح حين نحاول أن نستمع الى مطالب المحتجّين وشعاراتهم. أفراد الشعب الذين خاطروا بحياتهم ونزلوا الى الشوارع كاسرين حاجز الخوف، مقارعين جلاوزة السّلطان بلا وجل، هؤلاء لم يصرخوا «ديموقراطيّة وانتخابات»، ولم يرفعوا مطالب يمكن تصنيفها في خانة الديموقراطيّة الليبراليّة. كذلك هم أيضاً لم يردّدوا أنّ «الإسلام هو الحلّ» ولا استعملوا لغة أيديولوجيّة محدّدة. من يحاول أن يماهي بين هذه الانتفاضات والثورات الأميركيّة الملوّنة، أو حتى انتفاضات أوروبّا الشّرقيّة في التسعينيات، هو مزوّر يحاول تجيير صوت الناس مستخفّاً بنضالاتهم. وصم انتفاضات تونس ومصر بالليبراليّة لمجرّد أنّها طالبت بـ«الحرّيّة» هو كالادعاء بأنّها حركات ماركسيّة لأنّها تجهر بالعداء للاستغلال الاقتصادي.
على العكس، أظهرت هذه الانتفاضات، وخاصّة ثورة مصر، مفارقة مثيرة: بالرغم من عشرات من منظّمات «المجتمع المدني» التي موّلها الأميركيّون واستخباراتهم في مصر وغيرها، وبالرغم من مئات الملايين التي صرفت، وكلّ ذلك بهدف زرع مصطلحات الديموقراطيّة الليبراليّة في وعي المجتمع المصري، فإنّ المصريّين اليوم يثبتون أنّ الديموقراطيّة «الجفرسونيّة» لم تدخل الى معجمهم ـــــ بعد كلّ هذا العناء.
أعتقد أنّ تفسير هذه الظواهر يكمن في الطبيعة السوسيولوجيّة للثوّار، ويمكن وصفهم بالمهمّشين في المجتمع، أي من هم خارج النظام السياسي، أي النظام برمّته: بسلطته ومعارضته، برأسمالييه وفنّانيه، بصحفه وثقافته، إلخ. المهمّشون ليسوا الفقراء فحسب، هم من لا تقرأ عنهم في الثقافة السائدة ولا تخبّر قصصهم الأفلام وكتب التّاريخ. هم «الآخر» بالنسبة إلى أولاد الطبقة الوسطى، من يؤدّون الأعمال اليدويّة في اقتصاد الخدمات، من يخدموننا في المطاعم وينتهي ارتباطنا بهم مع تأدية الخدمة المأجورة. هم من لا صوت لهم في وسط النخبة وموجودون في كلّ مجتمع.
أما في بعض الدول العربيّة كمصر، فصنعت الأنظمة مجتمعات أغلبها من المهمّشين. سيدي بوزيد مثلاً هي أفقر ولايات تونس قاطبة: ريفيّة زراعيّة، يقلّ عدد سكّانها عن نصف المليون، وتقع في الغرب الداخلي ذي المناخ القاسي، حيث لا ماء ولا سياحة، بعيداً عن ولايات الساحل المحظيّة. سيدي بوزيد التي عانت أكثر من غيرها من تحوّلات الاقتصاد العالمي في العقود الأخيرة، سيدي بوزيد التي ولدت أجيال عربية وماتت من دون أن تسمع باسمها، سيدي بوزيد أصبحت مدخلنا الى العصور الجديدة.

اللقاحيّة والمشاعيّة

إن كان هنالك من فهم قضيّة المهمّشين في بلادنا وتبنّاها، فهو الفيلسوف والمؤرّخ العراقي هادي العلوي. كان هادي يدرس ثورات التاريخ الإسلامي من زاوية تختلف عند باقي المؤرّخين. كان يعارض إسقاط الانتفاضات الشعبيّة على الاصطفافات السياسيّة الرائجة في زمنها، بل كان يصرّ على أنّ عماد الثورة في الشارع هم المهمّشون اللقاحيّون، أي من لا ينتمي الى أحزاب خاصّة، بل من ينتفض على السلطة بما هي سلطة، على طغيانها وقهرها وإذلالها للناس، وكلّ سلطة هي بطبيعتها غاشمة وقهّارة. هكذا كان يعتقد هادي العلوي، وهكذا يؤمن المهمّشون. وبهذه الروحيّة، يسير اليوم الملايين في شوارع مصر منتفضين على حاكم تجبّر على الناس وحبس عنهم أموالهم.
بالنسبة إلى هادي العلوي، مفهوم اللقاحيّة أساسيّ لفهم الرفض الفطري للملك العضوض لدى جموع الناس. اللقاحيّة موروث جاهليّ، اختصّ به العرب الأوائل الذين كانوا دائمي الحذر من الوقوع تحت حكم «كسرى وقيصر»، وامتثلوا لمحمّد بوصفه نبيّاً لا ملكاً، وامتثلوا لخلفائه الراشدين لأنهم احترموا لقاحيّة الناس ولم يسيروا مسير الملوك. هكذا أرّخ هادي للّقاحيّة التي قمعها نشوء الملك الوراثي عند العرب وتجذّر الدولة المركزيّة، غير أنّها ظلّت حاضرة في ثقافة المهمّشين، من خلال ومضات وثورات استمرّت طوال عهود الدولتين، الأمويّة والعبّاسيّة.
اللقاحيّة إذاً، ليست انتصاراً لمذهب على مذهب في فنون السلطة، ولا هي ديموقراطيّة وفق التقليد الليبرالي، بل هي موقف أخلاقيّ ضدّ السلطة المركزية بذاتها، وضدّ مؤسّساتها المعقّدة، وضدّ تدخّلها الخانق في حياة الناس، وضدّ حبس حقوقهم وأموالهم.
اللقاحيّة عند العلوي ليست ليبراليّة، بل أكثر ديموقراطيّة منها. فلنتذكّر أنّ الديموقراطيّة الليبراليّة لا تعني حكم الشعب لنفسه، بل تعني «الانتقال السلمي للسلطة بين النخب»، أي الانتقال السلمي للسلطة من سعد الحريري إلى نجيب ميقاتي، أو من حسني مبارك إلى محمّد البرادعي.
في اللقاحيّة عامل فوضوي لا مجال لإنكاره، لا يرى يوتوبيا فاضلة في أيّ شكل من أشكال السلطة وينظر بعين الريبة لكلّ دولة مركزيّة. من الغريب أنّ أيّاً من المعلّقين العرب لم يلحظ الطّابع الفوضوي لثورات الشعب في تونس ومصر. حتى الصديق أسعد أبو خليل، الذي يهوى التنظير للفوضويّة، لم يلاحظ الملامح الفوضوية في الانتفاضات واللجان الشعبيّة وحكومات الشارع والتنظيم التلقائي الذي يحصل أمامنا في شوارع مصر ـــــ بعيداً عن مؤسّسات الدّولة والأحزاب وفي ممارسة جماهيريّة للديموقراطيّة المباشرة. أسعد لا يزال يبحث عن الفوضويّة في كتابات باكونين، فيما تتجلّى أسطع وأضخم فصولها أمام عينيه.

النيوليبراليّة تغتال الحداثة

في الفيلم الشهير «كوكب القرود»، يخال روّاد الفضاء أنفسهم عالقين على كوكب يشبه ماضياً مشوّهاً للأرض، حيث القرود تطوّرت وأسّست مجتمعاً متقدّماً، فيما البشر لا يزالون حيوانات لا تنطق. وفي اللقطة الأخيرة للفيلم، يكتشف المغامرون أنّهم حقيقةً يشهدون مستقبل الأرض، لا ماضيها، بعدما أفنت الإنسانيّة نفسها وأهلكت حضارتها.
قال لي المؤرّخ الأميركي بيتر غران يوماً جملة لا أنساها، تشابه الى حدّ ما سيناريو الفيلم الشهير. قال إنّ الغربيّين ينظرون الى بلاد الجنوب كمصر، على أنّها تحبو على درب الحداثة الرأسمالية، أي أنّها تمثّل، بمعنى مجازي، ماضيهم. «في الحقيقة»، يضيف بيتر غران، «حين أسير في شوارع القاهرة أشعر بأنّني أشهد مستقبل الرأسماليّة الغربيّة، لا تاريخها». أي رأسماليّة أفلتت من عقالها وهي تعيد تكوين المجتمع وتسليعه بلا رادع ـــــ رأسماليّة تعيش أيّامها الأخيرة.
من أراد فهم الثورات المصريّة والتونسيّة، لا يمكنه تجاهل التغييرات الهائلة التي طرأت على تلك المجتمعات في العقود الثلاثة الماضية. تغييرات عصفت بقسوة بحياة الملايين من أفرادها، وهو ما حصل غالباً تحت راية «الإصلاحات الاقتصادية». قال ليون تروتسكي يوماً ما معناه أنّ النماذج الرأسماليّة المتقدّمة (كوصفات الاقتصاد الليبرالي) تطبّق أكمل وأسرع في البلاد الآسيوية المستعمَرة منه في منشأ هذه النظريّات. ففي الغرب، ركّبت طبقات من المؤسّسات والكوابح لحماية الأفراد من تمادي الرّأسمالية، أمّا في مصر أو تونس، فقد تمكّنت الحكومات من قلب النظام الاقتصادي رأساً على عقب بلا مقاومة: سوق العمل وقوانينه، ونظم الملكيّة، والضمانات الاجتماعيّة، كلّها مؤسّسات دمّرت وأعيد تكوينها بسنوات قليلة.
حين درس دايفيد هارفي تأثير النيوليبراليّة على المجتمعات الغربيّة، منذ وثبتها في السبعينيات، نظر برعب الى عمليّة إعادة توزيع الدخل التي جرت في المجتمع، ناقلة الثروات من الطبقات الدنيا الى النخبة الرأسماليّة، فكانت الطبقة العاملة في أميركا وبريطانيا تمرّ في عقود من الأزمة وانخفاض الدخل، فيما كان الملّاكون والإداريّون الكبار ومديرو الأسواق الماليّة يعيشون جنّةً من النموّ والثراء الجنونيّين.
لو نظر هارفي الى بلاد النيل، لاكتشف أنّ الإحصاءات عن اختلال المداخيل في الغرب تبقى مزحةً أمام التطوّرات التي أحدثها النظام النيوليبرالي، في مصر مثلاً. انتقل المصريّون، في أقلّ من جيل، من عالم ترفع فيه قيم التكاتف الاجتماعي وتقدّم فيه ضمانات معيّنة للفقراء، الى عالم أشبه بغابة رأسماليّة يخاف فيها الفرد دائماً من الفقر والعوز، وتقفل أبواب الترقّي الاجتماعي على السواد الأعظم من الناس. لم يعد المجتمع محميّاً من تقلّبات السوق الدولي وخضاته: ترتفع أسعار النفط، فيهدّد ارتفاع أسعار الغذاء قطاعات كاملة من الشعب المصري بالجوع وسوء التغذية؛ تحرّر تجارة النسيج العالميّة فيختفي قطاع كامل من الاقتصاد التونسي وتدمّر حياة الملايين.
لا شكّ في أنّ هذا «التدمير الخلّاق» للمجتمعات العربيّة، في العقود الأخيرة، قد غرس بذرة الثورة والحنق لدى الشباب المنتفض اليوم. قدّم المفكّر الهنغاري الأصل كارل بولاني، نقداً غير ماركسيّ للرأسماليّة يلتقي في العديد من جوانبه مع فكرة هادي العلوي عن اللقاحيّة والمشاعيّة. وقد تكون رؤيا بولاني مدخلاً لتفسير الثورات الحاليّة وعلاقتها بالرأسماليّة.
فسّر بولاني ما سمّاه «الحركة المزدوجة»: كلّما تقدّمت الرأسماليّة في اجتياحها للمجتمع وازداد تسليع الأرض والعمل والنقد، ارتدّ المجتمع على السّلطة مجبراً إيّاها على كبح الرأسماليّة وتعزيز نفوذ الشعب على حساب السوق. الأرض، والعمل، والنقد، ثلاثة عناصر لا تستقيم فكرة «السوق الحرّة» من دون أن تسلّع وتحوّل الى موادّ يتاجر بها السوق، بعد فصلها عن المجتمع. عزل عناصر الحياة هذه عن مجتمعها، يستدعي لدى بولاني ردّاً يشابه ردّ اللقاحيّين على الملك العضوض الذي يهين قريحتهم ويسلبهم حرّياتهم الطبيعيّة.
لا يحمل الشعب المنتفض اليوم أيديولوجيا خلاصيّة تنبثق من تراث الحداثة. تجربة العرب مع الحداثة والإمبرياليّة، طوال القرنين الماضيين، شفتهم من تلك الأوهام. الثورة الحاليّة ليست حداثيّة بالقطع، وهي أيضاً لا تعادي الحداثة الغربيّة أو تحاول طرح يوتوبيا بديلة ـــــ كما فعلت الثورة الإسلاميّة في إيران. ثورة العرب اليوم تخرج من حطام الحداثة ومن خراب العالم القبيح الذي خلقته الحداثة لنا.

خاتمة

أنا أدافع عن لقاحيّة الثورة قبل أن تسرق. أدافع عن طابعها الشعبيّ والحرّ والرافض للسّلطة بذاتها قبل أن تقطف مجموعات نخبويّة الثورة ومنجزاتها، أو أن تؤتي المؤامرات الأميركيّة أكلها وتجهض الثّورة قبل أن تنتصر. علينا أن نكون متشائمين. حتّى الثورات الناجحة تظلم المهمّشين الذين ماتوا من أجلها وتتنكّر لهم. أتظنّون أنّ سيدي بوزيد ستستفيد حقّاً من النخبة التونسيّة (نسبة الى العاصمة تونس) التي ستتسلّم من بن علي بعد أن ينقشع الغبار؟ أسيكون النظام الجديد وفيّاً لأولئك المزارعين الشجعان الذين انتفضوا وصرخوا وماتوا دفاعاً عن حرّيتهم وحرّيّتنا؟ آمل أن تكون اللجان الشعبيّة التي يجري الحديث عنها في مصر مشروعاً جدّيّاً، وأن تستمرّ وتكتسب شرعيّة وسيادة لا يناقضها النظام القادم.
فيما نحن اليوم في قلب أتون الثورة، ويبدو جيلنا أخيراً على وشك إزاحة جيل الهزيمة الذي مكث على صدورنا طويلاً بأنظمته وثقافته وانهزاميّته وثرثرته، يبقى أن نقول إنّه لا مجال للتّنبّؤ بما سيحصل. الطريق الوحيد إلى معرفة المستقبل هو العمل باتّجاهه. ستبدو هذه الثورات لغزاً محيّراً للمحلّلين والأكاديميّين، إلّا أنّ أستاذي العارف هادي العلوي كان سيرى فيها أمراً أليفاً وقديماً في آن. كان سيرى طيفاً جميلاً فوق شوارع تونس والقاهرة. كان سيرى الوجه الباسم لسلمان الفارسي، والشّيخ الكيلاني، والإمام زيد.

* طالب دكتوراه علوم سياسيّة
في جامعة كاليفورنيا ــ بيركلي