تنبئنا ثلاث حوادثٍ دالّة، جرت في سوريا مؤخراً، الى المستقبل الذي يتخيّله أعداء سوريا لها (يسمّون أنفسهم «اصدقاء»، والكلام سهل، والعواطف زيف، والدعاية بالمال). أوّلاً، ضجّت أوساط غربية بخبر كشف تعاون عسكري بين «حركة حزم» المدعومة من الغرب، وبين «جيش المهاجرين والأنصار» الموضوع على اللائحة الاميركية للتنظيمات المحظورة. «جيش المهاجرين» يتبع لامارة القوقاز الاسلامية، وأكثر مقاتليه هم من الشيشان الذين لم ينضمّوا الى «داعش» وظلّوا في محيط حلب وبايعوا «النصرة”.

امّا «حزم»، التي اشتهرت باستعراض صواريخ الـ «تاو» الاميركية التي تصلها من الداعمين، فقد تمّ تقديمها في الغرب على انّها مثال الحركة المعتدلة التي تستحق الدعم، لأنها ستلتزم بالارشادات الاميركية وتمنع وصول السلاح الى «المتطرفين». شوهد التنظيمان وهما يقاتلان جنباً الى جنب في حندرات.
ثانياً، بعد كلامٍ اسرائيلي عن دعم التنظيمات المسلحة في الجنوب السوري بـ «الحليب والبطانيات» ــــ وهي تعابير تذكّر بمشهد مماثل جرى في لبنان منذ سنوات ــــ اعترف باحث اسرائيلي في «مركز واشنطن» (التابع للوبي الاسرائيلي) بأنّ اسرائيل «تسلّح الثوّار بحذر»، وبأنها نسجت شبكة علاقات مع القرى القريبة من الحدود، وبأن قادة المجموعات المسلحة يعقدون الاجتماعات الدورية مع المخابرات في طبريا، وبأنّ عدد الجرحى السوريين الذين عولجوا في اسرائيل تجاوز الـ1400.
أخيراً، قال الجنرال المتقاعد جون ألن، منسّق «التحالف الدولي»، إنّ التحالف لن يتعاون مع أي من فصائل المعارضة السورية، وأميركا ستبني جيشاً خاصاً بها، مضيفاً أنّ الأمر سيأخذ وقتاً ولن تظهر نتائجه قبل سنوات؛ وهو ما يتماشى مع عدم دعوة الائتلاف السوري لدخول التحالف، وعدم الاعتراف به والتعامل معه ولو بمعنى رمزي ـــ غير أنّ العديد من أعضائه هلّل للضربات كأنها تخصّهم.
بمعنى آخر، «اصدقاء سوريا» يعلنون انهم قرروا الاستثمار في الحرب في بلادنا على المدى البعيد، وأنّهم سيخلقون عشرات المنظمات التي تغذي دورة التطرّف والتدخّل، وأن اميركا قد قررت العودة الى المنطقة من جديد، ولكن ليس عبر غزوٍ أحادي كما في الماضي، بل بواسطة منظومة اقليمية، وحلفاء يدفعون الفواتير، وقوى محلية على الارض تقاتل نيابة عنهم. فلنتذكّر أن الأمثلة أعلاه تتعلّق بـ «الجيش الحر» و«المعارضة المعتدلة» وأمل الديمقراطيين ــ لا «داعش» و«النصرة» ــ حتى نفهم قتامة المستقبل الذي يُرسم؛ ويحقّ لنا ساعتها أن نتساءل: هل «داعش» هي فعلاً أخطر ما على الأرض؟