انتهت ولاية رئيس الجمهورية السابق ميشال سليمان في 25-5-2014 ودخلت البلاد عندها في مرحلة شغور في سدة الرئاسة بسبب تعثر انتخاب رئيس جديد من قبل النواب. وكان الدستور اللبناني قد لحظ حالة الفراغ في سدة الرئاسة في المادتين 62 و74 منه.فنصت الفقرة الأولى من المادة 62 على أنه: «في حال خلو سدة الرئاسة لأية علة كانت، تناط صلاحيات رئيس الجمهورية وكالة بمجلس الوزراء». كما نصت المادة 74: «إﺬا خلت سدة الرئاسة بسبب وفاة الرئيس أو استقالته أو سبب ﺁخر، فلأجل انتخاب الخلف يجتمع المجلس فوراً بحكم القانون...».

ﮬﺬان النصان يطبقان في جميع حالات شغور رئاسة الجمهورية، بما في ذلك انتهاء ولاية الرئيس وعدم انتخاب خلف له. وهذه الحالة تندرج تحت عبارتي «أية علة كانت» (م. 62) و»سبب ﺁخر» ( م. 74). فبحسب الدكتور إدمون رباط «لا حاجة الى إجهاد الفكر ليأتي تطبيق المادتين 62 و74 من الدستور شاملاًً جميع الحالات دون استثناء، وذلك بمقتضى القاعدة الشرعية المدونة في المادة 64 من مجلة الأحكام العدلية بأن «المطلق يجري على إطلاقه ما لم يقم دليل التقيد نصاً أو دلالة»، بالإضافة الى المبدأ القائل بأن القانون يؤلف قاعدة شاملة». بالخلاصة، مهما كان سبب خلو سدﱠة الرئاسة، تناط صلاحيات رئيس الجمهورية وكالة بمجلس الوزراء فيتولاها الى حين انتخاب رئيس جديد للجمهورية.
وكان قد جاء النص الجديد للمادة 62، المعدﱠل بالقانون الدستوري الصادر في 21/9/1990، لتبديد أي إشكال يمكن أن يحصل حول من يتسلم مهمات رئاسة الجمهورية في حال خلو سدﱠة الرئاسة. ففي أواخر عهد الرئيس أمين الجميل سنة 1988، كانت الحالة الأمنية متدهورة الى حدﱢ أن انتخاب رئيس جمهورية جديد كان غير ممكن. فأوصى رئيس الجمهورية بعض المقربين إليه بوضع دراسات توحي بأن لرئيس الجمهورية الحق في البقاء في سدﱠة الرئاسة إﺫا تعذر إجراء انتخابات نيابية جديدة في موعدها. وقد وضع الدكتور خالد قباني والأستاﺫ بشارة منسى تقريرين يدحضان وجهة النظر القائلة باستمرارية حكم رئيس الجمهورية إﺫا تعذر إجراء انتخابات رئاسية، وأتت لاحقاً المادة 62 لتثبت هذا الرأي.
باﻹضافة الى ﺫلك، تولي مجلس الوزراء صلاحيات رئيس الجمهورية يحصل «وكالة» وليس «أصالة»، أي بصورة انتقالية ومؤقتة، الأمر الذي يطرح سؤالاً عن حدود صلاحيات مجلس الوزراء.
في حالة البلادالراهنة
يتعلق وضع الحكومة بشكل مباشر بوضع المجلس النيابي

هذا الموضوع طرح في ما يخص صلاحية رئيس الجمهورية المنصوص عليها في المادة 55 من الدستور والتي تخوله الطلب الى مجلس الوزراء حل مجلس النواب قبل انتهاء عهد النيابة. ففي عام 1988، وجّه الرئيس حسين الحسيني طلب استشارة قانونية الى عميد كلية الحقوق والعلوم السياسية في جامعة باريس «جورج ﭬيديل». ففي تلك الفترة كانت قد انتهت ولاية الرئيس أمين الجميل وتعذر انتخاب خلف له، فانتقلت صلاحياته بالوكالة الى مجلس الوزراء، فكان السؤال موضوع ااستشارة. وقد جاء جواب العميد ﭬيديل بالنفي، فبرأيه لا يحق لمجلس الوزراء الذي يمارس صلاحيات رئيس الجمهورية بالوكالة أن يبادر الى حلﱢ مجلس النواب قبل انتهاء عهد النيابة.

في علاقة الحكومة والمجلس النيابي

في حالة البلاد الراهنة، يتعلق وضع الحكومة بشكل مباشر بوضع المجلس النيابي. فنجد أنفسنا أمام حالتين: بحال تمديد ولاية المجلس النيابي وبحال إجراء انتخابات نيابية جديدة.
الحالة الأولى: تمديد ولاية المجلس النيابي.
نصت الفقرة الأولى (ﮬ) من المادة 69 من الدستور اللبناني على أنه:
«1- تعتبر الحكومة مستقيلة في الحالات اﻵتية:
أ- إذا استقال رئيسها.
ب- إذا فقدت أكثر من ثلث أعضائها المحدد في مرسوم تشكيلها.
ج- بوفاة رئيسها.
د- عند بدء ولاية رئيس الجمهورية.
ﮬ- عند بدء ولاية مجلس النواب.
و- عند نزع الثقة منها من قبل المجلس النيابي بمبادرة منه أو بناءً على طرحها الثقة.»
يمكننا أن نستخلص من الفقرة (ﮬ) من هذه المادة أنه بحال التمديد للمجلس النيابي، لا يمكن اعتبار الحكومة الحالية حكومة مستقيلة، ذلك أن تمديد ولاية مجلس النواب هو استكمال للولاية الحالية وليس بدء ولاية جديدة للمجلس.
الحالة الثانية: انتخاب مجلس نيابي جديد.
تطبيقا للفقرة الأولى (ﮬ) من المادة 69 من الدستور اللبناني، تعتبر الحكومة مستقيلة حكماً.
نصت الفقرة الثانية من المادة 54 من الدستور على أنه: «يسمي رئيس الجمهورية رئيس الحكومة المكلف بالتشاور مع رئيس مجلس النواب استناداً الى استشارات نيابية ملزمة يطلعه رسمياً على نتائجها». ولكن المشكلة التي يطرحها الوضع الحالي هي الآتية: في ظل الفراغ الحاصل في سدة الرئاسة، من هو المرجع الذي سيجري الاستشارات النيابية الملزمة لتعيين رئيس حكومة جديد؟ في ظل غياب رئيس الجمهورية، تبقى الحكومة حكومة تصريف أعمال حتى انتخاب رئيس جديد، ذلك أن رئيس الجمهورية هو وحده المرجع المخول إجراء استشارات تعيين رئيس الحكومة. وتستمر الحكومة بتصريف الأعمال عملاًً بمبدأ استمرارية سير المرافق العامة والدولة. بحسب الدكتور إدمون رباط: سلامة الشعب هي الشرعة الأسمى، وفي سبيل ذلك تنهض جميع الاختصاصات حفاظاً على السلامة العامة، وذلك إشارة منه الى نظريتي الظروف الاستثنائية ونظرية حالة الضرورة القصوى. وبعض القراءة في القانون الفرنسي المقارن تعطي إضاءة علمية مجردة لمبدأ استمرارية سير المرافق العامة. باﻹضافة الى ذلك، بقاء الحكومة في تصريف الأعمال مهم جداً لأنه بحسب الدكتور إدمون رباط «مجلس الوزراء تتجسد في كامل هيئته السلطة التنفيذية في حالة خلو رئاسة الجمهورية بانتهاء الولاية وعدم انتخاب خلف له».

في الوضع الداخلي للمجلس النيابي

أولاً: رئيس المجلس. نصت الفقرة الأولى من المادة 44 من الدستور على: «في كل مرة يجدد المجلس انتخابه، يجتمع برئاسة أكبر أعضائه سناً ويقوم العضوان الأصغر سناً بينهم بوظيفة أمينين ويعمد الى انتخاب الرئيس ونائب الرئيس لمدة ولاية المجلس، كل منهما على حدة بااقتراع السري وبالغالبية المطلقة من أصوات المقترعين. وتبنى النتيجة في دورة اقتراع ثالثة على الغالبية النسبية، وإذا تساوت الأصوات فالأكبر سناً يعد منتخباً». نستطيع أن نستنتج من هذه المادة أن مدة ولاية رئيس المجلس مرتبطة بشكل مباشر بمدة ولاية المجلس، فلا تنتهي إلا بانتهاء ولاية المجلس. وبحال التمديد لولاية المجلس، تمدد حكماً ولاية رئيس المجلس فلا ينتخب رئيس جديد للمجلس النيابي إلا بانتخاب مجلس نواب جديد. إن هذا التعدبل الذي أدخله الطائف في عام 1990 على مدة ولاية رئيس المجلس، هو مشابه للتمديد الذي أجري على المادة 32 من الدستور الفرنسي في عام 1958 والذي جعل بدوره مدة ولاية رئيس المجلس مطابقة لمدة ولاية المجلس النيابي نفسه. ولعل السبب الأساسي خلف هذا التمديد وربط ولاية رئيس المجلس مباشرة بمدة ولاية المجلس، إرادة المشترع تأمين ثبات معين للعمل النيابي. ففي ظل المادة 44 القديمة من الدستور اللبناني، كانت انتخابات رئيس المجلس تجرى سنوياً ليس فقط عندما ينتخب مجلس جديد، ولكن أيضاً عند افتتاح عقد تشرين الأول من كل سنة، فكان من الممكن أن تجرى انتخابات لرئيس المجلس في أي وقت من السنة، ما قد يؤثر سلباً على عمل المجلس النيابي ونظام انعقاد جلساته.

هيئة مكتب المجلس واللجان النيابية

نصت المادة الثانية من النظام الداخلي للمجلس النيابي على: «يجتمع مجلس النواب بناءً على دعوة أكبر أعضائه سناً وبرئاسته لانتخاب هيئة مكتب المجلس في أول جلسة يعقدها بعد تجديد انتخابه، وذلك في مهلة أقصاها خمسة عشر يوماً من بدء ولايته». ونصت الفقرة الأولى من المادة 19 من النظام الداخلي للمجلس النيابي على: «في الجلسة التي تلي انتخاب هيئة مكتب المجلس بعد الانتخابات العامة وفي بدء دورة تشرين الأول من كل سنة يعمد المجلس الى انتخاب لجانه الدائمة». يستنتج من هاتين المادتين أن ولاية هيئة المكتب كما ولاية رئيس المجلس تمتد على كامل مدة ولاية المجلس، في حين أن ولاية اللجان النيابية هي سنة واحدة وهي مستقلة عن ولاية هيئة مكتب المجلس. نستطيع أن نستنتج أنه بحال التمديد للمجلس النيابي، لا يجري انتخاب هيئة جديدة لمكتب المجلس لأنّ المجلس مدّد ولايته ولم يجدد انتخابه، ولكن يجب أن يتم انتخاب أعضاء جدد للجان النيابية الدائمة عند افتتاح دورة تشرين الأول.
* باحث لبناني