لم يكن ممكناً للدورة الـ33 للمؤتمر القومي العربي أن تشهد هذا الحشد الكمّي والنوعي للأعضاء والمراقبين والإعلاميين لولا أنها اتخذت لنفسها عنوان دورة «طوفان الأقصى»، فأقبل المشاركون بكل حماسة متحملين نفقات سفرهم وإقامتهم، في ظاهرة تعيد الحسبان إلى المبادرات الشعبية العربية المستقلة في مواردها. ولم يكن ممكناً لهذه الدورة أن تجمع في كلمات جلسة الافتتاح هذا التنوّع من قادة المقاومة ورموزها في الأمّة، الميدانية والسياسية والإعلامية، لولا أن المؤتمر نجح في دوراته ومواقفه ومبادراته وكان حريصاً، منذ تأسيسه، على أن يكون جامعاً لكل التيارات النهضوية والمقاومة في الأمّة، والملتزمة بالمشروع النهضوي. وحريصاً على ترجمة عمليّة لفكرة التنوّع ضمن الوحدة التي كانت إحدى الركائز المهمّة التي يجب أن يقوم عليها العمل الشعبي العربي من أجل تحقيق مشروع الأمّة الحضاري النهضوي، وفي المقدمة منه الوحدة وتحرير فلسطين.
ولم يكن ممكناً أن يلتقي هذا الجمع الوفير من رموز تيارات الأمّة وحركاتها لو لم يكن المؤتمر، على مدى عمره الممتد من عام 1990 حتى اليوم، صاحب مواقف سليمة وسجلّ نقي وقرار موضوعي مستقل يتفاعل مع كل ما هو إيجابي ويعترض على كل ما هو سلبي في أداء أنظمتنا وحركاتنا وهيئات عملنا السياسي والاجتماعي.
ولم يكن ممكناً لهذا المؤتمر أن يحقق هذا النجاح المتنامي، كماً ونوعاً، لو لم تكن بوصلته فلسطين، فمن اقترب من فلسطين اعتز ومن ابتعد عنها اهتز.
ولم يكن ممكناً لهذه الدورة أن تستقطب هذا الكم من مناضلي الأمّة ومثقفيها لولا أن هناك حاجة على مستوى الأمّة إلى فكر توحيدي وأطر عمل جامعة تطلق حوارات وتصيغ برامج وتطلق مشاريع ومبادرات، على طريق وحدة الأمّة ونهضتها وتحرير كل شبر من أرضها المحتلة وكل إرادة مستلبة من إرادات حكّامها أو القيمين على أمورها.
ولم يكن ممكناً لهذه الدورة أن تحقق هذا النجاح لو لم تكن مرتكزة على جملة مؤسسات انطلقت من رحم المؤتمر أو كان شريكاً في إطلاقها وفي مقدّمتها: المؤتمر العربي العام، والمؤتمر القومي الإسلامي، ومؤسسة القدس الدولية، والمركز العربي الدولي للتواصل والتضامن، مخيمات الشباب القومي العربي، والتنسيقية الشعبية العربية لمقاومة التطبيع، والحملة الشعبية العربية لمناهضة الحرب على سورية وكسر «قانون قيصر»، والمنتدى العربي الدولي من أجل العدالة لفلسطين، ندوة التواصل الفكري الشبابي العربي، ملتقى الشباب العربي التضامني السياحي، وعدد من المنتديات والهيئات والمبادرات التي أطلقها أعضاء المؤتمر في أقطارهم، ولا سيّما في التحركات الشعبية والمنتديات القومية والحملات الأهلية من أجل فلسطين وقضايا الأمّة.
لقد تعرّض المؤتمر منذ تأسيسه لحملات مغرضة، بعضها ناتج من سوء فهم لطبيعة المؤتمر، والآخر عن سوء نيّة، إذ كان يُتّهم بالشيء وعكسه في آن. لكن المؤتمر، بوعي أعضائه والقيّمين عليه، كان دوماً قادراً على شق طريق التقدّم للمؤتمر وطريق التفاعل بين أعضائه، مدركين أن الأخطاء التفصيلية مهما كثرت لا يمكن أن تعيق مسيرة بهذا المستوى، وبهذا الدور، وبهذا الطموح.

* الأمين العام السابق
للمؤتمر القومي العربي