جاء انتصار حركة الجهاد الاسلامي وفصائل المقاومة الفلسطينية في معركة الأيام الخمسة (من 8 إلى 13 أيار 2023)، والمعروفة بـ«ثأر الأحرار»، لتتصدّر مناسبتين مهمّتين: إحداهما هي الذكرى الـ 75 للنكبة الفلسطينية، بل للنكبة العربية باغتصاب فلسطين (15 أيار 1948)، وهي مناسبة من الماضي، والثانية هي موعد القمة العربية في الرياض (19 أيار 2023)، وهي مناسبة متصلة بالمستقبل، ولا سيّما أنها تأتي في ظل انكسار مشروع عزل سوريا عن عمقها العربي، والذي كان أحد عناوين الحرب الكونية على من باتت معروفة بقلب العروبة النابض، وفي أجواء انفراجات ومصالحات عربية وإقليمية كان الاتفاق السعودي - الإيراني برعاية صينية أحد أبرز عناوينها.أمّا بالنسبة إلى النكبة، فإن الانتصار الأخير للمقاومة في غزة بعد أداء متميّز لـ«سرايا القدس» ولغرفة العمليات المشتركة، جاء ليؤكد أن الكيان الغاصب يعيش مرحلة تآكل في قدراته، وتفكّك في بنيانه، بفضل مقاومة متنامية في فلسطين وأكناف فلسطين، وفي ظل ارتباك داخلي لم يشهده من قبل، مقرون بقلق مصيري لم يشعر به سابقاً.
أمّا قمة الرياض التي سيكتمل عقدها بمشاركة سوريا فيها، فإنها تأتي في ظلّ متغيّرات إقليمية ودولية تسمح للنظام الرسمي العربي بأن يكون أكثر تحرّراً واستقلالية عن الضغوط والإملاءات الأميركية والغربية، وبالتالي أكثر قرباً من تطلعات الجماهير العربية.
يأتي انتصار المقاومة في حرب الأيام الخمسة في غزّة ليعزّز من ثقة الأمّة بنفسها، وليجعل نظامها الرسمي أكثر قدرة على التفلّت من الإملاءات


من هنا، يأتي انتصار المقاومة في حرب الأيام الخمسة في غزّة ليعزّز من ثقة الأمّة بنفسها، وليجعل نظامها الرسمي أكثر قدرة على التفلّت من الإملاءات الاستعمارية المعروفة، وانتهاج سياسات أكثر التزاماً بمصالح الأمّة العليا، سواء في علاقاته الإقليمية والدولية أو علاقاته البينية على الصعد السياسية والعسكرية والاقتصادية والثقافية. ناهيك عن استعادته لقضية فلسطين، لا كقضية مركزية للأمّة فحسب، بل كقضية جامعة لهذه الأمّة تتعزّز بتضامنها، وتعزّز هذا التضامن العربي والإسلامي والدولي، وتمكّن الأمّة من معالجة كل بؤر التوتر الأمني والسياسي والاجتماعي المنتشرة على امتداد الوطن الكبير، من خلال بوصلة فلسطين التي هي طريق الأمّة إلى وحدتها، كما أن وحدة الأمّة هي طريقها لاقتلاع هذه الغدّة السرطانية من قلبها.
وبهذا المعنى، فإنّ قمّة الرياض، بقدر ما هي معنية بإزالة آثار الحرب والحصار والدمار على سوريا، التي أخطأت بعض حكوماتنا كثيراً بحقها، وإزالة كل عناصر التوتر والتشنّج القائمة داخل الأقطار العربية وبينها، فهي معنيّة بشكل خاص ببرامج عمل لدعم الشعب الفلسطيني ومقاومته على المستويات كافة، وبالعمل لعزل الكيان العنصري الإرهابي ومقاطعته على الصعيد الدولي لنزع الشرعية عنه وطرده من كل المؤسسات والهيئات الدولية، كما جرى طرده من الاتحاد الأفريقي.
لقد أطلق الملك سلمان بن عبد العزيز قبل خمس سنوات على قمة عربية انعقدت في الظهران اسم «قمة القدس» في زمن «صفقة القرن» والاتفاقات الإبراهيمية، فلتكن قمّة الرياض اليوم قمة العمل من أجل القدس وفلسطين، دعماً لمقدّساتها وشعبها ومقاومتها وإسقاطاً لاتفاقات تطبيعية منافية لمعتقداتنا ومبادئنا وثوابتنا، وبالطبع لحقوقنا، وطرد سفراء الكيان الغاصب من عواصمنا، ولنا في انتصار غزّة وفلسطين اليوم خير حافز على هذا الطريق.
* الأمين العام السابق للمؤتمر القومي العربي