1-بسبب الأوضاع الصعبة التي وصل إليها الحزب على المستويات السياسية والتنظيمية والجماهيرية، حيث لم تعد صفة الترهل والانكفاء والتعطيل أو التخلّف عن مواكبة الأحداث والقصور عن فهمها تكفي لوصف تلك الحالة، بل أخذ الأمر يتعدّاها إلى تغيير في برنامج الحزب وخطّه السياسي، وانحراف عن هويّته وفكره، وإجهاض لمفهومه ودوره، ما أدّى إلى انزلاقه إلى مواقع ومواقف لا تمتّ إلى تاريخ الشيوعيين بصلة، وإلى ما ألفه الناس عنهم في طليعة المدافعين عن حقوق العمّال والفلاحين والمستضعفين وذوي الدخل المحدود... إلخ، متسائلين: أين هو الحزب الشيوعي؟ أين هو من كل ما يجري في البلد من ذلّ وظلم وقهر للناس وتدمير لحياتهم الاقتصادية والاجتماعية.هذا الواقع الذي يثير حالة من الاستياء العارم لدى الشيوعيين أدّى إلى تداعي حوالي 100 رفيق في قواعد الحزب وكوادره الوسطية من مختلف المناطق إلى لقاء للتباحث بهذه الأوضاع الصعبة وسبل معالجتها أو الخروج منها.
2-لقد وجد المجتمعون أن ما أصاب الحزب اليوم لا يعود إلى خلل في برنامجه السياسي المقرّ في المؤتمر أو لصعوبات موضوعية أو لنقص في كفاحية الشيوعيين، بل يعود إلى أداء قيادة الحزب وممارستها، وفهمها للأوضاع الجارية، وقدرتها على تحليلها ومواكبتها، وبالتالي حملها المسؤولية عما آل إليه وضع الحزب خلال مسؤوليتها.
3-لقد كشفت الممارسة خلال السنوات السابقة قصوراً لدى قيادة الحزب عن إدراك ما يجري حولها من أحداث واستيعابه، وعجزاً عن وضع البرنامج الضروري لمواجهته، ووضع الشعارات المناسبة لتوجيه حراك الناس، فلم تستطع التقاط اللحظة الثورية باستغلال خروج الناس إلى الشوارع وتحويلها إلى فرصة تاريخية تدفع بالحزب قدماً نحو تثبيت دوره الطليعي في قيادة التحركات الشعبية الذي يشكل ألف باء نهج الشيوعيين، وواجبهم الثوري، بل انبهرت بما تعلنه مجموعات الإن جي أوز من أفكار، وما تضعه من شعارات، وما تمليه من صيغ للتحركات، فكلنا تابع الشعارات العظيمة لقيادة الحزب: الشعب يقود نفسه بنفسه، تقديس عفوية الجماهير، لا إسقاط للشعارات على الناس، والناس لا تحتاج إلى توجيه، ولا تقبل التعليب في التنظيم، وليست بحاجة إلى برنامج كي تتحرك، وهذه الأفكار جميعها ليست من أدبيات حزبنا، إنها من أدب المهجر والجمعيات، ولا ندري ما السر خلف تردادها كالببغاء من قبل قيادة الحزب مع أنها نقيض ألف باء عملنا الثوري، ونقيض ما تربّينا عليه من ضرورة أن يتمتع الشيوعي بدور طليعي وريادي في العمل بين الناس. بغياب ذلك، أصبح الحزب جسداً بلا روح وبلا حياة، وتحوّل الشيوعيون إلى رافدي ساحات وتلوينة من تلاوين الجمعيات. ولتغطية هذا التخلي، وتمويه الالتحاق خلف قيادة الإن جي أوز وشعاراتها، والأهم من أجل منع الشيوعيين من التساؤل والتفكير في بنية الانتفاضة ومكوناتها، هرباً من عملية الفرز المطلوبة لتمييز الحلفاء عن أصحاب الأجندات الخاصة، أطلقت قيادة الحزب عاصفة من غبار التحليلات الوهمية والسطحية تعلن فيها انتصار الانتفاضة وقرب تسلّم السلطة، ولتأكيد صدقية تنبؤها العظيم صاغت هذه القيادة برنامجاً للمرحلة الانتقالية، وهي تعلم أن لا حركة ثورية من دون نظرية ثورية، فكيف تكون من دون دور للقوى الثورية، وفي أغلب الأحيان نستجدي موقعاً لحزبنا في عملية تعبث فيها جمعيات نشأت أصلاً نقيضاً للعمل الحزبي وبديلاً منه وضد التغيير الجذري الذي يتبناه الشيوعيون؟ بذلك فقدنا فرصة تاريخية كانت أمامنا للعمل على بناء حركة شعبية تقدمية تدفع عملية التغيير في لبنان قدماً إلى الأمام، وبقيت لنا «درابزين» التي عادوا وحذفوا اسمنا منها.
انتهت الانتفاضة إلى ما انتهت إليه من خيبة وإحباط، وذهبت معها الجهود الصادقة للشيوعيين وللقوى اليسارية والعلمانية والديموقراطية التي نوجّه لها ألف تحية، تلك الجهود التي بذلت في هذا الحراك ذهبت سدى نتيجة عبثية قيادة الحزب وجهلها وقصورها أو تبنيها لخطة جمعيات الإن جي أوز والخضوع لإملاءاتها.
4-لقد شكلت الانتخابات النيابية فصلاً آخر من فصول الأداء القيادي السيئ، ومناسبة جديدة لتحريف برنامج الحزب وتشويه صورته واستخدامه مطيّة للآخرين. فإذا كانت الممارسة في الانتفاضة نالت من مفهوم الحزب ودوره الطليعي وطبيعته الثورية، ونالت الممارسة في الانتخابات النيابية من مفهوم التغيير ومن الخيارات السياسية والتحالفية للحزب، بما يشكل في الحالين إفراغاً للحزب من مضمونه ومن طبيعته، فقد حوّلت قيادة الحزب عملية الانتخابات من معركة سياسية شاملة، مدخلها قانون الانتخاب باعتباره مدخلاً للتغيير الديموقراطي الذي يفتح الأفق أمام الشيوعيين للنضال في مناخ غير طائفي هو أهم بكثير من الحصول على مقعد نيابي، فقد دخلت المعركة من زاوية المشاركة في الانتخابات أو عدم المشاركة، وحوّلتها إلى معركة داخل الحزب بين المرشحين والمنظمات الحزبية، لا نزال ندفع ثمنها حتى اليوم.
ولم تكتفِ قيادة الحزب بذلك، بل طالعتنا ببدعة تحالفية جديدة لم تألفها حتى الأحزاب البورجوازية ولا الشخصيات الوصولية، مفهوم جديد للتحالفات مجرّد من أيّ مبادئ أو قيم وخالٍ من أيّ أسس سياسية أو طبقية أو وطنية، فهي تبرر تحالفاتها مع هذا الخليط غير المتجانس بالقول إنها تختار اسماً من اللائحة تصنّفه بأنه يشبهنا، ثم لا يعنيها الآخرون في هذه اللائحة سواء كانوا من قوى سلطوية أو طائفية، أو من جماعة السفارات أو الخيم، وصولاً إلى أصحاب مشاريع التقسيم.
ولاحقاً نتباهى بأننا نحن من ساهم في وصول هؤلاء إلى المجلس النيابي، دون خجل من مواقفهم السياسية النقيضة لمواقف الشيوعيين، ودون تمحيص الأرقام التي حصلوا عليها ودور القوى الطائفية والسلطوية من الحزب الاشتراكي والمستقبل والقوات إلخ... التي كانت السبب في وصولهم.
5-إن مسار التلطّي خلف الإن نجي أوز في الانتفاضة، والارتماء في أحضانها في الانتخابات النيابية، وبناء الآمال عليها في التغيير والانتصار في مجمل بيانات الحزب وتقاريره (رغم افتضاح أمرهم وزيف ادعاءاتهم التغييرية) يشير إلى أن قيادة الحزب استبدلت خيار بناء الحركة الشعبية الذي أقرّه المؤتمر والاعتماد عليها في عملية التغيير بخيار الاعتماد على مجموعات الإن جي أوز واعتبارها رافعة التغيير وأداته.
لم تكن تلك الانحرافات السياسية التي انزلق إليها الحزب، والهفوات المنهجية العميقة في التعامل مع الأحداث، تعبيراً عن خطأ بسيط أو نزق، بل هي تتماهى أو تجد أساسها في المنشأ الإنجيؤوزي لعدد كبير من قيادة الحزب عملاً وظيفياً أو التدريب على أيدي تلك الجمعيات على أساليب التعبئة والتحريض وسبل الضغط وطرق القيادة، واستقوا منها أفكارهم وآراءهم، وقد زجّوا بآخرين معهم في ذلك التدريب، كما جذبوا غيرهم إلى نمط تفكيرهم حتى بتنا أمام كتلة متراصة داخل قيادة الحزب تنهل من معين واحد، معين الجمعيات التي نشأت أصلاً نقيضاً للعمل الحزبي، جرى إعدادها وتمويلها كي تكون بديلاً للأحزاب الثورية والتغييرية، تطرح عملية التغيير من منظور إصلاحي ضمن قواعد النظام الرأسمالي، وتعمل على تشويه عملية التغيير والصراع الطبقي بمفاهيم الحوكمة والقانون والشفافية والكف النظيف والإصبع البيضاء... إلخ، عدا عن التبعية المالية وملحقاتها السياسية والأمنية. وقد فتنتهم تلك الأفكار فاعتنقوها، وأخذوا يتباهون بها عنواناً للتجديد في الحزب وطرق عمله، وفي كيفية تأطير الجماهير وحشدها، وقد نمت هذه الأفكار بعد سقوط التجربة الاشتراكية ونتيجة الضياع الذي رافق هذا السقوط، وقد تكشف ادعاء القيادة بالتجديد داخل الحزب (حيث تمسكنت في تقديمها كقضية تنظيمية) تكشف عن عملية تزييف كبيرة، وخديعة تضمر خلفها وجود تيار سياسي جديد ذهب بالحزب نحو فكر جديد وحزب جديد.
6-إنّ ما يشعر به الشيوعيون من قلق على مصير الحزب هو شعور في محلّه، لأن الأزمة اليوم مختلفة عمّا شهده الحزب من أزمات في كل تاريخه، فهي تتكشف عن أزمة بنيوية عميقة، تتمثل في وجود مجموعة قيادية على رأس هذا الحزب تتناقض في مصادر تفكيرها وثقافتها وممارستها عن مصادر برنامجه ومكوناته وتتفارق مع بنيته التنظيمية، وتراثه الثوري وتاريخه النضالي. وإذا كنا نتحدث هنا عن قيادة الحزب، فإننا بالتأكيد لا نتحدث عن جميع أعضاء القيادة، في اللجنة المركزية أو المكتب السياسي، حيث لا شك بوجود مناضلين شيوعيين وماركسيين لا غبار على هويتهم الفكرية والسياسية، إنما نعني بذلك القسم المهيمن على القرار القيادي.
هذه القيادة تثبت يوماً بعد يوم أنها غريبة عن هذا الحزب، ومصدر غربتها أنها تمتلك بنية فكرية غير ماركسية، أو للدقة لا تفكر بأدوات الفكر الماركسي ولا تتبع المنهج العلمي الماركسي في تحليل الظواهر والأحداث، أي أننا أمام مشكلة معرفية تعيق على هذه القيادة التفكير بما يتناسب مع مفهوم الحزب الثوري. لذلك ترى هذا الفارق الكبير بين نهج الحزب السابق ونهجه الحالي.
أن تفكّر ماركسياً لا يكون ذلك بالوراثة لكونك شيوعياً أو ابن شيوعي، ولا بقراءة كتاب، ولا بالانتساب إلى الحزب، كذلك لا تكون بالدعوة إلى الاحتفال بذكرى تأسيس الحزب أو الأول من أيار.
إنّ ثقافة الإن جي أوز التي تستقي منها قيادة الحزب مفاتيح الفهم والمعرفة، حجبت التحليل الماركسي للصراع الطبقي بأبعاده السياسية والاقتصادية - الاجتماعية... إلخ، وأفسحت المجال لتحليل سطحي أدّى إلى تحريف مفهوم الحزب لعملية التغيير، من تغيير النظام ومعه السلطة، إلى حصر المعركة بتغيير السلطة (المنظومة)، بين مَن معها ومَن ضدّها، ليتحوّل هذا الضدّ بسرعة إلى من داخل السلطة ومن خارجها، ولمّا كانت 8 آذار والتيار الوطني الحر ممسكين بالسلطة بعد استقالة الحريري، أصبحت المعركة تدريجياً ضدّهما فقط، هكذا بكل بساطة جرت تبرئة كل الآخرين من الاشتراكي إلى المستقبل إلى القوات إلى الكتائب، وصولاً إلى كامل جوقة المعارضة حتى جماعة السفارات، وأصبحنا حلفاء لكل هؤلاء لأنهم خارج تلك السلطة، وأصبحوا زخماً للانتفاضة، وأصواتهم في الانتخابات التي أعطيت لمرشحي الجمعيات صبّاً لأصوات الانتفاضة في صناديق الاقتراع. هكذا انزلق الحزب من موقعه الديموقراطي العلماني ضد قوى النظام الطائفية والطبقية إلى جانب طرف ضد آخر، أي التحاقه في محور ضد آخر، كل ذلك تجلٍ لتغلغل ثقافة الإن جي أوز و«اليسار الديموقراطي» في قيادة الحزب.
إلى ذلك، ثمّة وجه آخر من أوجه أزمة القيادة في الحزب وهو ضحالة التقارير السياسية عدا عن ندرتها، حيث يغيب التحليل السياسي المعمّق للأحداث خصوصاً عندما يستدعي ذلك تحديد موقع الحزب الطبقي والوطني، ربما باستثناء الموقف من قضية الترسيم والخطّ 29، ما أدّى، عن قصد أو غير قصد، إلى تسطيح نظرة الشيوعيين للصراع القائم في البلد، وعدم رؤية مخاطره، فقد أتحفتنا القيادة على مدى 3 سنوات بتحليلات مليئة بالخفّة والتسرع لجهة تحليل واقع الانتفاضة وآفاقها، وبشكل خاص طبيعة الجماهير المنتفضة التي اعتبرتها قيادة الحزب أنها تجاوزت ولاءاتها لزعماء الطوائف والمذاهب، وخلقت ميزان قوى جديداً ينتظر تسليم السلطة... إلخ، فأين نحن اليوم من كلام كهذا؟
كما أتحفتنا بتحليلات بعيدة كل البعد عن الجانب الطبقي والوطني في تحليل القوى المشاركة في الانتفاضة، لأن هذا التحليل سيكشف من هم أصدقاء الشعب ومن هم أعداؤه، وبالتالي سيكون من الصعب على قيادة الحزب أن تبرّر أمام الشيوعيين عدم تمايزها عمّن يدور في فلك السلطة والنظام والسفارات... إلخ، كل ذلك خوفاً من غضب جماعة الإن جي أوز لاستمرار قبولنا في نادي الجمعيات. ولو دقّقنا مليّاً بالأبعاد الحقيقية لاستبعاد التحليل الطبقي والوطني واستبعاد مفهوم الحزب الثوري ومنهجه في التغيير، لوجدنا أن ذلك يؤشر، ليس فقط إلى ابتعاد الحزب عن هويته وبرنامجه باتجاه الإن جي أوز، بل يشكل بدايات انزلاق وجرٍّ للحزب نحو هذا المحور بالتعبير السياسي، بعدما كان تقاطعاً ضدّ السلطة القائمة. تعزّز تلك الشكوك إرهاصات مواقف تحتاج إلى تفسير، منها، على سبيل المثال، عدم التوقف عند التدخل الأميركي المعلن في الوضع اللبناني. وإذا ورد لماماً في تقرير سياسي أو تقييم يرد كما لو أنه لا قيمة له ولا أبعاد، ولا نجد في الممارسة حذراً في التعامل مع جماعة أميركا والتنسيق معهم، والأمثلة كثيرة. وإذا جرت مطالبة بالتحرك ضد الدور الأميركي في لبنان، يأتيك الجواب بأننا لا نحتاج إلى فحص دم، فنحن من أطلق المقاومة الوطنية باعتبارها فيزا تسمح لك بالعبور حيث تريد، حتى لو عملت الموبقات، تماماً كما كانت قوى 14 آذار تذكّرنا بأن الياس عطا الله كان أحد قادة المقاومة، وهو جالس على طاولة السفير الأميركي.
ولا نريد المبالغة بالقول إن قيادة الحزب ربما تعتبر أن الضغط الأميركي أيضاً يساعد الانتفاضة في معركتها ضد السلطة على غرار انخراط القوى الطائفية فيها، لكن ما يعزز تغلغل ثقافة اليسار الديموقراطي مع نكهة من فارس سعيد هو الإشارات التي توحي بالتمرين أو التمهيد للوقوف في خندق جديد إقليمي ودولي بمفاهيم إنسانوية، عبّرت عنها قيادة الحزب في أكثر من مناسبة، منها رفض المكتب السياسي إصدار بيان إشادة بالعملية الفدائية التي جرت في تل أبيب لأنها أدّت إلى سقوط مدنيين، ومثلها اقتصار موقف الحزب على تغريدة للأمين العام للإشادة بعملية القدس، وصولاً إلى عدم إصدار موقف علني حول الحرب الروسية - الأوكرانية حتى اليوم والموقف منها، إضافة إلى ما يجري اليوم من تغيّرات إقليمية ودولية تؤشّر إلى وضعية دولية جديدة مفتوحة على تعدد القطبية واهتزاز مكانة الولايات المتحدة وموقعها. وما جرى تقديمه حول هذا الموضوع داخلياً لا يعدو كونه أخباراً عن اللقاءات الصينية الخليجية وعدد الاتفاقيات الموقّعة، كقضية إخبارية لا تحمل أي موقف أو تحليل، وهذا إن دلّ على شيء فإنه يدل على شعور دفين بالاستياء مما يجري. ولما تحدثت قيادة الحزب لأول مرة عن الحرب الروسية الأوكرانية، ذيّلت تحليلها باستنتاج فشل المخابرات الروسية بتقدير حجم القوات الأوكرانية بما يشير إلى ورطة روسيا ولاحقاً هزيمتها، من ضمن الاعتقادات الراسخة بجبروت أميركا ونفاذ إرادتها، ورفض اعتبار أن سبب دخول روسيا الحرب هو استباق الحرب التي تعدّها الولايات المتحدة مع أوكرانيا، ما يضمر التبنّي لمقالة سمح الحزب بنشرها في مجلة «النداء» وعلى موقع الحزب في شهر آذار الماضي من أن هذه الحرب هي عدوان روسي على الشعب الأوكراني في سياق الصراع لإعادة التوازن بين الإمبرياليات الصاعدة.
7-أما في الشأن التنظيمي، فلم تكن هذه القيادة أقلّ إساءة للشيوعيين من الجانب السياسي، فهي تتعامل مع الآراء المختلفة عنها بصيغة العداء، وتعمل على إقصائهم من الحزب، ولا تتعامل معهم بصفتهم مناضلين داخل صفوف الحزب والقبول بهم حتى لو كانوا مختلفين أو معارضين، هكذا جرى مع منظمات الحزب في الضاحية وطرابلس، وقد أدى ذلك إلى طرد أو استقالة العشرات من الشيوعيين. وتستمر منذ سنوات عقلية العداء للاتحاد الوطني لنقابات العمال والمستخدمين ولقيادته، وبدل العمل على معالجة المشكلة واحتواء هذه القيادة ومساعدتها على تجاوز الثغرات، جرت محاولات استقواء عديدة بشيوعيين تركوا الحزب وانتقلوا إلى خيارات سياسية ومواقع أخرى.
8 ـ يرى المجتمعون أن هذا المسار من الأخطاء والتجاوزات والارتكابات هو بالضبط مسار انحراف عن خط الحزب وبرنامجه وطبيعته، وإذا ضممنا إليه مسار تعطيل عمل الحزب أشهراً وسنوات دون تحرك في مواجهة أعتى هجمة يتعرض لها الشعب اللبناني وفقراؤه، لوجدنا أن الحزب يجري تفريغه من مفهومه ودوره ووظيفته، حيث تقرأ أو تسمع ما يعجبك في وثائق المؤتمرات والبيانات وفي الخطابات، لتجد ما يدمع العين ويدمي القلب في ما تراه من ممارسة وسلوك وسياسة.
لذا يذكر المجتمعون بأن قيادة الحزب التي تنتخب في المؤتمر تأخذ شرعيتها الحزبية في قيادة عمل الحزب وتوجيهه، والنطق باسمه، بناءً على مهمتها المحددة في النظام الداخلي بأن تكون مؤتمنة على مقرراته الفكرية والسياسية والتنظيمية، وأن تسهر على تنفيذ تلك المقررات، وتعمل على تفعيل عمل الحزب في مختلف الميادين والمجالات، فلا يحق لها الخروج على هذه المقررات أو أن تمارس وفق قناعاتها الخاصة وفهمها الخاص، لأنها في ذلك تكون قد خانت الأمانة التي انتخبت على أساسها، وبالتالي تفقد شرعيتها القيادية والتمثيلية، تماماً مثلما هي حال قيادة الاتحاد العمالي العام المنتخبة من قواعدها العمالية، لكنها لا تمارس وفق المهام المؤتمنة عليها في الدفاع عن مصالح الطبقة العاملة وحقوقها.
لقد كشف المسار الذي تنتهجه قيادة الحزب على مدى السنوات السابقة أنها تمارس قناعاتها الشخصية وفهمها الخاص كأنها تيار سياسي داخل الحزب، وهي قناعات تختلف اختلافاً كلياً عما هو مقرّر في المؤتمر، فإذا كان كل رفيق لديه الحق في رأيه الخاص ضمن تنوّع الآراء داخل الحزب، فإنه ليس حقاً له في ممارسة العمل القيادي وفي توجيه الحزب كما يريد.
بناءً عليه، يدعو المجتمعون قيادة الحزب إلى تقديم استقالتها احتراماً لإرادة الشيوعيين في مؤتمرهم، أولاً، ووقف الخديعة، ثانياً، ووقف مسار الانحراف والتدهور الذي أدخلت فيه الحزب، ثالثاً، والدعوة إلى مؤتمر استثنائي يناقش هذه الخيارات السياسية والمستجدات الدولية والإقليمية والداخلية وتشكيل لجنة للإشراف على التحضير للمؤتمر وعقده في أسرع وقت، وينتخب قيادة جديدة تتعهد الالتزام بما يقرره المؤتمر.
9- يعلن المجتمعون أنهم ليسوا كتلة تنظيمية، أو فريقاً أو جماعة أو تياراً سياسياً داخل الحزب، إنما هم شيوعيون داخل الحزب، مناضلون في صفوفه، يلتزمون برنامجه السياسي ومقررات مؤتمره، تداعوا إلى اللقاء، بعدما لمسوا تساؤلات عديدة لدى الناس، وتململاً في قواعد الحزب التي هالها ما وصل إليه الوضع، للتباحث في سبل الخروج من هذا المأزق، وهم إذ يتوجّهون بندائهم هذا إلى الشيوعيين في القاعدة الحزبية والقيادات الوسطية ـ من ضمن حقهم في النشر ـ يأملون منهم العمل معاً لوقف هذا المسلسل المتمادي من الانحراف والخروج على ثوابت الحزب ومبادئه، هذا الإلغاء لمفهوم الحزب الطليعي والثوري وتقزيمه لتحويله إلى جمعية تابعة وملحقة بجمعيات الإن جي أوز، بكل ما تحمله من خلفيات ومرجعيات، وما تمثّله من تلاوين، والتي تصفها قيادة الحزب بمن يشبهوننا، ما يثير لدى الشيوعيين مشاعر الاشمئزاز والغضب لما أصاب قيادة الحزب من عمى ألوان، أو عمى بصيرة، لأن اللون الأحمر القاني، لون الثورة، ولون الدم، دم الشهداء، دفاعاً عن الأرض أو عن لقمة العيش، لا يشبه أبداً ولا يدنّس بمن ليسوا أصحاب قضية، أو مبادئ، يمالئون السلطة أو ينشدونها للوصول. فكيف بالذين ارتضوا لأنفسهم أبواقاً لدى السفارات ومرتزقة مال؟
أنتم أيها الشيوعيون في قاعدة الحزب، الذين رفضتم الخضوع للانهيارات، وتصدّيتم لمحاولات تغيير هويّة الحزب واسمه، وتمسّكتم بتراثه النضالي ودوره المقاوم، ونهضتم من بين الركام، أنتم ضمانة الحزب، أنتم قادرون على منع انحرافه اليوم، فالحزب أمانة بيد مناضليه.

«شيوعيون في القاعدة الحزبية»
بيروت، في 6/5/2023