شريان الأخوّة العربية إلى سوريا المنكوبة والمتدفّق من لبنان وفلسطين والعراق ومختلف الدول العربية، حكومات وشعوباً، منظمات وأفراداً، يتجاوز في أهميته البعد الإنساني إلى أبعاد قومية وإسلامية، أخلاقية وسياسية. فهو على الصعيد الإنساني تأكيد على عمق الروح الإنسانية في أمتنا، والتي تتجاوز، في عمقها ودلالاتها، كل محاولات التفرقة بين أبناء أمة واحدة، بل تؤكد أنّ أمّتنا لا تزال تولي الاعتبارات الإنسانية ما تستحقّه من اهتمام يتجاوز كل الحساسيات والحسابات الضيقة.
وهو على الصعيد الأخلاقي يعبّر عن مدى ما تتمتع به شعوبنا من وفاء تجاه سوريا التي سمّاها يوماً الرئيس الخالد الذكر جمال عبد الناصر «قلب العروبة النابض».
فالفلسطينيون، رغم ظروفهم الصعبة التي يفرضها عليهم الاحتلال، من عنف يومي وإغلاق مناطق ومخيمات وحصار مستمر منذ حوالي العقدين على غزة، لا ينسون أن الشيخ عز الدين القسّام جاء من جبلة، وأن سعيد العاص الشهيد على أرض فلسطين جاء من حماة، وأن مطران القدس المقاوم إيلاريون كبوجي جاء من حلب، وأنّ البحار الشهيد جول جمال جاء من اللاذقية، وأن سوريا بكل مناطقها فتحت أبوابها لعشرات الآلاف من الفلسطينيين الذين شرّدتهم نكبة 1948، وأن سوريا قدّمت آلاف الشهداء في معارك الصراع مع الاحتلال الإسرائيلي، وأن أبناء الجولان العربي السوري يشاركون الفلسطينيين عذابات الاحتلال منذ 55 عاماً، وأن المقاومة الفلسطينية انطلقت من قلب سوريا عام 1965، وأن سوريا بقيت أمينة على هذه المقاومة، فلسطينية أو لبنانية أو عراقية.
أمّا لبنان، فلا ينسى أهله تلك العلاقة المميّزة، بينه وبين سوريا، وهي علاقة مصير ومسار واحد، كما لا ينسون تضحيات الجيش العربي السوري على أرض لبنان في بيروت والجبل والبقاع والجنوب في وجه الاحتلال الإسرائيلي، كما لا ينسون كيف فتحت مدن سورية ذراعيها لمئات الآلاف من اللبنانيين في كل اللحظات الصعبة التي مرّوا بها خلال الحروب التي عاشها لبنان، ولا سيّما يوم اضطرّ الآلاف منهم إلى اللجوء إلى سوريا خلال حرب تموز 2006، فضلاً عن دور سوريا في احتضان المقاومة اللبنانية الباسلة، الوطنية والإسلامية، قبل التحرير وبعده.
أمّا العراقيون، فكيف ينسون موقف سوريا، شعباً وقيادة ورئيساً، في رفض الحصار والحرب والاحتلال عام 2003، والذي جسّده خطاب الرئيس بشار الأسد في قمّة شرم الشيخ في 1/3/2003، وكيف وجد أكثر من مليونَي عراقي في دمشق والمدن السورية ملاذاً آمناً لهم بعد احتلال بلدهم، وكيف واجهت دمشق تهديدات واشنطن للامتناع عن دعم مقاومة الشعب العراقي ضد الاحتلال، كما لا ينسى العراقيون لجان نصرة العراق في سوريا قبيل الاحتلال عام 2003، والتي كان يرأسها المناضل العروبي الكبير منصور سلطان الأطرش (رحمه الله) والتي عمّت كل الأراضي السورية.
وفي الجزائر، التي كانت طائرتها هي الأولى التي نزلت إلى مطار دمشق بعد الزلزال المدمر لتعبّر عن وفاء الجزائر لدعم سوريا اللامحدود لثوراتها التحررية، وآخرها عام 1954، وحيث توجّه العديد من شباب سوريا إلى معسكرات الثورة ليشاركوا أشقاءهم الجزائريين في ثورتهم التاريخية.
ومصر لا تنسى سوريا، الإقليم الشمالي في الجمهورية العربية المتحدة، وشريكتها في التصدي للعدوان الثلاثي على مصر، ودور أبطالها في تلك المواجهة (جول جمال وتفجير بارجة جان بارت) وقبله سليمان الحلبي الذي اغتال القائد العسكري البريطاني كليبر، فضلاً عن شراكة مصر وسوريا في نكسة حزيران 1967، كما في انتصار تشرين 1973، كما في يوم أزمة القمح عام 1976 حين تبرّعت سوريا بنصف مخزونها الاحتياطي لنجدة مصر المحاصرة آنذاك.
وتونس الخضراء لا تنسى موقف سوريا «يوم الجراد» الذي قضى على محصول القمح التونسي كله، فكان القمح السوري هو البديل.
وفي اليمن، كيف ينسى اليمنيون الطائرات العسكرية التي انطلقت إلى صنعاء يوم حصارها المشؤوم عام 1968، كما لا ينسى اليمنيون احتضان سوريا لثورتهم في جنوب اليمن ضد الاستعمار البريطاني.
أمّا شعوب الخليج والجزيرة العربية فلا تنسى مواقف سوريا إلى جانبها في العديد من الأزمات التي واجهتها عبر العقود الماضية، فيما لا تنسى دول المغرب العربي والسودان وقفات دمشق إلى جانبهما في معظم المعارك التي فرضت عليهم.
إنّ هذا التفاعل والتضامن العملي بين سوريا وأشقائها العرب وقضاياهم هو الذي جعلها هدفاً دائماً للحروب والفتن والحصار الاستعماري - الصهيوني عليها، والتي بلغت ذروتها في الحرب الكونية عليها وفيها، والمستمرة منذ 12 سنة، والتي لم تكن تستهدف تدمير سوريا الدولة والمجتمع فقط، بل علاقة سوريا بهويتها العربية، وهي التي كانت تدرك على الدوام أن العروبة ليست مجرد هوية ثقافية وتاريخية وحضارية لها فحسب، بل العروبة هي ضمان أمنها الاستراتيجي وأفقها الاقتصادي ونهوضها الحضاري.
وإذا كانت المساهمات من دول عربية وإسلامية وصديقة عبّرت عن مكانة سوريا في الإقليم والعالم، فإن المطلوب استكمال هذه المساهمات بالانخراط في المعركة العربية والإقليمية والعالمية لكسر الحصار على سوريا الذي حذّرنا منذ سنين من مخاطره وآثاره الضارّة على الشعب السوري، وجاء الزلزال المدمّر ليوضح فداحة هذه المخاطر والأضرار ويتسبّب بارتفاع أعداد ضحاياه ومشرّديه إلى أرقام كبيرة.
واليوم، تشكّل هذه الهبّة الشعبية العربية لإغاثة سوريا حقيقة أن سوريا بالفعل هي قلب العروبة النابض، وأنّ ما قدّمته لأشقّائها دون منّة أو استعراض لا يمكنهم أن ينسوه، وأن هذه الهبّة الشعبية العربية والإسلامية، ولأبناء الدول الصديقة، ستستكمل بمعركة إسقاط الحصار على سوريا، وإسقاط الهيمنة الاستعمارية والصهيونية على الأمّة والعالم.

* الرئيس المؤسّس للمنتدى القومي العربي