ملاحظة: لم أفضّل الكتابة عن هؤلاء، وأمثالهم وهم مثل عديد الحصى، إلا لُماماً. لأنني أعرف جذورهم منذ 2003 وجذور غيرهم قبلاً. كما أنني لست ضمن أي تنظيم، فالانشقاق أو الخلاف أو التناكف أو التضامن لا يعنيني، وبغير هذا لبقيت دون اعتراض على أيّهم وكنت من طراز «صرّح». ما يعنيني هو أثر أي من هذا على الوطن وأين يتموضع في محور المقاومة أم لا. أين هو من الصراع العربي الصهيوني من المشروع العروبي ومن مشروع الاستشراق الإرهابي لتدمير العروبة وطناً وشعباً.لذا، منذ سنين أرى أن أيّ فصيل مع المقاومة يجب أن يُخرج ممثله في اللجنة التنفيذية إلى الضاحية، وأن ينضم هو ومؤيدوه هناك إلى المقاومة. لكن كما قال مظفر النواب: «حرِّك بيت العقرب تخرج مكرهة». حرّكهم اللُّمام فجرى أن كتب أحدهم للمدعو خالد بركات فنشر هذا دون أن يلتفت إلى تاريخ موقفي من عزمي بشارة حيث بدأت النشر منذ 1994! كُتب لهذا ونسخ ونشر في جريدة «الأخبار» يوم 15 تموز 2022 بعنوان «عن عزمي بشاره وقفاه... في زمن السقوط الشامل».
ذات زمن، جاء الراحل إدوارد سعيد إلى مدينة الناصرة، أي عام 1996، وقام بدعاية انتخابية لعزمي بشارة لدخول الكنيست ومن ضمن ما قاله: «يحتاج الفلسطينيون إلى تفكير جديد». والتفكير الجديد، كما اتضح، هو الاعتراف بالكيان والانضمام له في دولة واحدة مع المستوطنين. وهذه مسيرة عزمي بشارة أو ما تم تسييره فيه. نترك للقارئ التقاط تقليد «المسار» لطرح سعيد وموقع عزمي بشارة في ذلك.
صدر كتابي «تحت خط 48 عزمي بشارة وتخريب دور "النخبة" الثقافية» عام 2016 في بيروت ثم في الأرض المحتلة. واضح أن من كُتب له ومن كَتب لمن كُتب له إمّا لم يقرأ كتابي عن بشارة، أو يكذبان بشكل مكشوف. فقد بدأت أنقد الرجل منذ 1994، انظر الصفحات من البداية حتى 103 وخاصة العناوين في الصفحات 33، 37، 40، 51، 61،64، 70، 89، 98، 103. نعم كتبت أنني أعرفه وكنا أصدقاء حتى كشفت تطبيعه. فلست مرتبطاً بمخابرات لأعرف الرجل أو غيره كما أن غيري مرتبط حقاً.
يتندّر من كُتب له أنني كنت «اكزدر» مع عزمي في رام الله. لا يا بطل، في القدس! أي مستوى هذا وأي بديل! كما كتبوا لك عن كتابتي «تفنيص» هل هذا حديث شخص لبناني أعرفه؟! نعم تفنيص مقارنة بمجلدات الديالكتيك التي أنتجتها أنت! المهم حين تعرف كل شخص أو مؤسسة كيف تتصرف؟ سيكشف الزمن كثيرين/ات موّلهم عزمي ودعاهم وللتغطية كتبوا ضده! الشطارة مش عيب. ويهمني هنا القول، أن هذه الأمور ليست شخصية بل مواقف، ولعل هناك أخطر من عزمي على الشعب الحذر منهم على الأقل.
هنا نجد جذور «المسار الثوري الجديد». فالبديل قد يعني ديالكتيكياً إمّا: التغيّر/التغيير، أو الردة إلى الوراء أو التطور. نترك للزمن تقييم هؤلاء. طبعاً الاستخدام المفرط لـ«ثوري» هي ماركة مسجّلة للتروتسك في خدمة الثورة المضادة من تحت العباءة. لعبوا في تخريب «الشعبية» منذ عقود. هناك سلامة كيلة وهناك جلبير أشقر، وهناك ميشيل فارشافسكي وتروتسك فرنسا. حتى الرفيق صلاح صلاح كتب لي منذ عشر سنوات يعاتبني بأن التروتسك ليسوا كما أرى. أعتقد بأنّه غيّر رأيه.
من حق أيّ كان أن يبحث عن مسار آخر وأن يوجه نقداً وتقييماً ثم نقداً... إلى أي نضال، حتى لو لم يكن ضمن المناضلين في هذا الإطار أو ذاك. فالشخص الذي كُتب له المقال ووضع اسمه عليه، خالد بركات، لم يكن، كما يتضح، ضمن أي نضال مشتبك حقيقي باستثناء تجوال في فضاء الغرب الإمبريالي، وهناك بوسع الجميع التفلُّت والمزايدة. أحد البدائل كان ما حاوله عزمي بشارة عام 2010 وجمع كثيرين من الشرفاء وخدعهم لتشكيل «م.ت.ف» جديدة. والغريب أنه كان يعلن أنه مع التطبيع وكانوا يترجّونه البقاء! وفشل المشروع (كتبت عن هذا وسجّلت فيديوهين).
والسؤال: ماذا يطرح البدلاء الجدد؟
أوّلاً: ليس شرطاً أن يكونوا مموَّلين من قطر عبر عزمي بشارة، فالانحراف قد يحصل بلا تمويل. هناك صهاينة عرب يدفعون مقابل تصهينهم/ن. لذا أن يقوم المكتوب له بالهجوم على عزمي لا يعني أن ذلك ليس اتفاقاً سرياً بينهما ولا سيما قد حصل كثير من النقد والقول بأن «تنعفله» بالمال هو من عزمي. أمّا أن ينشر ما كُتب له عن عزمي بشارة اليوم، أي بعد قرابة أربعين سنة من دور عزمي فهذا صمت مريب. عليه أن يُجيب. بالمناسبة، في زيارة لي لمرسيليا عام 1995 بعد مؤتمر ضد الإمبريالية رأيت بعيني عشرات من شباب قوى الدين السياسي الجزائريين بدون لحى وفي البارات. سألت حينها الرفاق فقالوا هذا للتخفِّي وجمع أموال من أسواق طويلة، مشيتها على قدمي، كلها للجزائريين البسطاء. فلماذا لا يتخفّى هذا بالهجوم على عزمي اليوم بعد أن ذاب بعض الثلج وبان بعض المرج؟
ثانياً: طبقاً لما آلت إليه القضية الفلسطينية، فالمطلوب أشد من الواضح. نعم «م.ت.ف» أصبحت دائرة صغيرة في سلطة الحكم الذاتي. لذا صار من مع المقاومة أن ينضم مباشرة إلى محور المقاومة لأن الاصطفاف واضح. فأين يقف هذا البديل؟
فمن قرأ بعض ما كتبه هؤلاء فهم:
1- من حيث الخطاب يستخدمون مفردات «الاستبداد» و«الشمولية» و«الديموقراطية» بالمعنى التروتسكي واليهو/صهيوني الذي اخترعته الصهيونية حنا آرندت وكلها موجهة ضد الماركسية وخاصة السوفيات والصين واليوم ضد سوريا وإيران. أمّا استخدام بشارة لهذه المفردات فلا يعني قط أنه مبدع النحت والاستخدام لأن الأمر أعمق منه وأوسع.
2- لم يرد في بيانات وأوراق هؤلاء أي انضمام إلى محور المقاومة لا شكلاً ولا مضموناً (هناك فيديوهات حوار عن هذا الأمر بينهم سأنشرها). وعليه، لا معنى لتكرار مفردات المقاومة والتحرير... إلخ طالما يلعب هؤلاء خارج الموقع والموقف الحقيقيين للنضال إلا للتعمية. ذاب بعض الثلج.
3- ما ورد في كتاباتهم ضد سوريا يؤكد أنهم ضمن محور الاستشراق الإرهابي، إرهاب قوى الدين السياسي (لاحظ هنا بطعم متمركس لزوم التخفي). سوريا هي الهدف للثورة المضادة، ورغم إشكالات النظام كافة فهو قومي وعروبي ووطني وأي تخندق ضده هو ضمن الثورة المضادة وضد المقاومة. وأخطر وقوف ضد سوريا هو من أي فلسطيني لأن لا أحد ذاق معنى ضياع الوطن مثلنا!
4- النضال الفلسطيني اليوم بمعناه الحقيقي هو: أ. نضال سرّي في الأرض المحتلة.
ب. وانضمام علني في الخارج إلى محور المقاومة. ب. ونضال فكري ثقافي من الجيل القديم المكشوف على شكل منتديات، صحافة، إعلام، جمعيات، كتب... وعليه، فتشكيل تنظيم وتسميته بديلاً خارج هذه الأسس وفي المنفى وبمؤتمرات علنية وبذخ مالي فذلك يعني بديلاً كما أسّس إدوارد سعيد وعزمي بشارة. فهل سيخطف هؤلاء طائرات؟ وهل سيحررون لندن وواشنطن وصولاً إلى حيفا! ألا يطرح الإرهاب «تحرير» سوريا وصولاً إلى القدس؟ ومع ذلك، ننتظر ونرى ونتمنى أن نكون على خطأ.
5- ورد في أوراقهم دفاع عن المثليين (حرية الجسد). كما كُتب لمن وضع اسمه على المقالة في «الأخبار» ووجه الإهداء إلى الراحل سماح إدريس. جميل. سماح وقف علانية ضد سوريا، ولم يتراجع بشكل نقدي وحقيقي مثل كثيرين في اليسار، ما يؤكد أنهم من هذا الاتجاه. وتزلُّف سماح للمقاومة ليس سوى تمسُّح بالمقاومة اللبنانية للتخفي. وسماح طالما نشرت مجلته «الآداب» خطاباً واضحاً للمثليين. وللعلم، فإن من يحمل لواء المثليين هو اليسار التروتسكي الصهيوني على صعيد معولم. اقرأوا النظام الداخلي لهم فالمثلية قبل الطبقة. وبرأينا، حرية الجسد ليست حرية الجسم. الجسد مفهوم روحي ثقافي إنساني، أمّا الجسم فأدنى بما هو مادي. ومع ذلك، لا يعرف أحد كيف يبيع أحد جسمه أو يبادله مع غيره، هو أو هي، ولكن لماذا علينا ترك النضال الطبقي والاشتراكي والتحرري ضد الإمبريالية لنُرغم على تقديس من يعرضون أجسامهم لمبادلات سوقية سواء تجارية أو لذّية؟ هل هذا ما تحتاجه إليه فلسطين! لماذا لا يبقى تداخلهم سرّياً بينهم! أذكر عام 2003 في كندا حيث دُعيت لنشاط العودة (التقيت من كُتب له المقال في «الأخبار» وسأفصّل في ذلك) جلست في مقهى بجانب مجموعة يناقشون المثلية ومنهم السيد مغير الهندي وهو الذي أرسل لي دعوة المشاركة في العودة. ولكنني لم أتدخل، سألني مغير لماذا لا تتدخل؟ قلت هذه أمور شخصية أنا ضدها كما قال كاسترو، ولا أقبل الانشغال فيها.
6- سماح إدريس، كما يبدو، مؤسس للمسار البديل، هذا هو من فريق الـ «بي.دي.اس» وهنا يجب الانتباه. فهذه الحركة هي محاولة بديل للحق الفلسطيني، أي بديل للكفاح المسلح بديل للتحرير ليكون مطلب الفلسطينيين أو مشروعهم ليبرالياً، ناعماً، متعايشاً تحت الاحتلال في دولة أسمّيها «دولة لكل مستوطنيها». لذا ضخَّم الغرب هذه الحركة بشكل مقصود تماماً كعادته في إشهار أدواته من العالم الثالث/المحيط. مثلاً، عزمي بشارة معروف ألف مرة لدى الغرب أكثر من سمير أمين وأنور عبد الملك. وجرى إشهار صادق العظم أكثر بعد أن عاد سُنياً ومع ثوار «الناتو»...
7- لم أقرأ في كتابات أهل المسار أي طرح تحليل فكري اقتصادي اجتماعي طبقي ولا حتى غير طبقي للصراع العربي الصهيوني ولا للمسألة القومية ولا للشتراكية فما بالك بالاقتصاد السياسي. هل هذا لانشغال هذا المسار؟ ولكن في ماذا؟ هل المثلية أهم من موقف فكري سياسي ثقافي...
هذا يفتح على الشخص نفسه. أعرف خالد بركات منذ عام 2003 حينما دُعيت لنشاط العودة في فانكوفر، استضافني في بيته وكانت هناك زوجته سيدة محترمة من غزة نسيت اسمها وكذلك أخته. وخلال بضعة الأيام تلك تمكّنت من معرفة شخصيته: فهو فكرياً، وهذا ما يهمني، خفيف جداً، أو بدون ما خلا شعارات سياسية سهلة الهضم والتخلٌّص. دعك من كلمة ماركسي أو ثوري. لم يطرح أية قضية فكرية قط. بل حتى لم يطرح مصير الصراع وهذا يعالجه الأمّيون. والمضحك أنه كان يحاول إقناعي بالعودة إلى الجبهة الشعبية وكأنني لا أعرف أين هي سوى في بيته (سأكتب في مذكّراتي عن الجبهة). أفهمته أنني من مؤسّسي الجبهة وأحبّها، هكذا بوضوح وأنا الطبعة الأصلية لها، لكن هذه الطبعة ليست هي الآن. هذا من ناحية، ومن ناحية أخرى المهم الإنتاج الفكري وخلق الوعي النقدي وهذا ممكن خارج إطار أي تنظيم وخاصة في عمر ما. وبالمناسبة، قلت هذا في محاكمتي ضد التطبيع حين عُرض عليّ تشكيل حزب فقلت في هذا العمر لا، ومن يريد الاستفادة فكتبي عددها 30، فليأخذ منها ما يرى.
ماذا عن فتى الموساد؟ فالذي كُتب له المقال متضايق لأنني أسميت عزمي بشارة فتى الموساد. جميل حين يضطر العقرب للخروج من وكره. إليك التالي: حدّثني الصديق مراد السوداني، رئيس اتحاد الكتاب، أن أحمد أشقر (من بلدة إكسال/الناصرة) زاره قبل 4 سنوات في رام الله طالباً منه طباعة كتابين للمذكور. خلال الحديث ذكر أشقر بأنه هو والمدعية ضدي في محكمة التطبيع وعزمي بشارة يعملون ضد عادل سمارة. هناك يا فتى أكثر من فتى سأخبرك بهم قبل أن تغفو! قبل اغتيال نزار بنات جاء خصيصاً إلى مكتب «كنعان» في رام الله وقال لي إن عزمي بشارة يشتغل ضدك دير بالك. فلماذا يزعجك موقفي من عزمي بشارة يا سيد بديل؟ نعم أنا كشفت عزمي، وكثير من الفتية والأنجزة والتطبيع ودولة مع المستوطنين، ولذا أفهم عش الدبابير ضدي لماذا لم تكتب أن أحدهم كان يقول للمحامي أنس برغوثي: «عادل سمارة مثلي الأعلى»، فوظّفه عزمي بشارة فكتب هو وتافه آخر، عادل سمارة قبض من سوريا 11500 دولار! أضف هذه إلى أرشيفك.
ولكن قال لي المتنبّي ذات زمن: «وقفت وما في الموت شك لواقفٍ... كأنك في جفن الردى وهو نائمُ/ تمرُّ بك الأبطال كلمى هزيمة... وَوَجْهُكَ وَضّاحٌ وَثَغْرُكَ باسِمُ». لكن من يمر براغيث.
يتهكّم من كتبوا له على سوريا والمقاومة بأن عزمي كان في أحضانهم في سوريا والضاحية... نعم، ولكن أنت وكل من يلتفّون حولك ومعظم الصحافة والفضائيات التي ترتبط بالمقاومة ومن كتبوا لك ونسخت: كم كلمة كتبتم نقداً لعزمي بشارة، لمشروع عزمي بشارة، على مدار قرابة أربعة عقود، وعن علاقته بالشام والضاحية؟ ولا كلمة! هل هذا هو المسار البديل! هل لم يكن الرجل صاحب مشروع تخريبي للتنظيمات والثقافة وخاصة «الشعبية» إلا يوم أمس فصار له وجه وعجيزة؟! نعم هناك لكل واحدٍ لجام من دولارات. وسيأتي يوم يتكشف كل هذا. فمشروع تخريبي تطبيعي نفطي كهذا لا يمكن قبول الصمت عنه وكأنه حسن نية أو جهل. هذه قضية أمّة، ومرة أخرى، ليس عزمي وحده بل كُثر.
بالمناسبة أخيراً يركز عزمي ضد «فتح». يبدو انتهى من اليسار. أنت تذكر يا من كتبوا لك المقال أنك تمكنت من خداعنا أنا والرفيق مسعد في «كنعان» الإلكترونية في بداية هذا القرن. لكننا اكتشفنا أن في رأسك موَّالاً! وقمت بسرقة بعض ما نُشر في «كنعان» لنشرة لك. ولم أناقشك فيه يوم التقينا في فانكوفر لأنني كنت قد وضعتك في خانة ما. فقررنا قطع العلاقة بك. من حينها تأكدت أن لك طموحَ انتفاخ سياسياً، وحين حصل لم أستغرب. لست معنياً بخلاف داخل «الشعبية» معك أو مع غيرك، أنا لست ضمن التنظيم. إنما أزعم أن تقييمي عنك دقيق.
بالمناسبة، هذا المسار لم يقل كلمة ضد محاكمتي ليس من أجلي وإنما لأن الموقف ضد التطبيع! فلماذا؟ بل السؤال لكل من لم يعط موقفاً أو كلمة من قضية عامة كهذه؟ والمهم، أن هناك في القضاء كما في كل قطاع فلسطيني شرفاء أظهروا الحقيقة، وخاصة اتحاد الكتاب، بينما قوى وقيادات كانت تلعب في الخفاء! وتلعب اليوم مع من كُتب له المقال ضدي.

إضافات:
قد لا يتّسع المكان للكثير ولكن بإيجاز: «اليسار» الصهيوني، من يخجل من ماضيه، هو لا تاريخي، ولا سيما أن الإنسان تاريخي. بدأت باعتزاز وطنياً مع القوميين العرب ولاحقاً مع «الشعبية»، واختلفت قبل تبنيها الماركسية وجرّبت «الشيوعي» لأشهر ثلاثة بعد السجن الأوّل ثم «الديموقراطية» لسنتين ولكنني حافظت على كوني عروبياً وشيوعياً. فليس المهم الإطار بل المهم مضمونه والأهم أن لا يساوم المرء على القناعة بل أن يبدأ وطنياً وهكذا بدأت.(سأكتب هذا تفصيلاً). لم أقبل أن أكون حجر شطرنج أبداً.
من يعش في الأرض المحتلة يحتكّ بكل الصهاينة شاء أم أبى فهم في كل شبر، والسؤال: هل يعمل معهم بشكل مشترك؟ وأين ينتهي موقفه منهم ومن كل الكيان. في السنوات الأولى للاحتلال أشغلتنا الماركسية في قراءة الاحتلال. قال فهمنا الأولي الساذج ماركسياً أن المهم الاشتراكية وليس الصراع على الأرض وهذا ما جعل التواصل مع اليسار الذي لم ندرك أنه صهيوني كأنه أمر عادي! كان هذا بسبب:
1- غياب أي فهم لنا من تنظيماتنا وفقر تحليل مفكرينا عن الكيان «ويساره» ويمينه وكان علينا اكتشاف كل شيء من الصفر. وكان لا بد من التخبط.
2- تأثير المدرسة السوفياتية في الاعتراف بالكيان بلا مواربة.
3- انفتاح كل تنظيم فلسطيني على صهاينة: الشيوعيون على «راكاح» بل حتى اليوم يعتبرون الاعتراف بالكيان براءة اختراع، و«الشعبية» على «متسبين» التروتسك بمعرفة الحكيم وقراره، و«الديموقراطية» على «معاً» بمعرفة حواتمة وقراره و«فتح» على «حزب العمل» بمعرفة أبي عمّار وقراره والأكاديميين على الأكاديميين... بمعرفة كل الأكاديميين. وطبعاً رأس المال على رأس المال، وحتى اللصوص على اللصوص، وقد شاهدتهم في سجن الرملة وهم إلى المحكمة بتهمة السرقة المشتركة!
بعد السجنة الأولى، أي عام 1973، ولاحقاً حتى عام 1977 في عملي في جريدة «الفجر» تعرّفت إلى الشيوعيين أعضاء الكنيست في جريدة «الفجر»، إميل توما، إميل حبيبي، توفيق زياد، ثم سميح القاسم... لم تكن ثقافتي ووعيي بتلك الدرجة لكنني كنت أتساءل كيف يدخل توفيق زياد الكنيست.
في عام 1982 أو بعده بقليل كما أذكر طلبت مني «الشعبية» أن أدخل عضو مجلس أمناء مركز المعلومات البديلة كصديق. المركز كان كما عرفت بتمويل من الجبهة لجماعة «متسبين» التروتسكيين باعتبارهم «ثوريين»، وافقت وخلالها تعرفت إليهم بشكل أولي وخُدعت بكتابهم عن شرق أوسط اشتراكي. لم أفهم أن المقصود منه:
• لا للقومية العربية حيث مر الأمر بخبث.
• كما جوهره أن الكيان باقٍ!
وهذا استغلّه الشيوعيون وزعموا أني تروتسكي. ثم سافرت إلى بريطانيا 1984 لإنجاز الدكتوراه.
عدت 1987 في أكتوبر، لكن رفضت العودة للمعلومات البديلة حيث أخذ تصوري للكيان و«يساره» والتطبيع بعداً أعمق. عام 1995 أصرت «الشعبية» أن أعمل مديراً لمركز المعلومات البديلة في بيت لحم بواسطة وليد سالم، وافقت بالتخجيل وأصررت على أخذ نصف راتب، وهناك رأيت التطبيع بوضوح ودخلت في معركة مع العرب واليهود واستقلت قبل إكمال السنة وكتبت لهم ورقة طويلة عن التطبيع الذي شاهدته وكان في مجلس الأمناء إسرائيليون وفلسطينيون من «الجبهة» وآخر من «الديموقراطية».
حينها اكتشفت العلاقة بين عزمي بشارة وميشيل فارشافسكي مسؤول التروتسك وأعضاء من حزب عزمي «التجمع الوطني الديموقراطي» هنيده غانم ومحمود محارب... وخلال تلك الفترة اكتشفت الأنجزة، فالمعلومات البديلة أصبحت منظمة أنجزة مموّلة من الاتحاد الأوروبي والتروتسك. وفي الـ 11 شهر التي عملتها اتضح أن فارشافسكي سارق أكثر من ربع مليون دولار، وطالبت مجلس الأمناء العرب واليهود بمحاسبته وأصررتُ على ذلك واستقلت ولم يُحاسب (بوسع الرفاق من «الشعبية» الذين كانوا في مجلس الأمناء الحديث وأنا أعرفهم).
عملت في «يو أن دي بي» من عام 1991 إلى عام 1993 مديراً لمركز دراسات الجدوى لأكتشف أنها فاسدة وضد التنمية فكتبت ضدها في جريدة «الشعب» حتى قبل الاستقالة ثم استقلت.
وعملت سنة مستشاراً اقتصادياً في «أونروا» ولأنّي رفضت المشاركة في محادثات بروتوكول باريس جرى تذويب وظيفتي.
تعرفت في لندن إلى War and Want كمؤسسة «تنموية» للعالم الثالث وجاء ممثلها وعرض عليّ إدارة فرع لها باسم Cooperation for Development وعملت أقل من سنة حيث حاولت تحويلها إلى مؤسسة محلية وعيّنت مجلس أمناء منهم عبد اللطيف غيث كما أذكر، لكن المؤسسة الأم رفضت فاستقلت.
حينما جرت انتخابات 2006 وفازت «حماس» وكنت متزوجاً بعناية منذ عام 1975، ولم تكن قد حصلت على جمع شمل لأن جنسيتها أميركية، وحين خرجت إلى الأردن لتجديد إقامتها منعها العدو من العودة وبقيت في أميركا تسعة أشهر، هذا مع أنها ليست ناشطة سياسياً وليست «حماس» طبعاً، وحينها شكّلنا لجنة للدفاع عن الأميركيين الفلسطينيين ونشر ذلك الإعلام العربي والصهيوني ونشرت عميره هاس عن زوجتي بموافقتي طبعاً في جريدة «هآرتس». ومنذ زواجنا 1975 وحتى 1995 لم أفكر في جنسية أميركية إلا بعد أوسلو حيث خشيت الطرد وفعلاً اعتُقلت على بيان العشرين 1999 وحوكمت لصالح التطبيع من عام 2016 إلى عام 2022. ومع ذلك كتب «فتى» المحرقة أنني أخذت الجنسية الأميركية في ظروف مشبوهة مع أنه يعرف عناية جيداً. جميلة الحرب مع الفتية! لكن، اطمئنوا، لا تستحقوا أكثر ولن أصرف عليكم شيكلاً ومن بعد.
وبعد: في النضال الوطني أمام المرء أكثر من تحدٍّ، لكن أهمها اثنان:
• أن يجد أمامه رواداً عبَّدوا الطريق الفكري والنظري فيدخل المسيرة على وضوح ووعي.
• أو أن لا يجد سوى أن هذا عمل وطني، وعليك أن تقرأ وتعرف وتواجه كل شيء من الصفر.
نحن في الأرض المحتلة وخاصة بعد 1967 وجدنا أنفسنا في لُجة الاحتلال. وكنت ممن دخل الكفاح المسلح فوراً. وهذا المستوى الوطني الصحيح. لكن خلال السجن وبعد الخروج، كانت المعضلة كيف تُميز التعقيدات؟ احتلال، مزاعم تقدمية، قمع، نهب الأرض، علاقات بين القوى وقوى من الكيان... لم يكن مفهوم التطبيع مطروحاً. كان فقط في داخلنا شعور بعدم التعايش لا أكثر. تعرفت إلى التطبيع في سنواتي في لندن 1984-1987. من خلال الحركة الوطنية المصرية. وهذا أضاف إليّ وضوح موقف.
باختصار، من يزعم أنه كان يفهم كل هذه التعقيدات سلفاً فليقل، وأين هو! كان لا بد من التعثر في تلمس الطريق، ولكن في النهاية، بقيت عروبياً وشيوعياً وضد التطبيع والمطبّعين. ولا أعتقد أن أحداً يمنع من تورّط في التطبيع أن لا يراجع ويعتذر سواء كفرد أو حزب أو نظام. أمَّا وكل الأمور واضحة اليوم فمن لا ينخرط في محور المقاومة، فهو في محور الثورة المضادة مهما استخدم من مساحيق. هذا هو، وإن عدتم، لا تستحقون أن نعود.

* كاتب عربي - رام الله