غريب أمر المتربّصين بالمؤتمر القومي العربي منذ تأسيسه، كم يكيلون له من التهم المتناقضة. فإذا وقف المؤتمر ضد تدمير العراق واحتلاله اتُّهم بأنه تابع للنظام العراقي آنذاك، وأن أركانه قبضوا الملايين من الدولارات. وإذا وقف إلى جانب الشعب الفلسطيني وسلامته وأمن مخيماته ووحدة قواه، اتُّهم بأنه «عرفاتي»، وإذا وقف ضد الحروب على غزة وساهم أعضاؤه في حملات كسر الحصار على القطاع المحاصر قالوا عنه بأنه «حمساوي»، بل و«إخواني». وإذا حذّر منذ البداية من مخاطر الحرب على سوريا وفيها، وسعى أركانه لإطلاق حوار بين النظام والمعارضة السلمية جرى اتهامه بالتبعية للنظام. وإذا عارض الحرب على اليمن، وفيه قيل عنه بأنه مع «الحوثيين» رغم أن بين أعضائه وأمانته العامّة ممثلين لأطراف يمنية عدّة بينها من يناوئ الحكومة في صنعاء. وإذا دعا لقيام كتلة تاريخية بين تيارات الأمة المركزية اتُّهم بأنه يسعى إلى تسلّل««الأخونة» ومن خلفها إردوغان إلى الساحة العربية. وأخيراً، وليس آخراً، إذا وقف مع المقاومة في فلسطين ولبنان وضد التطبيع والمهرولين نحوه بات مؤتمراً إيرانياً وفارسياً.وإن دلّت هذه الاتهامات المتناقضة على شيء، فإنما تدل على سلامة الخط الاستقلالي المعتمد من قِبل المؤتمر، الذي ليس حزباً أو تنظيماً سياسياً، بل إطار تلاقٍ وحوار ينعقد مرة كل عام ويتداول أعضاؤه في «حال الأمّة»، ثم يصدرون مواقف يتّفقون عليها، ويعذر بعضهم بعضاً في ما يختلفون عليه، ويسعى أعضاؤه من مواقعهم إلى ترجمة المواقف إلى مبادرات عملية.
إن هذه الحملات المبرمجة على المؤتمر ومؤسّسيه والمؤسسات المنبثقة عنه منذ تأسيسه هي في جوهرها حملات على العروبة النهضوية التحرّرية الجامعة التي ظنّ كثيرون أنهم نجحوا في القضاء عليها، كما أنها شهادة على تأثير هذا المؤتمر المعنوي في حياة الأمّة رغم كل ما يعانيه من حصار سياسي وإعلامي ومالي. تماماً كالشهادة التي نالها المؤتمر يوم وضعوا اسم الأمين العام السابق له (الأستاذ معن بشور) على لائحة المطلوبين من قبل الاحتلال الأميركي في العراق في مثل هذه الأيّام من عام 2006، وقبل أيام من عدوان تموز 2006، في محاولة لإرهاب المؤتمر وتجميد عمله خلال فترة العدوان.
ورغم كل شيء، فالمؤتمر مستمر في أداء دوره المتواضع، والمئات من أعضائه حريصون على تجشّم عناء الحضور إلى دورته من أقاصي الوطن العربي والمهاجر، متحمّلين نفقات سفرهم وتكاليفه، في تجربة وحدوية باتت فريدة في زمننا العربي الراهن.
أيّها المتحاملون على المؤتمر القومي العربي ارسوا على برّ في اتهاماتكم لمؤتمر لا يحرّكه سوى التزام أعضائه بالمشروع النهضوي العربي. إن مؤتمراً ساهم في تأسيسه عدد من قامات الأمّة الكبار الراحلين، كخير الدين حسيب، وعبد الحميد مهري، وضياء الدين داود، وأحمد صدقي الدجاني، وجمال الأتاسي، ومحمد المسعود الشابي، وجاسم القطامي، وجوزيف مغيزل، لا يمكن إلا أن يبقى منارة وحدوية مستقلّة تسعى لنهوض الأمّة وبناء الجسور بين مكوّناتها.

* عضو الأمانة العامة للمؤتمر القومي العربي،
الأمين العام لمخيمات الشباب
القومي العربي سابقاً