دخلت الثورة الإسلامية في إيران اليوم عامها الثالث والأربعين، حاملةً معها إيران على جناحِ التنمية والتطوّر التصاعديّ، نحو طورٍ جديد ومرحلةٍ كان السيد القائد قد أعلنَ بدايتها وتنبّأ بملامحها عند انطلاقة الأربعينية الجديدة، من خلال بيانه عن الخطوة الثانية للثورة. دخلت الثورة اليوم طورها الثاني، وهي الحدث الواعد الأبرز خلال انطلاقته، والمنعطف الأعظم في مسيرة دول المنطقة، الذي غيّر مسار الأحداث وما آلت إليه من نتائج حتى اليوم. إيران القوة والعلم والفكر والثقافة والتقنية والصناعة والزراعة والطب اليوم، لا تشبه إيران ما قبل هذه الثورة، حيث كانت كما الكثير من الدول اليوم، تعتمد على تبعيّتها للغرب وتقتاتُ وتتغذّى على سياسة الاستهلاك والاستيراد معتمدةً على علاقاتها بالدول الكبرى. هذه الدول التي أثبتت أن لا صديق لها وأنها لا تعترف بأيّ استقلالٍ لأي دولةٍ في المنطقة لأنّ سلطتها وهيمنتها تخطّت حدود الغطرسة والاستكبار.
والإمام الخميني قدس سره، لم ينعت هذه القوى المهيمنة بالاستكبار عبثاً، فهو كان صاحب البصيرة والحكمة الذي رأى بوضوح ما سوف تعاني منه المنطقة في حال بقيت على سياساتها السلبية المستسلمة أمام ظلم المحور الصهيو أميركي وطغيانه. واليوم، نحن نرى بوضوح ازدهار البلاد التي سلكت خطّ التطبيع وظلّت تابعةً تمدّ يدها إلى الغرب فيختار لها مصيرها وسياساتها، بينما نرى البلدان التي تحاصر وتفرض عليها العقوبات ويقتل أطفالها وتسلب منازل الناس فيها فقط لأنها اختارت نهج المقاومة والتحرير والكرامة.
عرف الإمام وتنبأ لنا بهذا المصير، فعملَ على رسم خطوطٍ عريضةٍ للثورة، تبقى ثمارها لأنها مبنيةٌ على العقيدة والإيمان والتوكل على الله. فأخذ بيد بلاده حتى ازدهرت وبلغت اليوم حدّ الاكتفاء الذاتي في كافة ميادين الصناعة والعلم والزراعة والطب والهندسة والنانو والتقنيات المختلفة... لا أحد يمكنه أن ينكر اليوم درجات العلم والتقنية التي وصلت إليها إيران باعتمادها فقط على أبنائها وثقتها بهم وبما لديها من موارد طبيعية وأرضٍ بكرٍ يمكن للعقل الإيراني أن يستثمرَ فيها ويعيشَ في وطنٍ حرٍّ مستقلّ لا يحتاج أحداً.
هذا النهج لم يرسمه الإمام لإيران فقط. بل رسمه للعالم الإسلامي ودول المنطقة ليسيروا عليه، ويكون الشرق قوياً قادراً على توظيف أدمغته وموارده الطبيعية والبشرية في سبيل الارتقاء إلى ما يسمّى بالدولة القوية. لكن التاريخ سار مساراً مختلفاً، وسارعت دولٌ كثيرةٌ إلى نيل الرضى من الأميركي والصهيوني، ووضعوا ثقتهم في المكان الخطأ.
لقد كانت هذه الثورة بمثابة البركان الذي أعاد المجد الإسلامي وتحدّى العدوّ الأجنبي وظلّ متجدّداً ومتأججاً حتى اليوم، بل اليوم أكثر من الأمس. لأن الحاجة إلى الاستقلال عن كل أنواع التبعيات باتت أعظم وأوضح. إنها ثورةٌ أثبتت قدرتها على مواكبة أحداث العصر بكل ما فيه من تحدّيات وأحداث طارئة، لأنها تحمل الكثير من الأطروحات والمشاريع وتدعم كل ما يهدف منها إلى النهوض بالأمم.
لقد كانت المشاركة الشعبية في السياسة وفي اتخاذ القرار أبرز ملامح الحركة الديموقراطية التي أطلقتها الثورة في إيران، بعدما تصلّبت الأنظمة الملكيّة وأثبتت فشلها وإخفاقها في حكم الأمة وإدارة البلاد. فكان خروج إيران من زمن الانحطاط إلى زمن الحداثة الوهمية والتبعية في العهد البهلوي. وتفاقم الفساد حتى شاءت إرادة الشعب واستعداده أن يصلَ الإمام كالشمس في وسط العتمة، وينتشل البلاد من مستنقع الشتات وضياع الهوية إلى آفاق النور والنهضة والإصلاح حتى تحقيق السيادة.
نبارك للأمة في عيدنا الوطني، وفي عشرة الفجر، هذا الفجر الجديد، نهنئ كل الدول الصديقة بهذه التجربة المباركة والفريدة، لأنها تجربتهم كذلك ولأنّ خيرنا هو خيرهم وقوتنا قوتهم ومقاومتنا تضمن لهم السلم والأمان والسيادة، كما تفعل مقاومتهم لنا.

* المستشار الثقافي الإيراني في لبنان