توجّه عدد من الطلاب الفلسطينيين في مناطق مختلفة من العالم بالمطالبة بإعادتهم إلى وطنهم، في ظلّ ما حدث بسبب تبعات انتشار فيروس «كورونا» المستجد. منهم طلاب ومنهم غير ذلك، خصوصاً بعد انتهاء العام الدراسي الحالي مبكراً في العديد من دول العالم العربية والأوربية وفي أميركا وروسيا ومحيطها وغيره. توجّه بعضهم برسائل إلى الرئيس الفلسطيني والسلطة الفلسطينية، وآخر,ن إلى السفارات المعنية كالأردنية واللبنانية في مختلف المناطق، ليُردّ عليهم بأنهم ليسوا أولوية على قوائم المعنيين بعودتهم. ولتفسير عدم «أولويتهم» غير المبرّرة، واستغلالاً للموقف، سنقوم بعرض «حالات» الفرد الفلسطيني وأسباب أولوية غيره عليه! كذلك إن سنحت لنا الفرصة لعمل استبيان يتعلّق بعدد المرّات التي يتم فيها سؤال الفلسطيني عن شكل أوراقه، سنجد أنها غير منتهية ومتكرّرة باستمرار. وعليه، من المجدي أن نشير إلى أنّ اللافت في قضية الطلّاب الفلسطينيين هو أنهم جميعاً ليسوا ذوي حالة واحدة، بل متعدّدو الأوراق وأشكالها، ولا يوجد ممثّل واحد وشرعي بالكامل لتحمّل المسؤولية الكاملة عنهم في المغترب، سوى السلطة الفلسطينية، التي لم تملك القدرة على إعادة مواطني الضفة الغربية، وهو أضعف الإيمان.يتميّز الفرد الفلسطيني ـــ وهي ليست ميزة ـــ بحيازته خمسة أشكال قانونية على الأقل. هناك حالة الفلسطيني المقدسي، وحالة مواطن الضفة الغربية، وحالة مواطن قطاع غزة، وفلسطينيو أراضي عام 194، وفلسطينيو اللجوء ذوو الحالات المتنوعة. ونبدأ بتفصيلهم كالتالي:
ــ الفلسطيني المقدسي: يستحوذ الفرد الفلسطيني المقدسي على وثيقة سفر تقدّمها له دولة الاحتلال، ذات خانة جنسية أردنية، وتغيّرت حالياً لتصبح «غير محدّد» Undefined. كما يحق له حيازة جواز سفر أردني مؤقت يتمّ تجديده كل خمس سنوات، بدون ما يُدعى بالرقم الوطني، أي أنه يبقى دون اعتباره ذا جنسية أردنية، كحالة عدد آخر من الفلسطينيين المقيمين في الأردن أو العائدين إلى الوطن. وفي هاتين الحالتين، المسؤول المباشر عن الفرد المقدسي، يتمثل بالسفارة الأردنية في الخارج، كونه يملك جوازاً أردنياً ذا درجة ثانية، وبالتالي هو غير أولوية. بالإضافة إلى دولة الاحتلال، التي لن تنظر في أمره، كونه ليس مُدرجاً ضمن لائحة أولوياتها أصلاً.
ــ فلسطينيو الضفة الغربية وقطاع غزة: يمتلك فلسطينيو الضفة الغربية جواز سفر فلسطينياً، كما هي حالة مواطني غزة الذين كانوا يملكون بالإضافة إليه وثيقة سفر تصدرها السلطات المصرية. بدأت السلطة الفلسطينية بإصدار الجواز الفلسطيني بعد اتفاق أوسلو، مع غياب خانة للجنسية في جواز السفر، ويعتبر من جوازات السفر الضعيفة في العالم. إنّ فارق مكان السكن على جواز السفر يُصعّب على مواطن غزة إمكانية السفر بحرية أكثر، (نسبياً) من فلسطينيي الضفة الغربية أو فلسطينيي القدس. فمثلاً، وللسفر إلى الأردن، أو عبرها، يحتاج إلى ورقة عدم ممانعة، أي أنه خالٍ من أيّ موانع أمنية، إلى جانب جواز السفر الأساسي. كما أن إمكانية سفره تبقى محصورة بتصاريحٍ لحالات طبيّة طارئة أو دعوة من مؤسسات أهلية أو حكومية أو دراسة والتي بدورها غير ملبيّة بالضرورة. فالمواطن في قطاع غزة لا يمكنه التحرّك خارج القطاع، كما لا يحق لمواطن الضفة الغربية التحرّك إلّا في حدود الضفة الغربية، أي أنه محروم من زيارة القدس وباقي المناطق المحتلّة منذ عام 1948 إلّا بتصاريح تصدرها له دولة الاحتلال بموجب العمل أو العلاج الطبي أو زيارة الأقارب، وهي غير ملبية بالضرورة أيضاً.
تجدر الإشارة إلى أنه في ثمانينات القرن الماضي، بدأت السلطات الأردنية بإصدار بطاقات سفر ملوّنة لتمييز فلسطينيي الضفة الغربية عن فلسطينيي الضفة الغربية الذين انتقلوا إلى الضفة الشرقية في الأردن، وفلسطيني غزة. وذلك بعدما فقدت الأردن سيادتها على الضفة الغربية التي خضعت للاحتلال الإسرائيلي بعد عام 1967. وقد جاء ذلك لتمييز مواطني الضفة الشرقية عن فئتين أخريين من المواطنين «الأردنيين/الفلسطينيين» المنحدرين من الضفة الغربية.
عليه، يذكر أنّ المواطنين القادمين من الضفة الغربية يحملون ثلاثة أنواع من بطاقات إحصاء الجسور، تتمثل الأولى بالبطاقة الصفراء للمواطنين الذين كانوا يعملون أو يقيمون في الأردن قبل عام 1983، وبالتالي يتم اعتبارهم مواطنين أردنيين كاملي المواطنة بغضّ النظر عن مكان سكنهم الحالي مع رقم وطني. أمّا البطاقة الثانية، فهي البطاقة الخضراء وتُعطى للذين أقاموا بعد ذلك العام، وهي حالة جزء كبير من مواطني الضفة الغربية ومواطني القدس. أمّا الشكل الثالث لبطاقة الإحصاء، فهي البطاقة الزرقاء والتي كانت وردية سابقاً، والتي توجِب وجود ورقة عدم ممانعة، أي خلو من أي موانع أمنية لحامليها القادمين من قطاع غزة.
ــ الفلسطينيون المقيميون في الأراضي الفلسطينية التي تم احتلالها عام 1948 (الغائب الحاضر): أُجبروا على منحهم جنسية دولة الاحتلال مقابل بقائهم في أراضيهم وبيوتهم. فقد حاز على «المواطنة» كلّ من أقام داخل الخط الأخضر عام 1952، أي بحسب قانون المواطنة «الإسرائيلي» الذي أقرّه الكنيست. يستطيع حملة هذا الجواز زيارة مختلف دول العالم، إلّا غالبية الدول العربية، التي يصعب عليها تمييز الفلسطيني عن المُحتل، عن قصد أو غير قصد!
ـــــ فلسطينيو الشتات: حصل فلسطينيو الشتات على وثائق سفر وأوراق ثبوتية في الأماكن التي تهجّروا إليها، كلبنان والعراق وسوريا ومصر. ولم يتم تجنيسهم حفاظاً على هويتهم وحق العودة، على اعتبار أنّ الأزمة مؤقتة. إلّا أنّ حملة هذه الوثائق يعانون من مشكلات في الإقامة والعمل والسفر، خاصة أن هناك دولاً عديدة لا تعترف بهم. وفي ظلّ الأزمة الحالية المتعلّقة بانتشار فيروس «كورونا» المستجد، تجد على سبيل المثال أنّ الفلسطينيين الطلاب أو غيرهم المنتشرين في دول عديدة في العالم ليسوا أولوية على قوائم العائدين اليوم إلى لبنان. بل إن الأمن العام اللبناني أصدر، بسبب قرار حكومي، بياناً بعدم السماح للفلسطينيين اللاجئين بالعودة على متن طائرات الإجلاء إلى لبنان!
وبعد هذا السرد لمعظم أشكال أوراق الفرد الفلسطيني، في فلسطين وخارجها، نعتذر من محمود درويش، فليست كلّ قلوب الناس جنسيتي، ولا تنزعوا عني جواز السفر «الموجود وغير موجود»! فحين يجد الفلسطيني نفسه وحيداً في مواجهة مجهول، ويتيماً في ظلّ تجاهل الردود على مناشدات العالقين منه في الخارج، لا يمكنه بعد الانقياد إلى تطمينات أو شعارات أشبعته كلاماً سابقاً، ولا الوثوق بجهات تركته عند أول أزمة. اليوم، هو بحاجة إلى تحرّك فعلي حقيقي من شأنه تلبية مناشدات العالقين، وإعادتهم إلى بيوتهم وعائلاتهم، كسائر طلّاب العالم في الدول التي تحترم «مواطنيها» أو التي ادّعت يوماً أنها ستعتبرهم مواطنيها إلى حين العودة.

* باحثة فلسطينية من القدس