«بعد نجاحي في انتخابات المجلس النيابي، في عام 1972، على لائحة الرئيس صائب سلام، أردتُ أن أُلقي خطابي الأول في مجلس النواب، وفتّشت عن موضوع يمكن أن يثير حماس كثيرٍ من النواب، ولقيت مبتغاي في قضية بلدية بيروت، إذ كان المجلس البلدي هو الوحيد في لبنان بين جميع البلديات الذي لا يملك الصلاحيات التنفيذية والتي يملكها حصراً المحافظ. وبالفعل، ألقيت الخطاب إياه ولقي استغراباً من البعض، واستحساناً من الأغلبية. وبينما كنت أعود إلى مقعدي، مررت بجانب الشيخ بيار الجميل الذي طلب مني الجلوس إلى جانبه. ولما فعلت بادرني بالقول: أتدري يا زكي لماذا لا يمكن تحقيق ما تطلبه؟ قلت لا، فأجابني هنالك سببان، الأول أنّ رئيس المجلس البلدي هو مسلم والمحافظ مسيحي، ونحن المسيحيون نرفض أن يُجرّد المحافظ من هذه الصلاحية. والسبب الثاني والأهم هو رفض رؤساء الحكومات، وهم سنّة طبعاً، سرّاً لمثل هذا الإجراء. وعندما أبديت دهشتي وعدم تصديقي لما يقول، تابع: أتدري ماذا يعني إعطاء الصلاحيات التنفيذية لبلدية بيروت ورئيسها والخدمات الضخمة التي يمكن أن يُقدِّمها رئيس البلدية للعاصمة ومعظم المواطنين فيها هم من الطائفة المسلمة السنية. وأضاف قائلاً، إن ذلك يعني أن رئيس البلدية مرشّح حكماً للانضمام إلى نادي رؤساء الحكومات، وهذا ما لا يمكن أن يقبلوا به».
أنتقل، الآن، إلى الوضع الحالي بالسؤال التالي: ما الذي يجمع حالياً بين رؤساء الحكومات السابقين، عدا عن ادعائهم بأنّهم يدافعون عن مصلحة المسلمين السنّة في لبنان؟ في عام 2011، تولّى نجيب ميقاتي رئاسة الحكومة، فشنّ عليه تيّار المستقبل برئاسة سعد الدين الحريري، هجمات لاذعة طيلة فترة حكمه. وفي الماضي القريب أيضاً، أقصى الحريري فؤاد السنيورة عن النيابة في صيدا لرفضه انتخاب ميشال عون رئيساً للجمهورية. أمّا تمام سلام، فلم يجد وسيلة إلى منصب رئاسة الحكومة إلّا عبر الاستسلام للحريري، علماً بأنه كانت له مواقف جريئة في معارضة الحريري الأب لفترة طويلة. فشو عدا ما بدا؟ السبب الأساس في نظري، هو تولّي حسان دياب رئاسة الحكومة، وهو بيروتي أصيل. إذا كان رؤساء الحكومات سابقاً رفضوا سراً إعطاء الصلاحيات التنفيذية لرئيس البلدية البيروتي، فكيف يمكن لـ«نادي» الفرسان الأربعة أن يقبل برئيس حكومة بيروتي، ينافسهم ولا ينتمي إلى ناديهم، وله آراء مُعلنة تهدّد النظام السياسي ــــ المالي الذي سيطر بالكامل على لبنان بعد انتهاء الحرب الأهلية.
وفي النهاية، أنا لا أدّعي هنا أنّ ما ذكرتُه آنفاً هو السبب الوحيد لمعارضة تيار المستقبل وأتباعه الرئيس دياب، فالمعارضة لا تقتصر على تيار المستقبل، بل تضمّ حزبي القوات والتقدّمي الاشتراكي. إلّا أنّني أعزو عنف حزب المستقبل ونادي رؤساء الحكومات الأربعة في هذه المعارضة، إلى ما شرحته أعلاه. هذا لا يعني أنّ الحكومة الحالية تضمّ قدّيسين، أو أنني معجب بالتيار الوطني الحر ورئيسه جبران باسيل. وهذا الموضوع سأتطرّق إليه في مقال لاحق.
* كاتب وسياسي لبناني
الفرسان الأربعة
أعترف بأنّ العنوان أعلاه، مأخوذ من رواية «الفرسان الثلاثة» للكاتب الفرنسي ألكسندر دوما (Alexandre Dumas)، والفارس الرابع في هذه القصة، هو الشاب دارتنيان، الذي ينضم إلى هذا الثلاثي. أمّا الفرسان الأربعة، الذين أعنيهم، فهم رؤساء الوزراء السابقون الذين يعتبرون أنّهم الممثلون الشرعيون للطائفة المسلمة السنية في لبنان. ولكن قبل أن أتطرّق إلى فرساننا الأربعة أودّ أن أروي ما ذكره لي المرحوم الدكتور زكي المزبودي، في إحدى جلساتنا، وكنت قد صادقته في مراحل متأخّرة من حياته، وها أنا ذا أنقل ما قاله لي حرفياً: