جاءت تصريحات وزير الخارجية الجزائري، صبري بن قادوم، المطالِبة بعودة الجمهورية العربية السورية إلى مقعدها كعضو مؤسس في جامعة الدول العربية، لتطلق مبادرة تصحيح جدي في العلاقات العربية ــ العربية، بل في واقع النظام الرسمي العربي الذي تحوّل بعد سيطرة دول البترودولار على قراراته، إلى نظام يشرّع احتلال دول مؤسسة فيه، كما كانت الحال مع العراق بعد عام 2003، أو يشرّع حروباً وفتناً داخلية في أقطار مؤسسة كسوريا، أو يستقوي بقوات أطلسية كما كان الأمر في ليبيا، أو يغطي تحالفاً عدوانياً دولياً، كما كان الأمر في اليمن...ولا حاجة إلى التأكيد أن عودة سوريا إلى جامعة الدول العربية هي أولاً وأخيراً قرار سوريا، قيادة وشعباً، لا سيّما بعدما شعر السوريون، ومعهم أحرار العرب، بخيبة كبيرة وألم جارح نتيجة خذلان بعض الأنظمة العربية لسوريا في محنتها، بل لانخراطها تجهيزاً وتمويلاً وتسليحاً لقوى التدمير والتخريب والإجرام في ربوعها، وهي البلد الذي ما توانى يوماً عن نصرة أي بلد عربي شقيق في محنته.
لكن قراراً يصدر عن جامعة الدول العربية بإلغاء كلّ قراراتها الجائرة بحق سوريا (وهو ما طالب به المؤتمر القومي العربي منذ دورته الثانية والعشرين التي انعقدت في تونس عام 2012، كما طالب به العديد من الهيئات والاتحادات والمؤتمرات والأحزاب والقوى الشعبية الشريفة على مدى سنوات الحرب المدمّرة على سوريا، والتي تدخل الشهر المقبل عامها العاشر)، يشكل انتصاراً تاريخياً لسوريا، وإقراراً مهماً بخطورة الجريمة التي أنزلق إليها مسؤولون عرب كبار لم يرتكبوا خطيئة الانخراط في حرب مدمّرة ضد قطر شقيق ومهم فحسب، بل ارتكبوا خطأ التقدير السياسي والاستراتيجي، حين اعتقدوا أنهم يواجهون في سوريا واقعاً هشاً يسمح لهم بتحقيق أغراضهم.
بالطبع، من حق العديد من الوطنيين السوريين والشرفاء العرب الاعتراض على عودة دمشق إلى جامعة الدول العربية، بعد كل ما صدر عنها من قرارات جائرة بحق سوريا، وصلت إلى منع الجنرال السوداني محمد الدابي من تقديم تقريره كرئيس للمراقبين في سوريا، والمكلّف من الجامعة العربية، وذلك لشعور القيمين على الجامعة، يومها، بأنّ في تقريره موضوعية لا تناسب مشاعرهم ومشروعهم لتدمير دولة ومجتمع وجيش، كانوا دائماً عقبة رئيسية في وجه مشاريع الهيمنة الاستعمارية والصهيونية على المنطقة.
لا حاجة إلى التأكيد أن عودة سوريا إلى جامعة الدول العربية هي أولاً وأخيراً قرار سوريا قيادة وشعباً


كذلك، من حق القيادة السورية، ونحن معها، أن تطالب الدول التي انخرطت في هذه الحرب المتعدّدة الأوجه ضد سوريا أن تعتذر للشعب السوري ولعشرات الآلاف من الشهداء والجرحى، مدنيين وعسكريين، من ضحايا تلك الحرب، ولملايين المهجّرين الذين شجعوهم على ترك بلادهم، لكي يتركوهم بعد ذلك هائمين على وجوههم في أصقاع الدنيا، من دون أن يتمكنوا من الحصول على تأشيرة دخول، حتى إلى بعض هذه الدول التي أسهمت في إشعال الحرب في بلادهم.
لكنّ صدور المبادرة من بلد كالجزائر، له أهمية خاصة، لا بسبب العلاقة التاريخية بين الشعبين منذ أن أقام الأمير عبد القادر الجزائري عقوداً، منفياً في سوريا في أواسط القرن التاسع عشر إلى زمن الثورة التحريرية في الجزائر في أواسط القرن العشرين، والتي كان لسوريا، شعباً وأحزاباً وحكومة، الدور البارز في الانتصار لها، وفي المشاركة فيها عبر متطوّعين من أطباء ومقاتلين فحسب، بل أيضاً لأن المعاناة التي عاشها الشعبان في وجه الفتنة والحرب الداخلية هي واحدة، في طبيعتها وأهدافها.
ثم إن عودة سوريا إلى جامعة الدول العربية، أو الأصح القرار بعودة الجامعة إلى سوريا بعد الإقرار بالخطأ، كما الخطيئة، التي وقعت فيها الجهات المتنفذة في الجامعة، هو أمر ممنوع أميركياً وإسرائيلياً، لأن واشنطن وتل أبيب تدركان جيداً أنه ما كان ممكناً لهما التجرّؤ على إعلان «صفقة القرن»، لولا تمهيد طويل لها بدأ بالحرب الأميركية على العراق، والحرب الإسرائيلية على لبنان، وحرب الناتو على ليبيا، والحرب الكونية على سوريا، والحرب اللعينة على اليمن، وهو ما يفسر أيضاً جنون الإدارة الأميركية وإرسالها وزير خارجيتها مايك بومبيو إلى المنطقة، بعد تعاظم الحديث عن عودة علاقات دول خليجية مع دمشق، واحتمال دعوة الجمهورية العربية السورية إلى قمة بيروت الاقتصادية المنعقدة في مطلع عام 2019.
إن من حق سوريا، رئيساً وقيادة وشعباً، أن تقرّر مدى استجابتها لأي دعوة من الجامعة، لكن من واجب كل القوى الحية في الأمة، على المستويين الرسمي والشعبي، وفي مقدمها لبنان والعراق ومصر والكويت رفع شعار عودة الأمور إلى نصابها، وعودة الحق إلى أصحابه، وعودة سوريا لاحتلال مقعدها كعضو مؤسس في الجامعة.
أما الحديث عن جامعة شعبية عربية فقديم، وله مشاريعه واقتراحات في المؤتمر القومي العربي والعديد من الهيئات القومية، ويجب تفعيله لكي تكون الجامعة الشعبية أكثر تعبيراً عن إرادة الأمة، وأكثر تأثيراً في القرار الرسمي.
* سياسي لبناني