بصفتي مواطناً لبنانياً يعاني ما تعانونه في حياتكم وأعمالكم ومستقبل أجيالكم، ويتشوّق، مثلكم، إلى تغيير حقيقي يشمل مناحي الحياة الاقتصادية والسياسية والاجتماعية والثقافية والروحية كافّة، ويتطلع إلى نظام جديد يقوم على مبادئ إصلاحية كفصل الدين عن الدولة، ومنع رجال الدين من التدخل في شؤون السياسة والقضاء، وإزالة الحواجز بين مختلف الطوائف والمذاهب... أتوجه إليكم، أيها المعتصمون والمعتصمات، بتحيتي الصادقة، مصحوبة بمقترح أختصره بما يلي: 1- لن يخرج المعتصمون من الشوارع والساحات كما خرج جيش الشرق الفرنسي عام 1945 أو الجيش السوري عام2005، مخلفيْنِ وراءهما نظاماً إقطاعياً طائفياً انعزالياً يقمع الشعب، ويُدير ظهره لمعاناة الأمة، على امتداد جغرافيتها.
2- كل الأفكار السياسية المتداولة، حكومياً، اليوم، لا تتعدّى آفاقها الحدود الجغرافية للكانتونات الطائفية، وأوسعها (أرحبها) تلك الأفكار الباحثة عن تسوية تقوم على صيغة مخرج جامع.
3- إذا كانت المادة تقرّر الشكل، وهي كذلك، فإن شكل النظام السياسي المقبل تُقرّره المادة التي هي قوامه: (أ) القيادة الإقطاعية والطائفية وميليشياتها التي حُلّت رسمياً بعد اتفاق الطائف (1989) ولكنها لا تزال موجودة، عملياً. (ب) الشعب اللبناني متمثلاً في شريحة واسعة منه، لاجئة قسرياً في كانتوناتها الطائفية. (ج) التحرك الشعبي الذي يملأ الساحات، عابراً الطوائف والمناطق والعصبيات.
لقد كان الإقطاع الطائفي يؤلف، دائماً، حزباً واحداً حكم لبنان منذ استقلاله (1943): فكرامي وفرنجية وشمعون وسلام والأسعد وأرسلان وجنبلاط والجميل والصلح... هم، تاريخياً، حزب واحد ما زال يحكم لبنان حتى هذه اللحظة. إنهم حزب الميثاق الوطني.
اليوم، سقط حزب الميثاق الوطني، ويستحيل على أصحابه إعادة بنائه، لخلافهم على شرعية الحقوق... حقوق كل طائفة، وكل طرف، وكل عصبية!. وتستوجب المرحلة الراهنة إنهاء عهد الميثاق الوطني: عهد حزبه وأطراف حزبه المستمرين بالحكم والتفظيع بالناس حتى الآن، وتسليم اللبنانيين مسؤولية حياتهم.
لا شكّ، أن تحولاً كبيراً قد حصل في العقلية العامة لفئة كبيرة من اللبنانيين، ومعظمهم قادر على التفكير في إنشاء دولة حديثة، واختيار نظام جديد وتصوّر مؤسسات راقية. هذه الفئة الكبيرة هي، الآن، موضوع رهان! فكما كان ماركس يرى في عام 1863، عقب ما دُعي بالإصلاح الزراعي في روسيا (1861)، إمكان الانتقال الفوري من نظام القنانة الشبيهة بالاستعباد إلى نظام الملكية الجماعية، من دون المرور الحتمي بمراحل تكوّن المجتمع الرأسمالي الغربي، ولقد أثبتت التجربة صحة رؤياه، كذلك يمكن الانتقال في لبنان، من خلال هذه الظروف القاتلة، فوراً، من نظام ميثاق الإقطاع الطائفي إلى نظام الميثاق الشعبي، من دون المرور بنظام اختلاطي وسيط يُبطن العداوة والعمالة والخيانة في صلبه.
لا شكّ أن تحولاً كبيراً قد حصل في العقلية العامة لفئة كبيرة من اللبنانيين ومعظمهم قادر على التفكير في إنشاء دولة حديثة


على هذه النظرة، أؤسّس اقتراحي فأخاطب اللبنانيين، وقد تحرروا من ملاجئ الكانتونات الطائفية، بصفتهم شعباً عاقلاً مُطالباً بتحمل مسؤوليته ومواجهة قضايا حياته... وأعني باللبنانيين، هنا، المدرسين والطلاب والمثقفين والمزارعين والحرفيين والتجار الصغار والملّاكين الصغار والفنانين وسائقي السيارات وموظفي الدولة والبنائين وأصحاب المشاريع الزراعية والصناعية وممزَّقي الثياب... وعشرات بل مئات الآلاف من اللبنانيين المؤهلين، المهجّرين والمقيمين في ديارهم، والهاربين إلى الخارج.
(4) بناءً على ما تقدّم، أتمثل لمستقبل لبنان نظاماً جديداً في جمهورية مستقلة، مرتبطة إقليمياً بمحيطها القومي، بنصوص واضحة في دستورها. الأمر الذي يدعو إلى قيام تحرك شعبي (بدأ، عملياً، منذ أكثر من أسبوع) يخلق حالة جديدة صالحة لإنجاز المطالب الشعبية الكبيرة ولرهانات السياسة القومية. يتخذ هذا التحرك شكل دعوة إلى مبادئ ميثاق شعبي يكون أساساً لتفكير جديد للبنانيين ونظام جديد للبنان. هذا الميثاق الشعبي موجّه إلى اللبنانيين، فرداً فرداً، لا جماعات، ولا طوائف، ولا أحزاباً، ولا شخصيات، ولا مناطق.
(5) أتمثّل لهذا التحرك الشعبي الأنشطة والمراحل التالية:
أ- قيام «الهيئة التأسيسية» من عدد من الرجال والنساء يُشترط فيهم أن يكونوا ذوي ثقافة عالية، وأن يُعلنوا التزامهم مبادئ الميثاق الشعبي بوصفها مشروعاً سياسياً.
ب- يُنتقى أعضاء الهيئة التأسيسية من أنحاء لبنان المختلفة، ومن اختصاصات مختلفة سبق تحديدها في الفقرة السابقة.
ج- في انتقاء أعضاء الهيئة، نعتبر أن المرحلة الأولى من الدعوة قد تمّت بنجاح، فيُدعى أعضاؤها إلى اجتماعهم التأسيسي الأول، حيث يتم الإعلان عن الميثاق الشعبي اللبناني وعن هيئته التأسيسية، ويجري انتخاب الهيئة العامة للدعوة.
د- قيام لجان فرعية للميثاق الشعبي في المدن والمناطق والأحياء والقرى، وظيفتها نشر الميثاق الشعبي وإقناع الناس بالإقبال عليه.
ه- في هذه المرحلة تُعنى الأمانة العامة عناية دقيقة بضمان إيجابية التحرك واستقلاليته في مواجهة ضغوط القوى الطائفية وإرهابييها.
و- يُعبّر المواطنون عن قبولهم الميثاق الشعبي بالتوقيع على الوثيقة الرسمية للميثاق.
ز- بعد حصول تلبية شعبية واسعة (وهي موجودة، فعلياً، اليوم) تدعو الأمانة العامة إلى «مؤتمر سياسي»، فيُقدّم الأمين العام بياناً بما تمّ تحقيقه، وبمهامّ المرحلة المقبلة.
ح- يبلغ التحرك أول أغراضه في قيام المؤتمر الشعبي العام. ففيه:
* يجري الإعلان عن سقوط الجمهورية الأولى والثانية: سقوط دستورها ومؤسساتها السياسية والعسكرية، ومدارسها السياسية البالية، وأحزابها وأخلاقها ومواقفها من قضايا المصير القومي، وارتباطاتها الخارجية، وسائر بؤر التآمر والعمالة والتجسّس التي كانت جوهر عائلاتها الإقطاعية والمالية والروحية. وباختصار، سقوط نظام الميثاق الوطني الذي أقامه المستعمر بقوة جيوشه لموقّعي ذلك الميثاق من عملائه.
* الإعلان عن قيام نظام جديد في البلاد، هو نظام الميثاق الشعبي، نظام الجمهورية الثالثة، نظام الدولة المدنية الذي طال انتظاره وانتظارها!
أيها المعتصمون والمعتصمات في شوارع بيروت والمناطق كافة، لقد كانت سنوات الاقتتال الطويلة زماناً ثقيلاً ساحقاً لأنها كانت زماناً فارغاً. والفراغ اللبناني الراهن هو الحالة المُثلى التي يقتضيها الشروع في البناء... فهيّا إلى العمل!.

* استندت هذه الورقة إلى نقاشات مطوّلة مع الكاتب هنري حاماتي
** أستاذ جامعي