لماذا صوّت أبناء الشعب الفلسطيني في الداخل الإسرائيلي مجدداً للقائمة المشتركة التي تجمع أربعة أحزاب عربية رئيسية (الحزب الشيوعي، التجمع الوطني الديمقراطي، الحركة الإسلامية والحركة العربية للتغيير بقيادة أحمد طيبي) على الرغم من خيبات الآمال المتكررة من أداء هذه القائمة، والتي تُرجمت بحملة مقاطعة فعّالة خفّضت نسبة التصويت فيها إلى 49% وخسّرتها أربعة مقاعد في انتخابات نيسان/ أبريل الماضي، بعد أن كانت قد حصلت على 13 مقعداً في الانتخابات التي سبقتها عام 2015؟ إذ رغم فشل أحزاب القائمة المشتركة في تحقيق الوحدة الفورية بعد فشل بنيامين نتنياهو في تشكيل الحكومة والإعلان عن انتخابات جديدة في نيسان/ أبريل الماضي لمواجهة المدّ اليميني العنصري الذي تنامى بشكل متزايد في ظلّ حكوماته المتعاقبة، حيث أخذت هذه الأحزاب بالاقتتال على الكراسي والمواقع ولم تتمخض القائمة الموحدة مجدداً إلا بعد أربعة أشهر على المفاوضات عادت النسبة (لم تتضح بشكل دقيق بعد) ولكنها لا شك أعلى من نسبتها في نيسان/ أبريل، من العرب إلى منح صوتها لـ«المشتركة». لعلّ كلمتي السر للإجابة على هذا السؤال هما «المشتركة» و«نتنياهو»، فالوحدة بين الأحزاب العربية ولو أنها جاءت متأخرة أعطت بارقة أمل جديدة للناخب العربي، لعلّ وعسى ترتقي هذه القيادة إلى مستوى التحديات ولعلّ الرغبة الجامحة للتخلّص من نتنياهو كانت هي الورقة الأساس التي أخرجت الناس من بيوتها هذه المرّة.فالعديد ممن قاطعوا الانتخابات في المرة السابقة لم تكن معارضتهم مبدئية، كرفضهم المشاركة في الانتخابات العامة نفسها أو اعتبار الكنيست الإسرائيلي جسماً صهيونياً وتجلّياً للسياسة الإسرائيلية، بل كاحتجاج ضدّ قانون القومية وقانون كامينيتس وعقاب للأحزاب العربية التي تعاني من ضعف متواصل في أساليب العمل البرلماني من جهة وانقسام «المشتركة» إلى قائمتين. من جهة أخرى تخوّف آخرون، وهو ما كانت تصرّ عليه الأحزاب العربية، أن المقاطعة ستؤدي إلى تقوية اليمين الإسرائيلي وأن واجب العربي في إسرائيل إسقاط نتنياهو . والمثير أن معظم دعاة المقاطعة ودعاة التصويت رأوا أن عهد نتنياهو لم يسبق له مثيل في التحريض العنصري على العرب في إسرائيل، وإن تنامي اليمين المتطرف وتمدده لم يسبق له مثيل مما جعل المواطن العربي في قلق دائم من تنامي العنصرية، وأدى هذا الخوف إلى دفع العديد إلى الذهاب إلى صناديق الاقتراع والتي قد تترجم بـ 11-13 مقعداً لـ«المشتركة» هذه المرة.
الرغبة الجامحة للتخلّص من نتنياهو كانت هي الورقة الأساس التي أخرجت الناس من بيوتها هذه المرّة


يقول غالب سيف عضو «لجنة المبادرة الدرزية» إن الجواب يكمن في «تركيب المشتركة من جديد والشعور بخطر نتنياهو وتطرّفه وتطرّف آخرين من اليمين الذين أطلقو اتهامات وإهانات غير مسبوقة ضد العرب». أما الصحافي الناشط أليف صباغ فرأى أن «جزءاً كبيراً من الناس صوّت خوفاً من عودة نتنياهو للحكم. مستوى التحريض المنفلت يوم الانتخابات ضد العرب جعل الناس يخرجون خوفاً منه. القائمه المشتركة ارتكزت في دعايتها على التخويف من نتنياهو أي أنه تخويف وتخويف مضاد». وتقول زهريه عزب: «إن تجمع شخصيات متطرفة كاييلت شاكيد ونفتالي بينيت ونتنياهو بالإضافة إلى تدخل زوجة نتنياهو وابنه بالحكم وتأثيرهم على القرار بشكل مخيف، حركت الناس لوجوب إحداث تغيير».
وركز البعض على أن قرار الحكومة الأخير بزرع كاميرات في صناديق الاقتراع في البلدات العربية لمنع التزوير قد يُحدث رد فعل لدى المواطن العربي فيذهب للتصويت نكاية بالحكومة.
ورغم تصريح أيمن عوده رئيس القائمة المشتركة قبل الانتخابات بأن «المشتركة» مستعدة للدخول في ائتلاف حكومي، إلا أن دخول «المشتركة» الحكومة هو «من رابع المستحيلات بسبب الحالة الهستيرية لدى الأحزاب الصهيونية وبسبب توازن القوى والطرف المرجح - ليبرمان»، بحسب غالب سيف، كما تستبعد الناشطة زهريه عزب أيضاً هذا الاحتمال مذكّرة أن «تاريخ غانتس العسكري بناه على مصير شعبنا وهو نفسه تعهّد بعدم بناء حكومة بشراكة عربية». وينفي الياس ابو عقصة من الحزب الشيوعي هذا الاحتمال أيضاً قائلاً: «ولا بأيّ شكل. قد تشكل المشتركة جسماً مانعاً ضد نتنياهو وبالشروط التي نريدها».
وكان العديد من أعضاء «المشتركة» قد تطرقوا إلى «صفقة القرن»، ورأوا أنهم جزء من هذه الصفقه التي تتمّ حياكتها في عدد من الدول العربية. وبحسب صباغ: «صفقة القرن تعتبر أن العربي الفلسطيني يمكن إرضاءه بالميزانيات والحصص الاقتصادية بدون حقوق قومية، وأعضاء القائمة المشتركة يسيرون بهذا الاتجاه أو على الأقل من يسيّرونهم يقودنهم بهذا الاتجاه». ويقول أبو عقصة: «العرب في إسرائيل رفضوا صفقة القرن وهذا كان في صلب الدعاية الانتخابية للمشتركة. التصويت كان أيضاً ضد القوانين العنصرية كقانون القومية وقانون كامينتس ضد البناء غير المرخّص».
ويبقى السؤال هل فعلاً سيكون بديل نتنياهو أفضل للعربي في إسرائيل وللقضية الفلسطينية؟ ليس بالضرورة. فبحسب سيف: «المشكلة ليست نتنياهو بل اليمين المتطرف الذي خلق نتنياهو». أما صباغ فيرى أنه حتى لو ربح العرب ثلاثة عشر مقعداً في الكنيست، فهذا لن يغيّر شيئاً «لأن قانون القومية أغلق الباب نهائياً أمام إمكانية تصحيح مكانة المواطن العربي والحلم بالمساواة وحتى التفاوض مع الشعب الفلسطيني لإيجاد حل سلمي. فعلى مدى عقود أثبت الكنيست فشله في استيعاب الناخب العربي، وكان عدواً للمواطن العربي وحقوقه. القانون قال كلاماً واضحاً بأنه لا يحق لأعضاء الكنيست العرب في التصويت وأن صوتهم غير مقبول، وإذا كانت أصواتهم لا تساوي شيئاً فماذا يفعلون بالكنيست؟».
لا شك أن التحديات التي تواجه الفلسطينيين في إسرائيل هي جمّة وتتعلق بعوامل إقليمية ودولية ما يحتّم استراتيجيات عمل شعبية أكثر مما هي برلمانية، والمشكلة أن ذاكرة شعبنا بشكل عام هي ذاكرة ضعيفة، فيبدو أنه نسي مستويات التحريض أيام الانتفاضتين والحرب على لبنان وحرب الخليج وغيرها وغيرها... ونسي أيضاً أن الحكومات المسمّاة العمل واليسار هي من أكثر الحكومات قمعاً للشعب الفلسطيني، كما نسي كيف تنكّر ايهود باراك رئيس حزب العمل في حينه بعد تصويت العرب الجامح له عام 1999 رافضاً الاعتراف بالصوت العربي. فما الذي يجعل العرب الآن مقتنعين بأن قوانين اللعبة قد تغيّرت؟

* محاضرة في العلوم السياسية - جامعة كوستال كارولينا، الولايات المتحدة الأميركية