تنطوي مقولة «انتصار الحضارة الغربية النهائي على العالم» على نزعة استشراقية بيّنة، ولكنها تحتوي أيضاً على جزء من الصحة في وصف الشكل الخارجي لواقع الحال العالمي الراهن، ويتعلق الأمر هنا تحديدا بتَكَرُّس الهيمنة الغربية بزعامة الولايات المتحدة الأميركية عسكرياً ومالياً على العالم؛ أي إنها هيمنة عدوانية لفترة تاريخية محددة بقوة السلاح والمال وليس انتصاراً نهائياً وحاسماً؛ فالصراع بين الغرب وباقي أجزاء العالم المستهدف بالعدوانية الغربية لم يتوقف بعد، ولن يتوقف قريباً.
داريو كاستييخوس

لقد أصبحت هذه المقولة متداولة كثيراً في السنوات الأخيرة، وبات بعض الباحثين والكتّاب العرب والشرقيين يكرّرها وكأنه اخترع العجلة، رغم أنها مقولة خطرة ولا تاريخية ولا تعني من حيث الجوهر سوى تعميم الدعوة إلى الاستسلام والتبشير بانعدام أي خيار آخر أمام الإنسانية وشعوب الأرض غير الانخراط في الحضارة الغربية المضرّجة بدماء الشعوب والمساهمة فيها كمهزومين! سنحاول هنا تقديم محاولة تحليلية لتفكيك هذه المقولة نقدياً:
يستلزم التعرّض لمقولة «الحضارة الغربية» التفريق بين مصطلحين متداخلين بشدة هما الحضارة والثقافة أولاً، وبين «الحضارة الحديثة» و«الحضارة الغربية» ثانياً.
من المعروف أن بين الثقافة والحضارة وشيجة أشبه بالعضوية، ففي بعض اللغات الأوروبية الحية كالفرنسية تدلّ الكلمتان على معنىً واحد إلى درجة يمكن استبدال إحداهما بالأخرى، ولكن هذا التواشج قد لا يبدو واضحاً وحاسماً كفاية في العلوم التخصصية الحديثة، فقد انقسم الموقف من هذا الموضوع إلى ثلاثة اتجاهات:
الأول يذهب إلى أنَّ معنى الثقافة والحضارة واحدٌ، ولهذا السبب استخدم مصطلح (Civilization) للتعبير عن ماهية كليهما معاً، من دون وجود فرق أو تمييز بينهما، ويُلاحظ هذا الاتجاه عند الباحثين الفرنسيين الذين تحدّثوا عن أنّ الثقافة والحضارة لا فرق بينهما، فهما «مفهوم كوني وشامل لأمّةٍ واحدةٍ» كما كتب بعضهم.
ويرى أصحاب الاتجاه الثاني أن الحضارة هي فقط الجزء المادي من الثقافة. أما الفريق الثالث فيعتقد أنّ الثقافة هي جزء من الحضارة بشقّيها المادي والمعنوي، وهذا الاتّجاه الغالب في الغرب. آخذاً بنظر الاعتبار التفسيرات الثلاثة السالفة للعلاقة بين هاتين المقولتين، ومركّزاً على التفسير الأول أكثر من سواه، سأتناول بالتوضيح التفريق الذي قال به الباحث العراقي الراحل هادي العلوي بين الثقافة الحديثة والثقافة الغربية، بما يعني في الوقت نفسه التفريق بين الحضارة الحديثة والحضارة الغربية:
يفرّق العلوي بين الثقافتين تفريقاً شديد الوضوح، على الرغم من تعقيده الماهوي. فهو يقول (عندما قسمتُ الثقافة المعاصرة إلى ثقافة غربية وثقافة حديثة، وأخذت بالحديثة ورفضت الغربية، فهذا يعني أخذ الكثير مما هو معنون كفكر غربي ولكنه حديث، وميزته عن الفكر الغربي بخصائصه المعادية للآخر، سواء كان هذا الآخر جغرافيا سياسية أم جغرافيا اجتماعية تنتمي إلى معسكر الفكر نفسه «الطبقات العاملة في الغرب». الفكر المعارض في الغرب قام ويقوم بدور عظيم في إصلاح المجتمع الغربي وتخليصه من آثار الهمجية. وعلماء الاجتماع الغربيون أسهموا في دور عظيم في تحسين وضع السجون الأوروبية التي كانت حتى القرن التاسع عشر مسالخ بشرية، لكن هؤلاء العلماء أنفسهم لم يطلقوا صيحة واحدة ضد المسالخ البشرية التي يصنعها الغربيون في القارات الملوّنة. (هادي العلوي ، «حوار الحاضر والمستقبل» ص 107). وفي مواجهة الثقافة الحديثة التي هي ثمرة مشتركة أسهمت في إنضاجها الإنسانيةُ جمعاء وشعوب الأرض والحضارات كافة، يُلخِص العلوي الأسس التي تقوم عليها الثقافة الغربية في المزاعم الأيديولوجية الاستشراقية التالية: تفوّق العقل الغربي أمام العقول غير الغربية، وأبدية التجارة والتملك الخاص، وبالتالي حق الإنسان في امتلاك المال بأي وسيلة، وحداثة الرأسمالية وتخلف الاشتراكية، واقتران الرأسمالية بالرخاء والازدهار واقتران الاشتراكية بالفقر.
تبرئة الحضارة الغربية من العبودية والعنف هو الكذبة الأكبر


أما على صعيد ما يصفه بمستوى الفكر الجاد، فيسجل العلوي الآتي: «لقد حقق العقل الغربي فتوحات عظيمة في ميدان تفسير الطبيعة، وهذه هي الفيزياء، ومع ذلك أخفق الفيزيائيون الغربيون في استخلاص حقائق الفلسفة المعادلة لحقائق الفيزياء، بحيث نجد فلسفة الفيزياء قبل ماركس متعايشة مع الخرافة، وتكاد تتعاطى مع الأسطورة كإحدى حقائق الطبيعة». (ص 110 م. س.). ثم يعود العلوي إلى تأكيد أن «التمييز بين الثقافة الغربية والثقافة الحديثة، وكون الثقافة الحديثة هي أيضاً غربية ومعلّموها غربيون وإنما تميّزت عن الثقافة الغربية الأم بمصادرها الخارجية... فالفكر الاشتراكي الغربي مثلاً متطور عن الأناجيل الأربعة وهي مصدره الأكبر في هذا المنحى، لأن المجتمع الغربي لا يملك خلفية مشاعية تنعكس في فكره وتؤصل وعيه الاشتراكي». (م. س.).

القدر الحتمي
وكما أسلفنا، فإن هذا الاستنتاج العدمي القائل بانتصار الحضارة الغربية النهائي على العالم المعاصر، لا يختلف كثيراً من حيث الجوهر عن صيحة «نهاية التاريخ وسيادة العولمة بنسختها الليبرالية اليمينية المحافظة» التي أطلقها يوشيهيرو فرانسيس فوكوياما في صيف 1989. إن الأطروحة الأساسيَّة لفوكوياما تقوم على «أن الديمقراطيَّة الليبراليَّة بقِيَمها عن الحرية، الفردية، المساواة، السيادة الشعبية، ومبادئ الليبرالية الاقتصادية، تُشَكِّلُ مرحلة نهاية التطور الأيديولوجي للإنسان وبالتالي عولمة الديمقراطية الليبرالية كصيغةٍ نهائيةٍ للحكومة البشرية». ومعروف أن فوكوياما تراجع بهذا، بشكل ما، عن صيغة نظريته الأصلية هذه، كما يكتب مقتبساً د. أسامة سماق «نشر فوكوياما مقالاً في «ذا نيو ستايتسمان» بتاريخ 17.10.2018، يحوي معزوفة التراجع عن نظرته السابقة، نقتبس «إذا كانت الاشتراكية تعني برامج إعادة تصحيح الخلل الكبير في الدخل والثروة، فنعم، لست فقط أعتقد أنها يمكن أن تعود، بل بجب أن تعود، يبدو لي أن الأشياء التي قالها ماركس يتضح أنها صحيحة، لقد تحدث عن فائض الإنتاج وأن العمال سيصبحون أكثر فقراً، وأن الطلب على السلع لن يكون كافياً!».
وإذا ما عدنا إلى مقولة القائلين بانتصار الحضارة الغربية النهائي، نجد أن هشاشة هذه المقولة تبدو واضحة، ليس في جانبها الأخلاقي والاجتماعي التاريخي فحسب، بل أيضا في جانبها المعرفي والاجتماسي (sociopolitique)، فالغرب، لم ينتصر عملياً وبشكل نهائي؛ ولم تنتهِ مشكلاته العويصة مع العالم ومع نفسه. إنه لا يزال مشتبكاً في حروب ضارية تتخذ أشكالاً متنوعة من العدوان المسلح إلى الحصار الاقتصادي والسياسي إلى التهديد بالإفناء النووي ضد خصومه في جميع القارات. كما أن الغرب لم يتمكن، وقد لا يتمكن قريباً، من حلّ مشاكله الاجتماعية والتاريخية الموروثة حتى الآن مع أولئك الخصوم أو حتى في عقر داره.
من ناحية أخرى، فإن الغرب ليس صادقاً في مزاعمه عن نشر الحريات والديموقراطية، لا بل إنه بحركته السياسية والعسكرية العالمية وهيمنته الاقتصادية، يُعَدُّ أكبر عائق أمام انتصار الديموقراطية والحريات الفردية والجماعية في بلدان العالم، فهو يحاصر ويحاول إسقاط أنظمة ديموقراطية منتخبة من قبل شعوبها، لا لشيء إلا لأن هذه الشعوب تريد أن تختط لنفسها وبقياداتها الشرعية المنتخبة طريقاً مستقلاً في السياسية والاقتصاد والثقافة، والأمثلة الطازجة كثيرة، ولعل أوضحها مثال بلدان اميركا اللاتينية حيث تعيش عدة شعوب فيها تحت وطأة الحصار الأميركي والتهديد بالحرب التدميرية.
لتفحص جذور هذه المقولة لا بد من التطرق إلى ما يسمى مبدأ القدر المتجلي أو الحتمي (Manifest destiny)، هو اعتقاد جيوسياسي استراتيجي ذو مضمون سلفي ديني نشأ في الولايات المتحدة في القرن التاسع عشر، وتحديداً في حرب التوسع والضم التي شنتها ضد المكسيك وانتهت بعد عامين بانتزاع ثلاث ولايات كبرى منها، ولم تحجم عن ضم العاصمة مكسيكو إلا لخشيتها من الاختلاط بسكانها الملونين الكثيري العدد. هناك ثلاثة محاور أساسية يتجلى فيها هذا «القدر المتجلي» كما يزعم القائلون به:
1-الفضائل الخاصة للشعب الأميركي ومؤسساته، أي إنهم يعتبرون أنفسهم شعب الله المختار، كما قال الكاتب الأميركي هرمان ميلفيل حرفياً «نحن الأميركيين شعب متميز مختار، نحن بني إسرائيل زماننا. لقد خصّ الله شعبنا بالقضايا الكبرى، وبقية الشعوب ستسير خلفنا عمّا قريب، فنحن رواد البشر»، كما اقتبس عنه جون جوديس في كتابه «حماقة الامبراطورية» (The Folly of Empire).
2-مهمة الولايات المتحدة هي إعادة صياغة الغرب على صورة أميركا، والمقصود هنا بالغرب، الغرب في صورة «الإمبراطورية الرومانية المقدسة» الغابرة.
3- قدرٌ لا يقاوم لإنجاز هذا الواجب الأساسي. ويوضح المؤرخ فريدريك ميرك أن هذا المفهوم ولد من «الشعور بواجب استعادة العالم القديم من خلال القدوة المتعالية والناتجة عن إمكانات الأرض الجديدة لبناء سماء جديدة».
أما المؤرخ ويليام أي ويكس فيسجل أن المهمة الثانية لا تقتصر على جعل الغرب على صورة أميركا، بل جعل العالم كله على تلك الصورة، وإعادة تشكيله وفقها. أما الأساس الثالث، فهو كما يكتب ويكس «قرار الإله في تفويض الولايات المتحدة الأميركية في تحقيق هذه المهمة». وهنا تحديداً، لسنا بعيدين كثيراً عن الفكر الداعشي السلفي التكفيري، ولكن بنسخته البيوريتانية البروتستانتية في أميركا القرن الثامن عشر، وهو فكر لا يزال ينبض بالحياة حتى الآن في خطابات آل بوش وترامب وغيرهما من الرؤساء الأميركيين!
يمكن أن نضيف إلى ذلك، أن الولايات المتحدة نفسها، ودول غربية عديدة من حلفائها، تجلس وتتنعم بالرفاهية الظاهرية على قمة بركان اقتصادي ناشط، ويمكن التعبير عن إحدى صوره بترليونات الدولارات من المديونية الأميركية وبواقع 22 ترليوناً، تتبعها بريطانيا بثمانية ترليونات ونصف ترليون، لتأتي بعدها فرنسا وألمانيا بأكثر من خمسة ترليونات ونص ترليون لكل منهما. ومعلوم أن هذا الواقع الاقتصادي الشبيه بالبركان قد ينفجر بين يوم وآخر أو سنة وأخرى أو عقد وآخر، فأين هي إذن حقيقة انتصار الحضارة الغربية النهائي؟ أليس صحيحاً ذلك التشبيه الذي أطلقه اقتصادي أوروبي كبير حيث شبه دولة الولايات المتحدة بـ«قوّاد ثمل يجلس في باب المبغى وكيس النقود المزيفة في رقبته وبيده هراوة نووية يرعب بها الناس، وهي التي تعطي قيمة لنقوده المزيفة»؟!
أما إذا نظرنا إلى مقولة «انتصار الحضارة الغربية النهائي» داخل السياق السياسي التاريخي الحقيقي للدول الغربية نفسها، فسنجد أن ما يسميه البعض انتصاراً نهائياً متبوعاً بحالة سلام عام هو ليس ظاهرة جديدة في التاريخ. وإن الإمبراطوريات الزائلة قد حققت نسختها الهيمنية من العولمة على انحاء العالم المعروف في عهدها، ولعل من أشهر الأمثلة على ذلك الإمبراطورية الرومانية المقدسة التي حققت السلام الروماني (PAX ROMANA) والذي هو ليس إلا حالة نجحت فيها تلك الإمبراطورية القائمة على العنف والدم والظلم والعنصرية في كتم أنفاس القوى والشعوب المستعبدة والثائرة والمتمردة ضدها. وفي عصرنا يرفع ورثة الإمبراطورية الرومانية الهمجية شعارها بعد أن «أمْرَكوه» فتحول إلى (PAX AMRICANA) يريدون فرضه على شعوب العالم المعاصر.

لم يطلق علماء الاجتماع الغربيون صيحة واحدة ضد المسالخ البشرية التي يصنعها الغربيون في القارات الملوّنة


في المقابل، تقوم مقولة «الانتصار النهائي للحضارة الغربية» في زعم المدافعين عنها على ركائز عديدة؛ منها إنها أول حضارة تقوم على العقل والعلم وليس على الخرافات الدينية وغير الدينية، وإنها تقوم على نقد ذاتها وتصحيح مسارها باستمرار، وإنها تقوم على مبادئ الحرية والديموقراطية وحقوق الإنسان، وأخيراً فهي أقل عنفاً ودموية من الحضارات التي سبقتها.
غير أن نظرة سريعة إلى ما تنقله وكالات الأنباء والصحافة العالمية ليوم أو يومين تقنعنا بهشاشة هذه المزاعم وكذبها. كما أن مراجعة سريعة لأحداث القرن الماضي المهمة تثبت لنا أن الحضارة الغربية هي الأكثر دموية وعنفاً وظلماً واستعباداً للإنسان من أي حضارة بشرية أخرى سبقتها، ويكفي التذكير بمجازر الحربين العالميتين الأولى والثانية، وبمحارق النازيين الألمان، وبجريمتي هيروشيما وناكازاكي النوويتين، مروراً بالحصار الأميركي الغربي على العراق في التسعينيات من القرن الماضي، والذي قُتل بسببه أكثر من مليون عراقي، أغلبهم من الأطفال والفئات السكانية الضعيفة.
أما الخرافة والشعوذة في الغرب فلم تنقرضا بل تشهدا «ازدهاراً» كبيراً في العقود الأخيرة ولكن بأساليب وأشكال جديدة، حيث تحتشد الصحف الشعبية في أوروبا والولايات المتحدة بمئات الإعلانات والمقالات في ميدان السحر والشعوذة وقراءة الحظ والأبراج الفلكية، ولا يستطيع المواطن أن يحصل على موعد مع خدمات قراءة وتوقعات المستقبل إلا بعد أشهر نتيجة الزحام الشديد على هذه الخدمات من قبل الأوروبيين.
إن اتهام الحضارات الأخرى بأنها قائمة على العبودية والعنف وتبرئة الحضارة الغربية من العبودية والعنف هو الكذبة الأكبر التي يطلقها حاملو هذه المقولة والمبشرون بها؛ فالحضارتان الإغريقية والرومانية لديهما سجل من العنف الدموي انعدم نظيره في التاريخ البشري، أما «مجتمعات الأحرار والديموقراطية» في أثينا وروما فكانت خاصة بملاك العبيد والتجار والعسكريين فقط دون سائر البشر الذين هم من العبيد، سواء كانوا من أهل البلاد أم أسرى جرى استجلابهم بقوة السلاح من البلدان الشرقية الخاضعة. بمعنى أن ظاهرة العبودية ليست لعنة ميتافيزيقية حلت بالشرقيين دون الغربيين كما يحاول بعض الكتّاب العرب إقناعنا، بل هي ظاهرة تاريخية بشرية وعالمية تنبغي مقاربتها علمياً وبحياد وعمق حتى لا تتحول إلى نوع من الهجاء الأيديولوجي الذميم. وفي هذا الصدد، مفيد أن نعلم أن العنصرية ضد السود والملونين لا تزال تتحكم في المجتمعات والدول الغربية حتى يومنا، أكثر منها في غيرها من المجتمعات، بل إنَّ الأحزاب والشخصيات التي تتبنّى العنصرية والعداء للآخر غير الأبيض في أوروبا الغربية والولايات المتحدة الأميركية في حالة تفاقم وصعود انتخابي وجماهيري متعاظم!
إنَّ ما يسميها الراحل العلوي «التكوينات المفهومية لمصطلح الثقافة الغربية» المعادي الجوهري للحضارة الشرقية تقوم في اعتقاده على الموروث الهمجي الروماني أولاً، والتجارة والتملك الخاص ثانياً، وانحلال العائلة ثالثاً، وحرية الفرد على حساب المجتمع رابعاً، والعنصرية المعبّر عنها بالإلغاء الجسدي للملونين كما هو جار منذ عام 1492 حتى الآن (سنة 1998) حيث يرفع الأميركيون شعار «العراق يجب أن يُدَمَّر» استكمالا لشعار أسلافهم في الإمبراطورية الرومانية المقدسة «قرطاجة يجب أن تُدَمَّر» - سنة 149 ق.م.!
إن تبنّي مقولات خطيرة كهذه المقولة الخاصة «بالانتصار النهائي للحضارة الغربية»، والتبشير بها بهذه المنهجية التجزيئية والسطحية التي تهدر السياق التاريخي للمقولة وللظاهرة التي تقاربها معاً، وتهمل ما لا يعجبها من مثالب السردية الغربية وتبرز ما يعجبها من مثالب السرديات الشرقية، كأن يلتقط باحث معين مجزرةً هنا وأخرى هناك من تاريخ الفتوحات العربية الإسلامية في القرن السابع الميلادي، ليحولها إلى ظاهرة ثابتة؛ إن هذا كله، لن يعني في نهاية المطاف سوى الانحياز الأيديولوجي الكامل من قبل الباحث المعني إلى الاستشراق الغربي العنصري المعادي للآخر، والتحول من باحث رصين إلى مبشّر أيديولوجي لا حظ له من العلمية بمقولة «انتصار الحضارة الغربية النهائي» التي لا معنى لها غير انتصار الإمبرياليات الغربية العنصرية على العالم.
*كاتب عراقي