ما مرّ يوم إلا وزاد في تعميق الأزمة الشاملة التي تتخبط فيها الجزائر منذ استقلالها، وبات الجزائريون متأكدين أن اليوم الذي مضى أحسن من الذي يليه والآتي أسوأ، وأنه لا مخرج سلمياً من الانسداد السياسي الذي يعيشه بلدهم.في دعاباتهم ونكتهم السوداء يقول الشباب إنه لا يوجد سوى مخرج واحد هو المطار، ويقصدون الهجرة خارج الجزائر قبل حلول الكارثة وانهيار الدولة ودخول البلد في مرحلة آتية لا ريب فيها هي مرحلة «حرب الجميع ضد الجميع».

ويرون مقدمات ذلك في تلك النزاعات الدائرة اليوم من أجل افتكاك مصالح ومنافع ومناصب من دولة الريع. وقد حققت فئات كثيرة من الجزائريين باقترابها وتواطؤها مع السلطة القائمة مكاسب معتبرة، وفعلاً تكونت في الجزائر ولأول مرة مجموعات مصالح قوية مرتبطة ارتباطاً عضوياً بدواليب الحكم، سيطرت على قطاعات اقتصادية وخدماتية مربحة سلفاً بسبب التسهيلات والإعفاءات الضريبية التي يستفيد منها أهل السلطة وعائلاتهم وشركائهم. وهكذا تم زواج مصلحة بين بارونات الإدارة والسياسة وبارونات الاستيراد والمال الفاسد. ولم تعد اللعبة في الجزائر لعبة سياسية يعرف الناس مسبقاً قوانينها، بل أصبح الأمر إلى الصراع على البقاء أقرب، إذ تقتضي مصالح العرسان الجدد البقاء في الحكم مهما كان الثمن لأنه المصدر الوحيد لثرائهم وجاههم. ولذلك فمن السذاجة أن تأمل المعارضة إمكانية إصلاح سياسي ما، أو تداولاً على السلطة يأتي بطرق سلمية. فهل يتنازل الذين اغتنوا ويغتنون من الريع عن امتيازاتهم، ويسلمون مفاتيح الخزائن لغيرهم ويتركون لهم البلد بدعوى إصلاح النظام السياسي وانتهاج الشفافية أو الديموقراطية؟ وهل يمكن فك الارتباط بين المنظومة السياسية والمنظومة المالية المتشابكة مصالحهما ومصيرهما بطريقة ديموقراطية سلمية؟
لا يوجد جزائري واحد عاقل يفكر ولو لحظة واحدة في سيناريو من هذا القبيل، لأنه يعرف أن السلطة في بلده تسلحت بالمال وأن المال تسلح بالسلطة، وأصبحا غولاً واحداً يتحكم في رقاب الجزائريين ولا يمكن التخلص منه بتظاهرة حتى وإن كانت عارمة وقطع طريق هنا أو تجمع معارضة هناك. لقد عرف النظام كيف يجدد نفسه ويمدد من عمره بتحالفه مع القوى الأكثر جشعاً وتخلفاً ووصولية. تلك القوى المستعدة لارتكاب كل الحماقات من أجل الحفاظ على امتيازاتها وفي بعض الأحيان على بعض فتات. وقد فوض النظام بعضها للقيام بمهمة قذرة هي نشر «العبودية الطوعية»، وظهر جيل جديد مبرمج من أجل الدفاع عن إنجازات بوتفليقة الوهمية ومحاولة إخفاء فشله الشامل.
وانطلاقاً من كل هذا، يمكن القول إنّ الجزائر سائرة في مسلكين لا ثالث لهما: إما استمرار هذا النظام لعقود أخرى متكيفاً مع الظروف المستجدة، كما فعل منذ استقلال الجزائر سنة 1962، أو لجوء أغلبية الشعب الجزائري في لحظة ما إلى العنف لإطاحته.
* كاتب جزائري