تكثر وثائق الحزب (الشيوعي اللبناني) المتعاقبة في الحديث عن الطبقة العاملة في لبنان، ولكن هذه الوثائق لا تقدم إجابات محددة عن عدد كبير من الاسئلة الحيوية التي تتعلق بواقع هذه الطبقة وسماتها الاساسية وبنقاط قوتها وضعفها. وتخلف هذه الفجوة انعكاسات سلبية على مسألة التحالفات الطبقية وعلى نمط مقاربة الحزب للمعارك المطلبية الجزئية والوطنية. وهذا يستدعي الانكباب على دراسة هذا الموضوع، ومحاولة تقديم اجابات عن العديد من الاسئلة المطروحة، ومن بينها:
1ــ حول تعريف المفهوم:

كيف نحدد بشكل ملموس مفهوم الطبقة العاملة في الاطار اللبناني، ارتباطاً بجوهر منهج التحليل الماركسي وما طرأ عليه من تحولات؟ هل يقتصر هذا المفهوم على فئة العاملين بأجر في قطاعات الانتاج المختلفة، او هو يتضمن فئات اجتماعية أخرى غير معنية بصورة مباشرة بالعمل المأجور؟ وهل لذلك المفهوم من مندرجات ذات خصوصية في بلد يغطي فيه قطاع الخدمات اكثر من 70 في المئة من مجموع القوى العاملة ومن اجمالي الناتج المحلي؟ وماذا يعني ان تكون الغلبة (غلبة الكمية أقله) في تكوين الطبقة العاملة معقودة اللواء لفئة الاجراء العاملين في المؤسسات الخدمية والمؤسسات الصغيرة والمتناهية الصغر، وليس في مؤسسات الانتاج المتوسطة والكبيرة؟
ب ــ حول الوزن النسبي العام للطبقة العاملة: ما هو الوزن النسبي للطبقة العاملة عموماً في التشكيلة الاجتماعية اللبنانية؟ وما هي اهم العوامل الاقتصادية والاجتماعية التي تحدد هذا الوزن النسبي وتتحكم في اتجاهه ارتفاعاً أو انخفاضاً؟ وما هو تأثير الارتفاع المطرد والقياسي المحقق خلال العقود الثلاثة المنصرمة في نسبة العاملين لحسابهم الخاص (أي العاملين المستقلين)، على حجم الطبقة العاملة ودورها؟ والى اي حد يمكن اعتبار هذه الفئة من العاملين التي تشكل نحو 30% من اجمالي القوى العاملة ـ او اقسام منها أقله ـ اقرب الى التماثل في شروط عملها مع الطبقة العاملة؟
ج ــ حول المكونات القطاعية والمكانية الاساسية للطبقة العاملة: ما هي المكونات القطاعية الاساسية للطبقة العاملة اللبنانية، اي ما هو الحجم النسبي لكل من هذه المكونات بحسب قطاعات النشاط الاقتصادي (الصناعة، الزراعة، البناء، الفروع المختلفة من قطاع الخدمات)؟ ثم كيف تتوزع هذه الطبقة على المناطق اللبنانية المختلفة، وبالتحديد على مستوى المحافظات، بحيث يؤخذ ذلك في الاعتبار في تحديد اولويات عمل الحزب ومنظماته القاعدية بحسب المناطق المختلفة؟ وما هي اهم خصائص التقاطع في تشكل هذه الطبقة، بين البعد القطاعي والبعد الجغرافي؟ ومن زاوية أخرى، كيف يتوزع العاملون الاجراء بحسب القطاع الحكومي والقطاع الخاص النظامي والقطاع الخاص غير النظامي؟
ما هو الوزن النسبي
للطبقة العاملة
عموماً في التشكيلة الاجتماعية اللبنانية؟

د ــ حول مكامن وجود «القوة الضاربة» للطبقة العاملة: انطلاقاً مما سبق، أين تتركز «القوة الضاربة» للطبقة العاملة، وبخاصة في ضوء توزع خريطة العمال والاجراء بحسب فئات حجم المؤسسات (المؤسسات المتناهية الصغير والمؤسسات الصغيرة التي يقل عدد العاملين فيها عن 10 عمال والمؤسسات المتوسطة والكبيرة التي يزيد فيها عدد العاملين عن هذا الحد)، وبالتحديد اين تتركز المؤسسات المتوسطة والكبيرة، خصوصاً في المجال الصناعي، والى اي حد يمكن استهداف تلك «القوة الضاربة» عبر خطة عمل تمكن منظمات الحزب وقطاعه النقابي من زيادة وزنهما ودورهما في هذا المضمار المؤثر؟
هـ ــ حول بنية موظفي الدولة وأجرائها: كيف يتوزع العاملون في القطاع العام، بحسب موظفي الملاك، والمتعاقدين، والأجراء، والمياومين، وصيغ العمل الأخرى الهجينة التي لازمت تطور هذا القطاع بفعل «التفاهمات الفوقية» بين اطراف الطبقة المسيطرة؟ وما هي أبرز المشاكل العامة والخاصة التي تعترض كلاً من هذه الفئات (مستوى الأجر، ديمومة العمل، حجم التقديمات ونوعها، صيغ التقاعد وتعويضات نهاية الخدمة...)؟ والى اي حد يمكن تنظيم حملات مطلبية في صفوف كل من هذه الفئات العاملة وخوضها استجابة لهدفين يجب ان يبقيا متلازمين: هدف الدفاع عن حقوق العاملين عموماً من جهة، وهدف رفع مستوى أداء وفعالية الوظيفة العامة وتحسين صورتها امام المواطنين من جهة ثانية؟
وــ حول التباينات الموضوعية في شروط عمل مكونات الطبقة العاملة: الى اي درجة تتقارب ـ أو تتباعد ـ خصائص وشروط العمل المميزة لكل من المكونات الاساسية للطبقة العاملة، التي تشمل اجراء القطاع العام من جهة، واجراء القطاع الخاص النظامي من جهة ثانية، واجراء القطاع الخاص غير النظامي من جهة ثالثة، لجهة: مستوى الاجر الوسطي، ومستوى التقديمات الصحية والاجتماعية، ومدى ضمان ديمومة العمل، ومدى الاستفادة من تأمينات التقاعد وتعويضات نهاية الخدمة، ومدى الاستفادة من بدلات النقل وغير ذلك من شروط؟ وكيف ينبغي النظر الى المخاطر الناجمة من ازدياد الفجوة والتباينات بين مسارات هذه المكونات المختلفة؟
زــ حول مدى تأثير هذه التباينات على انسجام العلاقة بين تلك المكونات. الى اي حد يمكن انطلاقاً مما أمكن تجميعه من معطيات محددة بشأن واقع البنية الداخلية للطبقة العاملة في لبنان، تبيان ما إذا كانت هذه البنية أقرب الى التجانس والانسجاب النسبيين، اما ان التفاوتات التي تعتمل داخلها ترتدي الطابع البنيوي، الحاد؟ وما هي الاستنتاجات التي يتفرض استخلاصها في كل هاتين الحالتين وأثرها في وجهة النضالات المطلبية التي تطلقها أو تشارك في اطلاقها القوى اليسارية؟ ما هي المقاربات والتوجهات التي من شأنها تعزيز عوامل التقارب والانسجام على حساب عوامل التباعد والانقسام؟
ح ــ حول ظاهرة اللبنانيين وانعكاساتها على الطبقة العاملة: كيف انعكست هجرة مئات الألوف من الشباب اللبنانيين والكفاءات الى الخارج، على اوضاع العمال والأجراء وخصائصهم في لبنان، وعلى بيئة العمل المأجور وشروطه عموماً؟ ألم تؤثر هذه الهجرة سلباً في الخصائص البنيوية الكمية والنوعية للطبقة العاملة، وعلى السقف الموضوعي لنضالاتها المطلبية اضافة الى تأثيرها السلبي على مقومات العمل النقابي عموماً؟ ألم تؤدِّ التحويلات الوافدة من العاملين في الخارج الى «ترويض» جزء من أسر الأجراء المقيمين في لبنان، ما ساهم في تغييبها عن ساحات النضال المطلبي؟ ألم يخفف هذا النزف البشري من حجم الضغط المنظم ونوعه الذي كان يمكن أن تمارسه هذه الكفاءات الشبابية المهاجرة ـ لو اتيح لها ان تنخرط في سوق العمل الداخلي ـ على الطبقة الحاكمة في لبنان، تجاه الزام هذه الاخيرة بحد ادنى من الاصلاحات السياسية والاقتصادية والاجتماعية؟
ط ــ حول أثر هجرات اليد العاملة الاجنبية الى لبنان: ما هو حجم ونوع الانعكاسات على الطبقة العاملة اللبنانية جراء تزايد تدفقات العمالة الاجنبية الرخيصة الى لبنان؟ ألا يشكل هؤلاء العمال من الناحية المبدئية جزءاً لا يتجزأ من الطبقة العاملة في لبنان؟ وفي هذه الحالة أليست لهذا الواقع مندرجات كان يفترض بالقوى اليسارية التعامل معها من موقعها الطبيعي بصورة اكثر جدية، في ضوء التجارب التي خاضتها الحركة النقابية العمالية على هذا الصعيد في البلدان التي استقبلت وتستقبل عمالاً وافدين أجانب (فرنسا مثلاً)؟ من جهة اخرى، ما هي النسبة من بطالة العمال اللبنانيين التي قد تعود الى تدفقات العمالة الاجنبية، ونسبة الخفض الفعلي في اجور العمال اللبنانيين غير المهرة الذين يتعرضون للمنافسة المباشرة من قبل هؤلاء العمال الوافدين؟ وكيف يمكن لليسار، وبخاصة الحزب الشيوعي، الحد من هذا النوع من الخسائر من دون المساس بمصالح العمال غير اللبنانيين؟
ي ــ حول واقع العلاقة بين الطبقة العاملة والحركة النقابية: كيف يمكن توصيف واقع العلاقة بين الطبقة العاملة والحركة النقابية في الاطار اللبناني الملموس؟ كيف ولماذا تتفاوت نسب الانتساب الى النقابات ووتيرة التحركات الاضرابية، بحسب قطاعات النشاط الاقتصادي الاساسية، بما في ذلك المؤسسات العامة وشبه العامة؟ وما هو الموقع النسبي للعمال الشباب في حركة الانتساب الى النقابات والى العمل النقابي؟ وما هو الدور الفعلي للمرأة اللبنانية في حركة الانتساب الى النقابات وفي العمل النقابي عموماً، والى اي حد يتناسب هذا الدور مع وزنها النسبي في القوى العاملة؟ وما هي اهم المعاني والابعاد المتأتية عن هذا التفاوت الجندري المؤثر في زخم الصراع الاجتماعي؟ وما هو السبيل الى بلورة خريطة طريق واضحة المعالم تتيح اعادة تجديد دور الحزب في معركة النهوض بالعمل النقابي عموماً، عبر تجميع القوى لفرض قانون عمل جديد وهيكلية نقابية عصرية؟
ك ــ حول قدرة الحزب على بلورة خريطة طريق واضحة المعالمة في تعاطيه مع القضايا التي تعني الطبقة العاملة: كيف يمكن للحزب الشيوعي ـ مع امتلاكه للبعض الاساسي من الاجابات عن الاسئلة المطروحة اعلاه ـ ان يصوغ بروح علمية ووضوح برنامج عمله في صفوف مختلفة مكونات الطبقة العاملة؟ وكيف ينجح بالتحديد في التوفيق بين مصالح هذه المكونات المختلفة مع السعي قدر المستطاع الى عدم التمييز بينها، وعدم الاكتفاء بالدفاع عن مصالح مكونات بعينها دون المكونات الاخرى؟ وكيف يمكنه المساهمة بفعالية في انتزاع الشروط المثلى للعمل المأجور على الجبهات كافة وصولاً الى فرض عملية تحسين في ميزان القوى بين رأس المال والطبقة العاملة عموماً؟

2 ــ حول نظام التمثيل السياسي ـ الطائفي في لبنان

اكدت حقبة ما بعد اتفاق الطائف ـ بحسب ما تم ذكره اعلاه ـ الارتفاع الاستثنائي في حجم التوظيف السياسي للظاهرة الطائفية وارتداداتها المعقدة على مختلف ساحات الحياة العامة، السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية، وبخاصة على مضمون ومسار عملية التمثيل السياسي في البلاد. وتجلى الوجه الآخر لتفاقم هذا التوظيف المقصود، تراجعاً في مستوى وعي الناس (بصفتهم مواطنين) لحقوقهم ومصالحهم الفعلية والمباشرة في تلك الساحات كافة، في مقابل ترسخ خضوعهم، واخضاعهم من قبل الزعامات الطائفية والطبقية، للعصبيات والانتماءات الضيقة وما دون الوطنية، التي كرست وتكرس تبعيتهم المطلقة لتلك الزعامات. وبالرغم من ان نضالات مطلبية كثيرة ـ بما فيها نضالات شاركت فيها مروحة واسعة من القوى ذات القاعدة الاجتماعية العريضة ـ قد انتهت الى انتزاع مكاسب اجتماعية مهمة نسبياً خلال السنوات الاخيرة، الا ان هذه النضالات المطلبية لم تنجح في فتح كوة في جدار النظام السياسي ـ الطائفي المسيطر. فقد امتلك هذا النظام معظم الاحياء القدرة على تفريغ تلك النضالات من مضامينها السياسية، وعلى اعادة ضبط ايقاعها ضمن منظمة المصالح الضيقة الخاصة بالتوازنات السياسية والطبقية الداخلية التي يقوم عليها هذا النظام. وهذا ما اتاح للنظام اعادة انتاج نفسه بصورة شبه دائمة والحؤول دون القيام باصلاحات سياسية جدية وقابلة للحياة. وفي الحالات القليلة التي انتزعت فيها مثل هذه الاصلاحات، فإن النظام لم يتردد في العمل على افراغها من محتواها الايجابي كلما سنحت له الظروف. وهذا ينطبق على السقوط العلمي لمحاولة الاصلاح الاداري التي خاضها الرئيس فؤاد شهاب في الستينيات (انشاء المصرف المركزي ووزارة التصميم وهيئات التفتيش المركزي والخدمة المدنية وعدد من المؤسسات العامة الاخرى). كما ينطبق على الوضع المرير واليائس الذي انتهى اليه واقع التعليم الرسمي والجامعة اللبنانية بعد عقود من انطلاقهما، مع العلم ان هذين الصرحين اضطلعا ذات يوم بدور مهم في تعزيز صفوف الطبقتين الفقيرة والوسطى على حساب ما وصفه الرئيس شهاب نفسه آنذاك، «طبقة الاربعة في المئة». ان هذا الواقع يطرح اشكالية العلاقة بين النضال الاجتماعي (والطبقي) من جهة، وسيرورة النضال السياسي والديمقراطي من جهة ثانية، اي القدرة على تحقيق مكاسب وانجازات مطلبية ومن ثم ترجمتها الى اصلاحات سياسية وديمقراطية مباشرة. ان ايجابية هذا التزامن التي بدت قوية في تجربة البلدان الرأسمالية المتقدمة، لم تكتسب هذا القدر من القوة في الحالة اللبنانية، وذلك لأسباب عديدة، اهمها التوظيف السياسي للظاهرة الطائفية، الذي شوه آليات التمثيل السياسي عبر تحويله «جماهير الطوائف» الى احتياط محكوم بالتبعية لزعامات النظامي الطبقي والطائفي القائم.
أ ــ حول مخاطر المقاربة التبسيطية للمسألة الطائفية: الى اي مدى يجوز اختزال الظاهرة الطائفية عبر اعتبارها، فقط، جزءاً من البناء الفوقي للمجتمع الرأسمالي، او عبر تفسيرها انطلاقاً من طرح فكري صارم يراد له ان يكون طرحاً طبقياً، فيما هو لا يخلو من جمود وتعسف فكري، عبر ميله ـ عن قصد أو عن غير قصد ـ نحو التبني الضمني لمقولة «الطبقة ـ الطائفية»؟ وهل يصمد مثل هذا التحليل التبسيطي امام الجذور العميقة لهذه الظاهرة وتوظيفاتها السياسية المتعددة وانسحاب مفاعليها بشكل حثيث على جميع مناحي الحياة اليومية في البلاد، بدءاً من ادارة الشأن العام والمرافق والوظيفة العامة، والتعليم والثقافة والاعلام، ومروراً بخدمات الصحة وانماط الحماية الاجتماعية السائدة، وصولاً بشكل خاص الى الآليات الاساسية الناظمة لسوق العمل وسوق السكن؟
حول أولويات التصدي لهذه الظاهرة: هل يتم هذا التصدي لهذه الظاهرة دفعة واحدة وعلى الجبهات كافة، الاساسية والفرعية، المتصلة بعوامل تلك الظاهرة المعقدة وجذورها المتشعبة، أم يصار الى التركيز على اولويات محورية ومحددة ضمنها؟ أليس إسقاط نظام التمثيل السياسي الطائفي هو بالتحديد الذي ينبغي أن يحتل الموقع الأول في تلك الأولويات، وأن تسخر له كل الجهود (الفعلية وليس الخطابية فقط) من قبل أحزاب اليسار، وفي طليعتها الحزب الشيوعي؟ إذا كان ذلك كذلك، أي قانون تمثيل نيابي هو الاكثر تناسباً مع متطلبات تفكيك واضعاف آليات الظاهرة الطائفية في لبنان، بعدما توافقت كل اطراف الطبقة السياسية اللبنانية خلال العقدين المنصرمين على تطبيق العديد من قوانين الانتخاب القائمة على المبدأ الاكثري، بدعم وتشجيع من «اللاعب» العربي (السوري والسعودي اساساً) وللاعب الدولي (لا سيما الاميركي والاوروبي)، الساعين دوماً الى ضمان اعادة انتاج التوازنات الهشة بين الزعامات الطائفية والطبقية اللبنانية المختلفة؟
ج ــ حول امكان تمرحل معالجة الظاهرة الطائفية عبر التدرج في قوانين التمثيل: ان اختلال مجمل قوانين التمثيل القائمة على المبدأ الاكثري ـ والتي لم تفعل سوى تدعيم الظاهرة الطائفية وتوظيفها السياسي المختلف ـ قد دفع القوى اليسارية والديمقراطية اللبنانية عموماً، اضافة الى خليط من القوى السياسية الاخرى، الى تبني الشعار العام المؤيد للنظام الانتخابي القائم على النسبية. ولكن لماذا لم يجر تحويل هذا الشعار العام الى خريطة طريق تنفيذية تستقطب فعلياً جمهور اليسار والقوى الاجتاعية الطامحة نحو الانعتاق من الطائفية؟ ولماذا لم تتم بصورة مفصلة دراسة التطبيقات المختلفة لهذا الشعار، مع الاخذ في الاعتبار تنوعها وتفاوت نتائجها تبعاً لنظام الدوائر المعتمد (دوائر متعددة او دائرة وطنية واحدة)؟ ألم يكن التنوع الشديد في مضمون هذه التطبيقات في البلدان التي اعتمدتها النسبية، يقتضي من اليساريين اللبنانيين إجراء اختباراتهم الخاصة على هذه الطرق المختلفة، والمفاضلة بينها استناداً الى الشروط اللبنانية الملموسة، بغية توسيع مروحة الخيارات الممكنة والوصول بالتالي الى مشروع جامع ينتزع تحقيق صحة التمثيل وشموليته ويعزز استقطاب الناخبين، وبخاصة غير الطائفيين منهم؟
د ــ حول العلاقة بين قوانين التمثيل وتوازنات القوى القائمة: ان رفع شعار التمثيل النسبي خارج القيد الطائفي في لبنان دائرة واحدة، هو شعار استراتيجي صحيح من حيث المبدأ، وقد أجمعت عليه العديد من القوى اليسارية والمدنية العلمانية. ولكن ألا يبدو ضرورياً ـ بالنسبة الى احزاب اليسار وبخاصة الحزب الشيوعي ـ التحضير (أقله في منابرها الداخلية) لخيارات مرحلية ـ ذات صلة ـ تمهد أو تهيئ تدريجياً لوضع هذا الشعار الاستراتيجي موضع التنفيذ، متى ما توافرت ونضجت التوازنات الطبقية والسياسية التي تسمح بذلك؟ فإلى اي حد تمكن المراهنة على الاكتفاء برفع هذا الشعار الاستراتيجي (الصحيح مبدئياً)، في الوقت الذي لا تسمح بتحقيقه لا الشروط الذاتية (الاوضاع المأزومة للاحزاب والقوى اليسارية والعلمانية) ولا الشروط الموضوعية (الانقسام والتشظي الطائفيان المستحكمان بالمجتمع اللبناني وفي المنطقة)؟
هـ ــ حول امثلة محددة عن امكان اعتماد معالجات متدرجة: اذا كان الهدف الاساسي في المدى المتوسط والبعيد هو كسر حلقات النظام السياسي الطائفي، الا تتيح بعض الخيارات المرحلية وذات الصلة ـ اذا ما تم وضعها موضع التنفيذ ـ بتحقيق بعض المقومات الاساسية لهذا الهدف الاستراتيجي؟ الا يندرج ضمن تلك الخيارات المرحلية مثلاً انتزاع قانون يقرّ تنظيم مفهوم الاقامة استناداً الى معايير موضوعية وشفافة، ما يوجه ضربة قوية لآليات التعامل مع «جماهير الطوائف» كاحتياط تابع، عبر استمرار اخضاعها لأماكن تسجيلها (في سجلات النفوس)، بدلاً من التعامل معها على اساس مشروع قانون الاقامة المقترح؟ ألا يصب في الاتجاه ذاته فرض تطبيق قانون للاحوال الشخصية، ما يقوض جزءاً مهماً من سلطة المؤسسات والزعامات الدينية والطائفية ومن قدرتها ـ عبر علاقتها الممأسسة بالدولة ـ على التحكم برقاب العباد؟ الا تستدعي مثل هذه المشاريع المزيد من الجهد والتحليل والربط، كي تصبح ادارة اساسية اضافية من ادوات نضال الشيوعيين والقوى الديمقراطية والمدنية؟ أليس هذا التدرج في انتزاع المكاسب ـ تبعاً لتطور موازين القوى ـ هو الذي يتيح مع الزمن استنهاض كتل اجتماعية وسياسية تاريخية مستعدة لخوض النضالات المنتظمة بهدف كسر التوظيف السياسي للطائفية، الذي تدفع ثمنه «جماهير» الطوائف نفسها؟

* (فصل من كتاب اليسار اللبناني في زمن التحولات العاصفة ـ الحزب الشيوعي: تفاقم للأزمة... أم انفتاح على التغيير؟، دار الفارابي، نيسان 2015)