يعقد اليوم لقاء لأساتذة الفلسفة في قصر الأونيسكو حول مادة الفلسفة برعاية معالي وزير التربية الياس أبو صعب، وارتأيت أن أنشر هذا المقال لإغناء هذا اللقاء وتزويده بمعلومات وأفكار وأسئلة يمكن أن تساعد على اصدار توصيات ملائمة.إن قرار وزير التربية بإلغاء بعض المحاور في مادة الفلسفة وقبل يومين من الامتحان وتبريره بنقمة التلاميذ على المادة والارباك الحاصل بالنسبة للمحاور... قد أثار نقمة الأساتذة وخلق بلبلة لديهم ومخاوف عديدة ما استدعى إقامة هذا اللقاء، ربما للتوضيح أو ربما لإمتصاص هذه النقمة أو ربما لتبرير ما حصل وسيحصل.
يحق لنا التساؤل لماذا طاول التقليص منهج مادة الفلسفة فقط وتبرير ذلك بصعوبة المادة وتململ التلاميذ. فهل هذا التبرير كاف لإقناعنا؟ أليس هناك مواد أخرى أكثر صعوبة؟ ولِمَ أتى هذا التقليص قبل يومين من الامتحان؟ هل المقصود تقليص المادة أم تشويهها كأن نقلص من غائية تعليمها وأهمية كفاياتها، في تمكين التلاميذ من تنمية واكتساب التفكير الشخصي، النقدي، الحر والمستقل ومن مساحة التساؤل حول وضعه وكيانه وكل ابعاد وجوده، أم هنالك مقاصد أخرى من خلال هذا القرار، ما يثير فينا المخاوف والتساؤلات؟
نعم، الفلسفة كما هو منهجها الآن وكتابها، تفتقر الى كل ما يمتُّ الى غائية تعليمها، وتعديلها أمر ملحّ. ولكن أيّ تعديل، وأي منهج جديد؟ من حق الأساتذة الاطلاع على ما يجري في هذا المجال ليستطيعوا ان يقدّموا توصيات ايجابية وناجعة.
نعرف جميعاً ان المناهج الجديدة الحالية التي صدرت بمرسوم 10227 تاريخ 8/5/1997 ألحقت بقرار من المركز التربوي يعتمد المقاربة والتقييم بالكفايات، وصدر حينها كتيّب التقييم لمادة الفلسفة مربكاً ومشوهاً لمفهوم الكفايات...
استبعاد الجمعيات من موقع القرار في صياغة المناهج وتحديد ملامح المتخرج

لكن ما لا يعرفه الأساتذة ومنذ ذلك الحين، هو المتابعة من قبل المركز التربوي، لعملية البحث حول ايجاد صيغة موحّدة وواضحة لما يسمى «التعلّم بالكفايات». فكان نتاج نظام مرجعي يوضّح المفاهيم سنة 2003، وحينها وضعت كفايات الفلسفة وتصاميم تطبيقية وفق هذا النظام... وأُهمل. وفي 2005 قامت ورشة عمل مع مكتب BIEF، ووضع تصوّر موحّد آخر لما تسمى الكفايات والوضعيات والتربية الاندماجية، وانتج ما لا يقل عن 800 وضعية تعلميّة ووضعيات تقييم مع تحديد معايير تصحيح موحّدة وفق هذا النظام... طاولت كل المواد وكل حلقات التدريس ومنها الفلسفة ووضعت حينها الكفايات في مادة الفلسفة وما يتلاءم من مضامين مع هذه الكفايات... وقد صرفت اموال طائلة لهذا المشروع مع BIEF. نسأل لماذا لم ينشر ما جرى إنجازه منذ اكثر من عشر سنوات ليطّلع عليه الأساتذة ويستثمر بطريقة أو بأخرى؟
ومنذ عامين أتى تمويل آخر، من أجل تعديل مواد الفلسفة والتربية وعلم الاجتماع تحديداً، وبهدف ادخال مفهوم «المواطنة الحاضنة للتنوع الديني». وهنا، يحق لنا التساؤل عن هذه المسألة وعن الالتباسات بالمفاهيم: ان ادخال مفهوم المواطنة في المناهج شيء مهم جداً. انما ادخالها من باب التنوّع الديني مثير للريبة وكأنه حق يراد به باطل. أليس منطقياً أكثر ادخالها من باب المواطنة في دولة؟ إن المفهوم الأشمل هو الدولة الحاضنة اساساً لكل انواع التنوع... فهل نحن طوائف وقبائل، ام دولة لها دستورها وقوانينها؟ فعلاقات التضامن في المواطنة هي علاقات حرّة قابلة لكل انواع التنوّع ومبنية على تبادل المصالح والخيارات الحرة. إذاً هي في الأساس تحتضن التنوع ولا يمكن بتره وحصره فقط في التنوع الديني.
المواطن لا يكون مواطناً إلا في ظل دولة للجميع، وانتمائه الاوّلي لها لا للاديان والطوائف المكوَّنة للنسيج المجتمعي. الولاء يكون أولاً وآخراً للدولة الجامعة، وهكذا فقط نحمي الوحدة والهوية الوطنية. وعندها تصبح المواطنة بالفعل حاضنة لكل اشكال التنوع. وهذه هي مهمة الفلسفة في مقاربة موضوع المواطنة.
وما يقوم به المركز التربوي حالياً بغية تعديل المناهج وفتح ورش جديدة تشارك فيها كل الفعاليات التربوية شيء جيد، وقد طاولت هذه الورش منطلقات المنهج وملامح المتخرج (ما يجب ان يكون عليه الطالب عند انهاء تعلمه) ومقاربات وضع المنهج (بالكفايات).
لكن السؤال الأولي والمشروع لدينا: هل سيظل المنهج الرديف «للمواطنة الحاضنة للتنوع الديني» بمعزل عن تقييمنا له، معتمداً خلال بناء المنهج الجديد؟ وهل سيكون بمثابة «منهج خفي» يظل قائماً عند هذا التحّول «الديداكتي» في ابقاء قيم وانماط سلوك ومواقف... تكون مقدمة لقبول أنصاف الحقائق وأنصاف الحقوق؟ ونخشى ان تصبح تنشئةً لأجيالنا الصاعدة تمهيداً لما يُرسم للبنان ولدوره في المنطقة بما في ذلك التطبيع؟!
ومن منطلق مبدأ بناء دولة المواطنة، والحرص على غنى وتنوع المجتمع اللبناني واحترامه، والتمسك بطبيعة الفلسفة وغاية تعليمها ومن منطلق الحفاظ على الدستور اللبناني، نوصي بما يلي:
ــ استبعاد الجمعيات من موقع القرار في صياغة المناهج وتحديد ملامح المتخرج.
يجب ان يتولى بناء المنهج اختصاصيون في الفلسفة وديداكتيك الفلسفة، كذلك في صياغة الكتب والادوات الملحقة بها. وان يكون تقييم المنهج والكتب وكل ما ينتج، على يد اختصاصيين في الفلسفة، لانه من باب البديهيات ألا يُجري تقويم الانتاج الفلسفي التربوي اشخاص من خارج اختصاص الفلسفة.
ــ إن انتاج منهج مادة الفلسفة اعتماداً على الكفايات، وعلى يد خبراء هو المدخل الوحيد الذي ينهي ربما معاناة الاساتذة والطلاب في هذه المادة.
* مدرّبة سابقة لمادة الفلسفة في مشروع التدريب المستمر