إعلام المقاومة والانتفاضة المنسيّة

  • 0
  • ض
  • ض

في 3 تشرين الأول 2015، طعن الشاب مهند الحلبي مستوطناً في باب الأسباط في القدس. استولى على سلاحه، وأطلق النار في كل الاتجاهات. استشهد مهنّد، بعد أن قتل اثنين وجرح ثلاثة آخرين، بجروح متفاوتة.

يومها، اعتبرت هذه العملية بداية ما بات يُعرف بـ«ثورة السكاكين» أو الانتفاضة الثالثة. توالت العمليات البطولية بشكل تصاعدي في القدس، والضفة الغربية، إضافة إلى مساندة الأهل في قطاع غزة، وفي فلسطين التاريخية (48)، من خلال التظاهرات التي شهدتها مناطق التماس مع العدو الإسرائيلي، إضافة إلى بعض الأعمال ذات الطابع العسكري.
عشرات الشهداء والجرحى والمعتقلين والمبعدين لا تجد من يدعمهم في الإعلام إلا من رحم ربي. ومن يريد أن يعرف عدد الشهداء، أو الجرحى، أو المعتقلين، فسيجد صعوبةً بالبحث عبر وسائل التواصل الاجتماعي، وبعض الوسائل الإعلامية. والسبب أن إعلام المقاومة لا يرقى إلى المستوى الحقيقي والمطلوب. فبأس ذاك الإعلام.
«انتفاضة سكاكين» بكل معنى الكلمة، لم تتوقف. بل على العكس استمرت رغم كل ما قام به الأعراب والأغراب، ووسائلهم الإعلامية، من مساندة للكيان الإسرائيلي. ورغم العدوان المتواصل من قبل العدو الإسرائيلي، وإجراءاته الإجرامية التهويدية التي طالت البشر والحجر، فإن هذا ليس مستغرباً على العدو الإسرائيلي، ومن يسانده من العرب والغرب في هذه الحرب المفتوحة. ولكن الطامة الكبرى، بل الكارثة، هي بمن كان متوقعاً منه أن يكون مسانداً لهذه الانتفاضة، ولهؤلاء الشباب، من الخارج. وأعني الإعلام المقاوم على وجه التحديد. فمن المعروف أن هذا الإعلام هو إعلام المقاومة، بحيث يجب أن تكون مادته الفعلية ما يجري على صعيد المقاومة، بشكلٍ عام، وما يجري في فلسطين، بشكلٍ خاص.


أصبح الخبر الفلسطيني
الخبر الرابع... وأكثر

فقد أصبح الخبر الفلسطيني الخبر الرابع وأكثر، على استحياء. رغم أن بعض هذا الإعلام يتذرّع برفع نسبة المشاهدين، من خلال الأخبار الأخرى، بما فيها من برامج تسلية وفكاهة، وهو عذر أقبح من ذنب. أما الانتفاضة الفلسطينية فلا تساوي ذلك الخبر. فبئس هذا الإعلام الباحث عن نسبة المشاهدين بأي شكل من الاشكال. الأهل في فلسطين أصابتهم الغصة. غصّة لما أصبحنا وأمسينا عليه اليوم، من مساندة إعلامية في ظل الإعلام الغربي والعربي، المتعاطف مع العدو الإسرائيلي بشكل فاضح.
ورغم ذلك، فإن إيجابية قد ظهرت عرّت المتآمرين على المقاومة، تعرية كنا بحاجة لها أمام شعوب العالم، بشكل عام، والشعوب العربية، بشكل خاص. ولكن هل فات الأوان؟
أعتقد أن الفرصة ما زالت سانحة أمام هؤلاء كي يعودوا إلى خط المقاومة الإعلامية، والتوبة هي أضعف الإيمان. يجب العودة إلى ما كانوا عليه، والضغط على تلك الوسائل بشكل حازم، من قبل قيادات هذا الإعلام، وهم من طليعة المقاومين. فلا مقاومة دون فلسطين، ولا فلسطين دون شعبها، ولا الشعب دون مقاومة، بكل أشكالها. لذلك فإن هذه التوبة يجب أن تتكرس، بزيادة البرامج الداعمة لفلسطين والانتفاضة، بشكل خاص، على تلك الشاشات المقاومة، ووضع الانتفاضة وفلسطين بكل ما فيها، من بشر وحجر في المقدمة، وفي كل البرامج. وإلا فلا داعي لأن يحملوا ذلك الشرف «إعلام مقاوم».
هذا هو لسان حال شباب الانتفاضة الثالثة، الذين لا يملكون إلا العزيمة والإيمان. وهم بحاجة ماسة للمساندة الإعلامية، كما هم بحاجة لغيرها من مساندة. أما الإعلام المقاوم المكتوب فيجب عليه أيضاً أن يخصص خبراً يومياً عن الانتفاضة، وأن لا يكون الخبر خلف صفحة الوفيات. ولا يمكن نسيان الإعلام المسموع، الذي يتراقص ببرامج غنائية وفكاهية، لسنا ضدها. ولكن فليحترموا عقول المستمعين، ويخصصوا برامج خاصة عن الانتفاضة.
كل ذلك لا يكفي بل المطلوب أكثر وأكثر وأكثر. فالانتفاضة لا تقل أهمية عن اليمن، والبحرين، وليبيا، والعراق، وسوريا. ولو استطعنا دعم المنتفضين، بشكل صحيح، لتغير الوضع في البلدان المذكورة، وبشكل حاسم. لأن ما يجري في تلك البلدان يستهدف المقاومة في فلسطين، وفي لبنان. وبعد ذلك المقاومين المساندين في الوطن العربي، بل الأحرار في العالم. وهذه هي المعادلة، دعم الانتفاضة الحالية في فلسطين، يقلّل الخسائر في الخارج، بل يساعد بشكل قاطع في إنهاء تلك الأزمة، في الوطن العربي السليب. لأن البوصلة الحقيقية هي مقاومة العدو الاسرائيلي في فلسطين. والانتفاضة الحالية أثبتت أنها وسيلة ناجحة، فلا تتردوا بالتوبة الإعلامية... والتوبة باب من أبواب المقاومة والإيمان.
* إعلامي فلسطيني

0 تعليق

التعليقات