الشيخ محمد شقير *
في خضم الحديث عن سلاح المقاومة أرى من الواجب عليّ كمواطن جنوبي ان أبدي رأيي في هذا الموضوع لأن قضية المقاومة، وقبل أي شيء آخر، لها علاقة مباشرة بأمني وأماني وداري وجاري وولدي وبلدي، هي قضية من يحميني كمواطن من آلة القتل الاسرائيلية، من يحميني كمواطن من نهم إسرائيل لارتكاب المجازر وسفك الدماء واحتلال الأرض؟
إن من أبسط حاجات الانسان حاجته إلى الأمن والشعور بالأمان وإن من أوضح واجبات الدولة واجبها في حماية مواطنيها من أي اعتداء خارجي وإعداد العدة لذلك وخصوصاً اذا كان التهديد والعدوان يأتيان من كيان كإسرائيل معروف بهمجيته ووحشيته وتاريخها ينضح بما يدل على ذلك وليس الشاهد ببعيد. لكن الذي حصل ان الدولة اللبنانية ومنذ القدم قد أعرضت عن واجب حماية الجنوب اللبناني من العدوان الاسرائيلي وكانت تتناسى ان شطراً من لبنان يواجه تهديداً دائماً وعدواناً قاسياً من اسرائيل ولعل هذا الامر ناتج من ثقافة مهترئة وخاطئة تعشعش في أذهان بعض المسؤولين.
إن مراجعة بسيطة لحجم الاعتداءات الاسرائيلية والضحايا والخسائر الناتجة من ذلك من جهة، وطبيعة ردود الدولة اللبنانية من جهة أخرى، كل ذلك يكشف عن أن إهمالاً مزمناً قد تعرض له أهل الجنوب في ما يرتبط بواجب الدولة حمايتهم من إسرائيل، نعم كانت الدولة حاضرة بقوة في العديد من الجوانب الشكلية، أما الجوانب الأساسية في مهمات الدولة من الدفاع والحماية وإعداد البنية التحتية اللازمة لذلك فقد كان هناك غياب تام وإهمال مريع.
وهنا سوف يكون من الطبيعي ان يبادر أي مجتمع مدني قصّرت دولته في حمايته الى حماية نفسه بنفسه، ومن هنا نشأت المقاومة لتحرير الأرض وحماية المواطن ودفع العدوان، فلو كان هناك دولة في لبنان تقوم بواجبها في حماية مواطنيها لما كانت هناك حاجة الى المقاومة، وتاريخ المقاومات يشهد على انه عندما تعجز الدولة أو تقصّر في الحماية يبادر الشعب بنفسه الى القيام بواجب الحماية والتحرير.
ويكفي ان نقول ان غياب السياسات الدفاعية للدولة اللبنانية في وجه اسرائيل يكشف انه لم يكن في حسابات الدولة ان هناك مواطناً يحتاج الى الحماية من الوحش الاسرائيلي بل كان هناك ايغال في الاهمال.
ومن هنا ليس الشعب من يُسأل لماذا بادرت الى حماية نفسك بل الدولة هي من يجب ان تُسأل لماذا لم تبادر الى حماية مواطنيها، وليست المقاومة من تُسأل لماذا حملت السلاح للدفاع بل الدولة من يجب ان تُسأل لماذا لم تحمل السلاح للدفاع عن مواطنيها بناء على سياسات دفاعية جادة. بل أكثر من ذلك، اذا كانت الدولة بحكوماتها المتعاقبة تُحاسَب على وظائفها فإن أبرزها ما يجب ان تُحاسَب عليه الدولة هو هل تقوم بحماية مواطنيها والدفاع عنهم أم هل تتقاعس عن القيام بهذه الوظيفة لأن وظيفة حماية المواطنين في أرواحهم وأرزاقهم تتقدم على اية وظيفة أخرى، بل في المجتمعات المتحضرة والسوية يمكن ان تسقط حكومة وتنشأ اخرى فيما لو عجزت الحكومة عن حماية مواطنيها من أخطار جدية تهدد أرواحهم وأرزاقهم.
لكن العجيب في بلد كلبنان انه بدل ان تخجل الدولة من تقصيرها وأن تُحاسب على إهمالها وان تعتذر من كل مواطن هُدر دمه أو أُصيب في زرقه نتيجة استقالتها من وظيفتها في الدفاع والحماية، تجعل جلّ اهتمامها التجاوب مع الطروحات الدولية التي تريد نزع ذلك السلاح الذي قام بسد الفراغ وعوّض إهمالها وكان بمثابة بدل اضطراري لتقصير متعمّد.
الغريب في لبنان ان البعض لا يخاف من سلاح إسرائيل المجرم القاتل السفاح صاحب المآسي المشهودة والمجازر اللامعدودة فيما يخاف أو يفتعل الخوف من سلاح لبناني حرّر لبنان ويسهم في حمايته والدفاع عن بنيه، والمؤلم انه بدل ان يُصار الى تقديم كل اشكال التقدير والحماية لهذا السلاح الذي عوّض الدولة وان يُعتمد خياراً أثبت جدواه في تحرير الارض وحماية الوطن، يعمد البعض الى تقديمه على انه مشكلة بحد ذاته وليس نتيجة لمشكلة اسمها العدوان والاحتلال والتهديد المستمر بهما.
إن السؤال المركزي الذي يطرحه كل مواطن جنوبي هو: من يحميني من إسرائيل؟ مع تأكيد حقيقة ثابتة هي انه لا يوجد مواطن تعرض للعنف الاسرائيلي مستعداً ان يكون حقل تجارب لحلول وخيارات نظرية يمكن ان تكلّفه حياته ورزقه يجري الترويج لها من أشخاص كل الذي يحصل لهم فيما لو فشلت هذه الخيارات انهم يبدّلون بعض العبارات من وراء مكاتبهم الفارهة بينما يدفع المواطن الجنوبي الثمن من دمائه ودماء أطفاله وأبدانهم التي ما فارقت الجرح من فارقت الرحم.
ان جملة من الأسئلة الملحة تقلق كل مواطن جنوبي: ما الذي يريده بعض السياسيين أو المسؤولين من المواطن الجنوبي؟، ألا يعلمون ان هذا المواطن يدفع ضريبة الدم منذ حوالى نصف قرن؟، ألا يعلمون ان هذا المواطن مهدد في حياته ورزقه من إسرائيل؟، ألا يعلمون ان هذا المواطن يحتاج الى حماية حقيقية وفاعلة من الهمجية الاسرائيلية؟، لماذا ينقمون على سلاح المقاومة فيما لم يجد أهل الجنوب إلا سلاح المقاومة يبادر الى حمايتهم من اسرائيل؟، هل يريد البعض جعل الجنوب بل كل لبنان مكشوفاً أمام اسرائيل لتستبيحه متى شاءت وتفرض خياراتها عليه؟ هل يعتقد البعض ان دماء أهل الجنوب رخيصة الى مستوى أنه يريد ان يجعل المواطن الجنوبي مادة سهلة لآلة القتل والعدوان الاسرائيلية؟.
يريد المواطن الجنوبي من جيشه الوطني ان يقوم بحمايته، لكنه، أي المواطن، يعرف أيضاً ان الجيش بإمكانياته وعتاده الراهن لا يستطيع وحده ان يردع اسرائيل، لذلك هو في الوقت الذي يريد فيه من جيشه الوطني ان يكون الى جانبه، لا يريد في المقابل ان يتخلى عن المقاومة التي أثبتت جدوائيتها في حمايته وتحصيل حقوقه الوطنية. وفي الوقت الذي يقارب فيه البعض قضية المقاومة وسلاحها مقاربة فئوية وغير سوية، يعي الجنوبي قضية المقاومة وسلاحها من زاوية الحفاظ على حياته وحفظ أمنه وصون دمه وعرضه وحماية أطفاله وأرزاقه، من زاوية أنه يريد ان يعيش حياته بأمان وكرامة. لذلك يخطئ كل من يقارب قضية السلاح من زاوية انه خاضع لموقف سياسي محض بل هو يمثل حاجة شعب الى حياة كريمة وآمنة يمتلك فيها القدرة للدفاع عن نفسه أمام أي اعتداء أو عدوان تفكر فيه اسرائيل. ان المواطن الجنوبي في ظل غياب حماية الدولة الحقيقية له، قد وفر له هذا السلاح مستوى متقدماً من الشعور بالأمن والحماية وقدرة الدفاع عن نفسه، ولذلك عندما يشعر هذا المواطن بأن الدولة قد استفاقت من غيابها ووضعت حدّاً لاستقالتها من وظيفتها في الدفاع والحماية الحقيقية، سوف يكون مقبولاً لدى هذا المواطن الحديث عن سلاح المقاومة وتقديم الترتيبات المناسبة له.
* أستاذ جامعي